8.8 مليارات دولار الخسائر السنوية بسبب “قيصر”.. دعوة للاستفادة من التعليق الجزئي للعقوبات باستيراد ما كان ممنوعاً

أكد أستاذ القانون الدولي في كلية الحقوق الدكتور ماهر ملندي، أن قانون قيصر خارج ميثاق الأمم المتحدة، وأن إصدار وزارة الخزانة الأمريكية بيانها القاضي بإعفاء سورية ولمدة ستة أشهر من بعض العقوبات المفروضة على سورية بموجب قانون قيصر بما يخصّ جميع المعاملات المتعلقة بالاستجابة للزلزال، ما هو إلا لصالحها في نهاية المطاف كي تستخدمه فيما بعد لتظهر بمظهر المساهم في أعمال الإغاثة في سورية، مع استبعادها للسلطات الشرعية السورية.

واعتبر ملندي -خلال جلسة حوارية نظمتها جامعة دمشق لمناقشة هذا البيان- أن ما رآه البعض تخفيفاً للعقوبات لم يضف شيئاً، بل هو استثناء لناحيتين فقط، الأولى تتعلق بالمواد الإغاثية، وتتعلق الأخرى بمواد الرعاية الصحية ذات الصلة بالنظافة والصرف الصحي وما إلى ذلك، مشيراً إلى أن الوكالة الأميركية للتنمية أعلنت أنها ستقوم بتقديم مبلغ 85 مليون دولار كمساعدة إغاثية، ولكن هذه المساعدة ستتجه إلى شركائها المحليين وليس للحكومة السورية.

شرعنة الكسر

الأستاذ في كلية الاقتصاد الدكتور إبراهيم عدي بيّن أن العقوبات على سورية ليست جديدة، ولم يكن قيصر أولها، فمنذ عام 1979 والعقوبات مفروضة عليها وبطرق مختلفة، معتبراً أن هذا الرفع الجزئي أو ما سمّاه البعض تخفيفاً للعقوبات لم يكن إلا بسبب قيام بعض الدول بكسر هذه العقوبات بغرض إرسال مساعدات لسورية، فعمدت الولايات المتحدة إلى إصدار هذا البيان لتشرعن حالات كسر العقوبات وكي لا تظهر بمظهر الخاسر أو الضعيف!.

ونوه عدي بأن مجال الاستفادة من هذا البيان يجب أن يوجّه في استيراد التجهيزات ولوازم البناء الممنوعة من الاستيراد بسبب قيصر، والعمل بجهود كبيرة للوصول إلى إلغاء العقوبات، مشيراً إلى أهمية أن تبقى الحكومة السورية المرجع الأساسي المعتمد في تقديم المعونات.

الأموال المجمدة.. فرصة

وعلى الرغم من الأرقام المتداولة خلال الأيام السابقة، والتي تتحدث عن حجم الخسائر، إلا أن الأستاذ في كلية الاقتصاد الدكتور عدنان سليمان وجد أن تقديرها صعب جداً، ولا قدرة لأحد على إعطاء رقم عن تحديد كلف التمويل وإعادة الإعمار، مبيناً أن العقوبات كانت سبباً كبيراً في زيادة حجم الخسائر، فعدم وجود إمكانيات صحية وطبية وإسعافية، كل ذلك سببه العقوبات والحصار الاقتصادي.

واقترح سليمان إحداث هيئة عامة لإدارة الخسائر وإعادة الإعمار، وإحداث صندوق يتبع لأحد المصارف يقبل تبرعات الأفراد والأشخاص والشركات والدول. وانطلاقاً من أننا لا نملك تجارب في التعامل مع الكوارث، رأى سليمان أنه من الضروري تضافر جميع الجهود، للانتقال إلى مرحلة استيعاب الصدمة والتخطيط.

بينما رأى الدكتور هيثم الطاس أن من الأولويات اليوم أن يتمّ التركيز في مرحلة التعليق الجزئي للعقوبات “وليس الشامل” على جوانب اﻹغاثة، مشدداً على أن تقوم الوزارات المعنية بهذا الجانب الإغاثي وهي وزارة الكهرباء والنفط والصحة وتحاول الاستفادة قدر الإمكان للنهوض بالمرحلة القادمة. لكن الأهم برأيه هو تحديد الاحتياجات الأساسية والأولويات والاستفادة من أموال الدولة السورية المجمّدة في مختلف دول العالم، ليتمّ من خلالها تأمين هذه الحاجيات، مع تأكيده على ضرورة أن تكون الجهات المتعاملة مع الحوالات أو القطاع المصرفي تعمل وفق آلية واضحة لضمان تمديد هذا التعليق في المستقبل، ويمكن أن تكون منظمة الهلال الأحمر قائدة لموضوع الإغاثة والاستفادة من التعليق الجزئي.

 مليارات دولار خسائر أولية

الدكتور علي كنعان الأستاذ في كلية الاقتصاد أشار إلى الخسائر الأولية الناتجة عن الزلزال والتي بلغت نحو 2 مليار دولار في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية، ويقابلها 2 مليار دولار في إدلب، وكشف عن أن حجم الخسائر السنوية التي يتعرّض لها الاقتصاد السوري نتيجة العقوبات وصلت إلى 8.8 مليارات دولار، موزعة على قطاعات الصناعة والتجارة والاستيراد والتصدير والسياحة، كما أن مستورداتنا انخفضت إلى أدنى حدّ وهو حدّ الكفاف ووصلت إلى 4 مليارات دولار سنوياً.

لذلك، وبحسب الدكتور كنعان، فإن الأثر غير المباشر لقانون قيصر أكبر من الأثر المباشر، لأنه يتبعه تحويل عملة وحركة رأس مال ونزوح شركات، وهذا ما جعل الأثر غير المباشر ذا تأثير أكبر من المباشر، مقترحاً تشكيل هيئة عليا للإغاثة وتحدث لها أربع هيئات فرعية في المحافظات التي اعتبرت مناطقها المتضررة من الزلزال مناطق منكوبة، ويتمّ من خلال هذه الهيئة جرد الخسائر والأضرار البشرية والمادية والبنية التحتية وأماكن مراكز الإيواء، ويتمّ رفع نتائج عمليات الجرد بشكل يومي إلى لجنة الإغاثة لتحديد الأضرار بشكل دقيق وتقييمها بالقيمة الحقيقية لها وفقاً للمعيار الدولي.

ليس منّة ولا منحة

الدكتورة أمل يازجي رئيسة قسم القانون الدولي في كلية الحقوق أشارت إلى أن الإجراءات الأحادية جعلت الدولة السورية غير قادرة على الاستفادة من الأصول المجمّدة في الخارج، ورأت أن الواقع اليوم يفرض علينا محاولة الاستفادة من هذه الأصول خلال هذه الفسحة والآلية الأوروبية لأغراض الإغاثة. وبيّنت يازجي أنه كان لدى سورية فرصة مهمّة بأن تقوم برفع دعوى في الولايات المتحدة الأمريكية، وعلى الرغم من إمكانية الربح في هذه الدعوى إلا أننا لم نستطع التوجه لها لأن ذلك سيكون مكلفاً مادياً إلى حدّ كبير، والحكومة تفضّل أن تصرف هذه المبالغ الطائلة لما ينفع الشعب، والبلد.

ودعا مجد عثمان الدكتور في الإدارة، إلى ضرورة تفعيل دور الجمعيات الأهلية والشركات الصغيرة واستثمار كافة الإمكانيات البشرية في سورية وتوحيد الجهود في هذه الفترة بالتنسيق مع الحكومة السورية.

أستاذ القانون العام في كلية الحقوق الدكتور سعيد نحيلي طالب بعدم استقبال ما أصدرته وزارة الخزانة الأمريكية على أنه نوع من العطاء والمنحة والمنّة الأمريكية، أو كأنه اختبار توضع تحته الحكومة السورية، مع تأكيده أن ميثاق الأمم المتحدة ينصّ على تضافر جميع الدول في مواجهة تداعيات الكوارث التي تتعرّض لها إحدى الدول. كذلك أكد أن الوقت حان لأن تتعاطى الدول والمجتمع الدولي والمنظمات والتحالفات الدولية مع هذه الإجراءات على أنها ليست إنسانية ولا أخلاقية ولا قانونية ولا عادلة، وأضاف: لا نريد أن يمنحنا أحد موعداً أو مهلة، فنحن دولة ذات سيادة يجب أن تستمر بمؤسساتها ومجتمعاتها ومبادراتها المجتمعية، ويجب الاتفاق مع الدول الصديقة للإطاحة بهذا القانون وإيقافه وليس تخفيفه.

شارك