تضمن خطاب السيد الرئيس بشار الأسد أمام مجلس الشعب بتاريخ 12/8/2020 الجوانب الاقتصادية التي تعيشها سورية في ظل الحرب العسكرية والسياسية منذ أكثر من عشر سنوات، ووصفها بالإرهاب الاقتصادي وتندرج في إطار الحرب الاقتصادية الكاملة على الشعب السوري، ووضع رؤية واضحة للاستمرار في خوض المعركة والانتصار فيها من خلال وضع كل الإمكانات والمقدرات ضمن خطط إستراتيجية ووفق أطر تنظيمية، وكل ذلك ضمن إطار العمل المؤسساتي، وعليه فإن مفهوم اقتصاديات الحروب كما يقول بدران: هو عملية تعبئة وحصر كل الموارد من مادية وبشرية، وإعادة توزيع استخدامها، بحيث يخصص الجانب الأكبر منها لخدمة المجهود الحربي من أجل تحقيق النصر في المعارك التي تخوضها الدولة.
في المقابل يخفض الإنفاق العام، ليقتصر على توفير الاحتياجات الضرورية للمواطن، أي إن المشروعات التنموية والرفاه الاجتماعي وغيرهما من الأنشطة التي تشرف عليها الدولة، تتراجع وتصبح أموراً ثانوية. لذلك يعد «اقتصاد الحرب» اقتصاداً غير إنتاجي في جوهره، وخصوصاً أنه يعتمد على المساعدات الخارجية، وتتحكم فيه شبكة المصالح المتوزعة بين قطاعي المال والأعمال وبين مؤسسات الدولة، وهو الذي يضغط على الخيارات الاقتصادية العامة ويحدد اتجاهاتها، كما يرى الباحث بدران أن الدولة التي تدخل في حرب يكون من البدهي تحول اقتصادها إلى اقتصاد حرب، حيث الأولوية تكمن في تأمين المواد الأساسية كالوقود والغذاء. أي إن اقتصاد الحرب مجموعة من التركيبات الاقتصادية التي تنشأ في فترات النزاعات المسلحة والصراعات، وتستمر حتى بعد انتهائها. واقتصاديات الحرب لا توجد فقط في الدول التي تعيش بالفعل نزاعات مسلحة بل أيضاً في المناطق المتوترة وغير المستقرة والمناطق المجاورة لها. فالحروب الطويلة في تلك المناطق، وعدم استقرار الأوضاع فيها، تركت آثاراً واضحة في الحركة الاقتصادية، وجعلتها تتحرك في منحى آخر غير الاقتصاد العادي الذي يعمل من أجل التنمية، وتالياً فإن لتلك العوامل أثرها في الحياة السياسية والاجتماعية.
إن تغلغل «اقتصاد الحرب» في تلك المناطق يعوق تقدم المجتمعات والحكومات في أداء عملها، ويعرقل تحقيق أي نجاحات في بناء نظام دولة آمنة مستقرة، ولاسيما مع وجود تدخل مستمر من أطراف أجنبية في مسارات السياسة الخارجية والداخلية، حيث تحطم الحرب قواعد اللعبة المطبقة على عمليات التبادل في اقتصاد السوق، فتجارة المقايضة تحل محل المعاملات التي تتم بالعملة، وقد تنهار الدولة والخدمات العامة، ويكون هناك ميل لهيمنة الإفلات من العقاب على حكم القانون، ما يجعل تنفيذ الواجبات التعاقدية محض مصادفة ومكلفاً من حيث الضمان.
وتعدل الحرب من سلوك القطاع الخاص سواء على مستوى الشركات أو على المستوى الأسري ويولد عدم الاستقرار عدم اليقين، الذي يحد بشدة من أفق التخطيط وثقة المستهلكين والمستثمرين، ويعزف أصحاب رؤوس الأموال عن الاستثمار في المجالات التي تشتد فيها الحاجة إلى ذلك في قطاع الأصول الثابتة كالبنية الأساسية للزراعة والصناعة.
إن استراتيجيات البقاء التي يتبعها السكان ترتبط بانتشار أنشطة موازية وخارجة عن القانون، الأمر الذي يسفر غالباً عن أنشطة اقتصادية غير رسمية تلقي بظلالها على السوق الرسمية، وقد تضطر أكثر الفئات ضعفاً لبيع ممتلكاتها الشخصية التي يستحوذ عليها آخرون بأسعار منخفضة جداً.
وهكذا يمكن للحرب أن تغير بشكل جذري توزيع الثروة والقوة بين الجماعات الاجتماعية الاقتصادية، حيث تحقق أقلية صغيرة أرباحاً كبيرة بينما تنزلق الأغلبية العظمى نحو الفقر المدقع، ويرى الباحث بدران بروز أهم خطط الحروب الاقتصادية في إغراق الدول المعنية بالديون والفوائد، وافتعال الأزمات بين دول الجوار المستهدفة بالحروب الاقتصادية، إضافة إلى خطط لضمان التبعية الاقتصادية عن طريق الإمداد بالغذاء والأدوية وتقديم المساعدات الاقتصادية والمعونات السنوية، والحماية العسكرية.
تشرين