التحقيقات الأولية في الجمعية الاستهلاكية بدمشق تكشف سرقة آلاف أسطوانات الغاز.. وأرقام وهمية في الميزانية؟

لا تزال التحقيقات الأولية جارية في ملفات الفساد القائمة في الجمعية التعاونية الاستهلاكية بدمشق، وبحسب المعلومات الواردة إلينا فإن الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش باشرت تحقيقاتها الأولية في المخالفات والتجاوزات والسرقات المفترضة لآلاف أسطوانات الغاز، والشبهات التي تدور حول عمل المورّدين المتعاملين مع الجمعية، حيث لا صيغ عقدية مبرمة معهم، إضافة إلى التجاوزات في ملف استثمار الصالات التابعة للجمعية، حتى أن بعضاً منها يستثمر من بعض موظفي الجمعية، فضلاً عن التلاعب بقيم الاستثمارات، والتأخر في إنجاز الكشوفات المالية للسنوات الماضية.
سرقة وتهرب..!؟
المشرف على الجمعية من مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك بدمشق عدنان كلي بيّن أن الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش باشرت التدقيق في ملف الاستثمارات والتجاوزات المفترضة، ولعلّ أهمها تجديد عقود المستثمرين بالتراضي دون اللجوء إلى المناقصات، إضافة إلى وجود صالات يستثمرها بعض موظفي الجمعية، والتلاعب بثبات مبالغ الاستثمارات الشهرية من خلال منح بعض المستثمرين تخفيضات على قيمة الاستثمارات بحجة ضعف المبيعات لدى هؤلاء المستثمرين؟
وأوضح كلي لـ”البعث” أن التحقيقات الجارية كشفت عن فقدان أكثر من عشرة آلاف أسطوانة غاز “سائل “خلال الفترة الماضية، حيث تمّت مراجعة ومطابقة الفواتير المستجرة من مديرية الغاز في الشركة العامة للمحروقات مع المدخولات من أسطوانات الغاز إلى الجمعية، وتمّ لحظ فروقات ونقص في عدد الأسطوانات.
المشرف التعاوني في المديرية عمار البارودي أوضح أن أحد المستثمرين تقدم بشكوى على مجلس إدارة الجمعية بحجة ابتزازه من قبل بعض موظفي الجمعية، ولدى دخول المفتشة على خط التأكد من صحة الشكوى ظهرت أمامها جملة من المخالفات أهمها وجود صالة في السوق التجاري بمنطقة الزاهرة مستأجرة من قبل أحد العاملين ومؤجرة للغير لعرض مادة السيراميك، حيث تبلغ مساحتها 300 م2 وبقيمة مالية شهرية قليلة جداً، منوهاً بأن المديرية طلبت من الجمعية ولمرات عديدة تزويدها بنسخ عن العقود المبرمة مع المستثمرين، لكن للأسف إلى الآن لم تزودنا الجمعية بأي شيء في هذا الخصوص، مضيفاً أن الجمعية لجأت إلى تجديد العقود بشكل مباشر لعدد من الصالات خلال الأشهر الماضية، دون أن يتمّ عرض تلك الصالات على المزاد أو المناقصة، مبيناً أن الوزارة وجّهت خلال الفترة الماضية إنذاراً خطياً لإدارة مجلس الجمعية الحالي بسبب المماطلة والتسويف ومخالفة تعليمات الجهة المشرفة.
أرقام وهمية!
وتشير المعلومات التي اطلعت “البعث” عليها إلى أن الميزانيات الختامية للسنوات الماضية فيها أرقام متاجرة كبيرة جداً ضمن بند جدول الأعمال التجارية للجمعية، وبالفعل تعتبر هذه الأرقام كبيرة إذا ما قورنت مع بقية الأرقام الخاصة بالميزانية. وبحسب أحد الماليين في الجمعية فإن هذه الأرقام تبقى وهمية، بوجود أرباح ضئيلة جداً إذا ما قورنت بحجم وكثافة التعاقدات، حيث إن نسبة الأرباح أحياناً لا تتعدى 1%، وأن السبب الرئيسي في ذلك هو دخول الجمعية مناقصات مع جهات القطاع العام كبديل عن التاجر الذي يتهرّب من دفع رسم الطابع من خلال دخول المناقصة أو التعاقد باسم الجمعية مقابل إعطاء الجمعية نسباً زهيدة جداً من الأرباح.
رئيس مجلس الجمعية، المهندس جمال حوامدة، بيّن خلال اتصال هاتفي معه أنه لا مشكلة قانونية في استثمار عمال الجمعية للصالات طالما أن الإيرادات التي يجلبها العمال المستثمرون أكثر من الصالات المستثمرة الأخرى، موضحاً أن جميع محاضر اجتماعات وقرارات مجلس إدارة الجمعية ترسل إلى الجهات المعنية، حتى أن العقود المبرمة مع المستثمرين تطلع عليها الوزارة، نافياً أي تمرد من قبل مجلس الجمعية على القرارات الوزارية، لافتاً إلى أن القرار الذي اتخذته الوزارة سابقاً بحلّ مجلس إدارة الجمعية وهو المجلس المنتخب لا يستند إلى وقائع مثبتة، لهذا لجأت الجمعية سابقاً إلى القضاء وحصلت على قرار قضائي يقضي بوقف تنفيذ قرار حلّ مجلس إدارة الجمعية.
مدير مجمع الثورة الاستهلاكي محمد البحري أكد أن إعطاء بعض الصالات لموظفي الجمعية هو لفترة محدودة، وأنه في حال كانت النتائج جيدة يمكن تطبيق هذه الحالة على جميع صالات المجمع، وإن وجدت الأخطاء في عملنا سنتحمل المسؤولية، مبيناَ أنه افتتح مؤخراً في المجمع صالة غذائية فيها كافة السلع الأساسية.
التخلي عن دورها
وفي السياق ذاته فإن الجمعيات التعاونية الاستهلاكية تبقى هي الرديف الأساسي لعمل مؤسّسات التدخل الإيجابي من خلال تأمين المواد المدعومة كالسكر والرز وبقية السلع الأساسية للمساهمين فيها، إلا أن جمعية دمشق تخلّت عن دورها المنوط بها وهو التدخل الإيجابي، وباشرت بإطلاق مشاريع تجارية لا تمتّ للتدخل الإيجابي بصلة، حيث حولت جمعية دمشق جميع صالاتها في مجمع الثورة لعرض وبيع السجاد، إضافة إلى تحويل عدد كبير من منافذ البيع التابعة لها إلى مستودعات مؤجرة للغير. وبحسب مصدر في مديرية التعاون في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك فإن مجلس إدارة الجمعية المذكورة وضع جميع صالاته في الاستثمار خلال الفترة الماضية ولم يعد لديها أية صالة تُعنى بالتدخل الإيجابي.
مدير التعاون الاستهلاكي في الوزارة عيسى المحمود اعتذر عن الحديث حول المخالفات الواقعة في الجمعية لحين الانتهاء من التحقيقات التي تجريها بعض الجهات الرقابية، مكتفياً بالإشارة إلى أن الوزارة أصدرت قراراً خلال الأشهر الماضية يقضي بحلّ مجلس إدارة الجمعية المذكورة نتيجة ارتكابها العديد من المخالفات، منها المتاجرة باسم الجمعية من خلال دخول الجمعية لمناقصات القطاع العام وإعطائها إلى تجار محدّدين، لكن القرار لم ينفذ نتيجة لجوء مجلس الجمعية إلى القضاء وحصولهم على قرار قضائي يقضي بوقف تنفيذ حلّ المجلس مقابل دفع كفالة مالية قدرها 3 ملايين ليرة سورية.
تصحيح المسار
بالمحصلة وأمام هذه الفوضى لا بد من تصحيح المسار، وإلزام مجلس إدارة الجمعية بعدم التخلي عن واجباته الأخلاقية والمهنية تجاه المساهمين والمواطنين بالعمل على التدخل الإيجابي، ولاسيما أن الهدف الرئيسي من وجود هذه الجمعيات ليس الربح بشكل مباشر، فهو قطاع رديف للقطاع العام يحمل المسؤوليات نفسها، وعليه كافة الواجبات بعيداً عن الاحتكار والمنافع الشخصية، كما أنه من الضروري وضع ضوابط قانونية وإدارية ومالية ومحاسبية جديدة لعمل هذه الجمعيات تواكب المرحلة القادمة، لا أن تبقى في قيود وقرارات ومراسيم وتشريعات تعود إلى خمسينيات القرن الماضي.
البعث
شارك