لا يزال الذهب يشكّل ملاذاً آمناً للكثير من العائلات السورية للحفاظ على مدخراتها، وقد بدا الأمر جلياً خلال سنوات الحرب العشر، حيث تسابق السوريون على اقتناء الذهب لضمان العبور إلى برّ الأمان، في ظل ما تشهده الأسواق من تقلبات بفعل عوامل الحصار وسعر الصرف، ولكن خلال جائحة كورونا تبدّدت آمال الصاغة والمواطنين على حدّ سواء، فلا السعر المرتفع حقّق للصائغ أرباحاً إضافية في ظل ضعف القوة الشرائية للشاري، ولا المواطن بات بمقدوره شراء الكميات التي يريدها بفعل التضخم في أسعار الذهب.
وفي هذا السياق يجمع حرفيو المعدن النفيس على أن الأسواق تأثرت كثيراً بفعل النتائج الارتدادية لفيروس كورونا على الدورة الاقتصادية، حيث انخفضت عمليات الشراء بشكل كبير. يقول راتب طعمة “صائغ “: لم يشهد سوق الذهب أياماً قاسية كتلك التي نشهدها حالياً، فمنذ بداية جائحة كورونا أُغلقت المحال والورشات لمدة شهرين، ما تسبّب بخسائر كبيرة لنا، ولكن حتى بعد عودة فتح محلات الصاغة فإن الطلب على الذهب ضعيف جداً، وهناك تخوّف من قبل المواطنين من الشراء، كما أنهم يحتفظون بمقتنياتهم من الذهب رغم ارتفاع أسعاره، على اعتبار أنه ملاذ آمن بالنسبة لهم خوفاً من أيام عصبية أكثر ربما قد تأتي، أما بالنسبة لأصحاب الورشات فقد اضطر كثيرون منهم للاستغناء عن أغلب العمال، كما أن هناك بعضاً من تجار الذهب اضطروا لتغيير المهنة بحدّ ذاتها.
في حين يشير غابي “صاحب محل في سوق الصاغة” إلى أن القرارات الاحترازية التي تمّ اتخاذها في بداية أزمة جائحة كورونا، من خلال إغلاق صالات الاحتفال بالخطوبة أو الزواج، خفّفت بشكل كبير من الطلب على الذهب وساهمت في عملية الركود.
ويقول الشاب “حسين” الذي يستعدّ للزواج إن الأسعار الكاوية للذهب دفعته مع خطيبته للتخلي عن شراء ما كانوا يخطّطون له واستبداله بالذهب البرازيلي والفضة. أما زينب فتقول إن حلمها في اقتناء الذهب بات من المستحيلات في ظل الأسعار المرتفعة والتي لا يستطيع موظف حكومي شراء غرام واحد إلا في حالات استثنائية!.
رئيس جمعية الصاغة وصنع المجوهرات في دمشق غسان جزماتي أنه منذ بداية جائحة كورونا انخفض الطلب على الذهب بشكل كبير جداً، فحجم المبيعات لا يتجاوز النصف كيلو يومياً والمواطن ليس لديه السيولة الكافية ليشتري الذهب، كما أن أغلب مناسبات الزواج والخطوبة تأجّلت نتيجة ارتفاع الأسعار، في حين أن الكميات التي يشتريها الصاغة من الحرفيين لا تتجاوز الـ500 غرام يومياً.
وعن تأثير قانون قيصر على استيراد الذهب، بيّن جزماتي أن قانون قيصر ليس له تأثير على استيراد الذهب، على اعتبار أنه يُستورد من بيروت في الأحوال العادية، ولكن حالياً لا يتمّ استيراده من بيروت نتيجة عزوف تجار الذهب عن الذهاب إلى لبنان بسبب كورونا، في حين أن تذبذب أسعار صرف الدولار عالمياً هو من يؤثر بشكل كبير على أسعار الذهب، الأمر الذي يؤدي إلى تغيير التسعيرة باستمرار تماشياً مع سعر الصرف العالمي، مبيناً أنه تمّ إعادة دمغ الذهب منذ شهر تموز الماضي، بعد توقفه لمدة ثلاثة أشهر وإعادة الدمغة كان بهدف تنشيط السوق. وحول إحجام المواطنين عن بيع الذهب نتيجة ارتفاع أسعاره، أشار إلى أن الذهب بالنسبة للمواطن عامل ضمان للمستقبل وهو في ارتفاع دائم، وإذا لم يكن مضطراً للبيع فهو لا يقدم على تلك الخطوة.
وقد نشط بيع الذهب خلال فترة الحظر على “الواتس آب” بشكل كبير، واتُهم بعض الصاغة باستغلال حاجة الناس للبيع مما أثر على دقة الأسعار وإمكانية التلاعب بها. وهنا يوضح رئيس الجمعية أن الصاغة لم تستغل حاجة المواطن للبيع، حيث عمدت الجمعية إلى وضع تسعيرة ليكون سعر الذهب قريباً من الواقع لضمان عدم استغلال حاجة المواطن، كما تتمّ متابعة حركة السوق بشكل دائم مع دوريات تموينية تجول بشكل يومي، وأصدرت الجمعية تعاميم عدة للصاغة لمتابعة موضوع التسعير، وذكرت في التعميم “أنه يمنع منعاً باتاً أن يبيع أي صائغ الذهب بسعر أعلى من السعر الذي تصدره الجمعية”.
وعن كيفية تحديد أسعار الذهب يومياً، بيّن جزماتي أنه بعد ورود أسعار الصرف إلى الجمعية من مصرف سورية المركزي يتمّ تسعير الذهب على ضوئها، وهناك تواصل مباشر مع المصرف، ويتمّ تسعير الذهب بحيث يكون قريباً من أسعار الدول المجاورة بهدف ضمان عدم تهريبه خارجياً أو داخلياً.
البعث