قدرت دراسة صادرة عن المرصد العمالي للدراسات والأبحاث قيمة الإيرادات المتحققة سنوياً جراء رفع أسعار مادتي البنزين والمازوت الصناعي بأكثر من 444.8 مليار ليرة، ويزداد هذا المبلغ كلما كانت كمية البنزين الممتاز غير المدعوم والبنزين أوكتان 95 أكبر من مجموع استهلاك سوريا اليومي البالغ 4.5 مليون لتر.
وجاء في الدراسة التي أعدها الدكتور هيثم عيسى أن قرارات زيادة أسعار المشتقات النفطية المذكورة سيكون لها آثارٌ عديدة مباشرة وغير مباشرة على المستوى الجزئي )الُأسر ومنظمات الأعمال( وكذلك على المستوى الكلي )الاقتصاد الوطني(. وعلى الأغلب سيتحمل قطاع الأسر بالمحصلة الآثار النهائية لهذه الارتفاعات في أسعار المشتقات النفطية إذ تبين التجارب السابقة في سوريا نجاح قطاع الأعمال في نقل القسم الأكبر من ارتفاع التكاليف، بغض النظر عن أسبابه، إلى قطاع الأسر المستهلك النهائي للسلع والخدمات عن طريق رفع أسعار تلك السلع والخدمات. لكن، يوجد أيضاً تأثير مباشر على بعض فئات الُأسر، مثلًا الُأسر التي تمتلك سيارة سياحية ستتحمّل على الأقل مبلغ 20 ألف ليرة شهرياً تمثل الفارق في سعر ال 100 لتر من البنزين المدعوم التي ارتفع سعرها من 25 ألف إلى 45 ألف ل.س. وستزداد هذه التكلفة كلما كانت الأسرة تستهلك كمية أكبر من البنزين الممتاز غير المدعوم أو البنزين أوكتان 95 .
وبحسب الدراسة وفي ظل صعوبة حصر وتحديد الآثار الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة المترتبة على تغييرٍ ما في السياسات الحكومية أو إجراءٍ ما تتخذه السلطات الاقتصادية في الفترة الزمنية القصيرة التي تلي صدوره، فإن رصد الباحث لأهم الآثار المتوقعة لقرار زيادة أسعار المازوت الصناعي والبنزين اقتصر على سبعة أثار هي:
-من المتوقع أن تؤدي هذه القرارات، كما في كل الحالات التي يكون فيها سعرين لسلعةٍ واحدة، إلى توسّع السوق السوداء للمادتين نتيجة توسّع الفارق بين السعرين المدعوم وغير المدعوم. وبالتالي ستخسر الحكومة الدعم المقدم للمواد التي تجد طريقها إلى السوق السوداء وتستفيد منه فئة من أفراد المجتمع لم تكن مقصودة بهذا الدعم.
-سيؤدي ارتفاع تكاليف المنتجات المحلية إلى تراجع قدرتها التنافسية )التنافسية السعرية تحديداً( سواء في الأسواق المحلية الداخلية أو في الأسواق الدولية، ومن المحتمل جداً أن يتراجع الطلب المحلي وكذلك الخارجي عليها مما سينعكس سلباً على الشركات والمؤسسات السورية التي كافحت خلال الأزمة/الحرب على سوريا من أجل البقاء والاستمرار في العمل.
-تبنّت الحكومة السورية منذ فترة استراتيجية تصنيع بدائل المستوردات من أجل تخفيض الحاجة/الطلب على الدولار الأمريكي وتنشيط الإنتاج المحلي. لكنّ قرارات زيادة أسعار المازوت الصناعي والبنزين تتعارض مع هذه الاستراتيجية كونها ترفع تكاليف الإنتاج المحلي وتقلل من قدرته التنافسية. يعرّض هذا الأمر جهود الحكومة في مجال تشجيع تصنيع بدائل المستوردات إلى احتمال أكبر للفشل ويستدعي المعالجة السريعة.
-ستؤدي هذه الزيادات بالمحصلة إلى ارتفاع تكاليف المعيشة على الأسرة السورية في وقتٍ تعاني فيه الرواتب والأجور بالمتوسط من انخفاضٍ شديد مما سيزيد من حدة الفقر. لذلك، يُفترض أنّ تتخذ الحكومة مجموعةً من الإجراءات المقابلة التي تضمن تحقيق زيادةٍ فعلية في مستوى الرواتب والأجور. عملياً، تلمسنا بداية هذه الإجراءات بالمرسومين التشريعيين 24 و 25 الذين صدرا عَقِب صدور قرارات زيادة أسعار المشتقات النفطية.
بالتفصيل، نصّ المرسوم الأول على تعديل قانون ضريبة الدخل رقم 24 لعام 2003 من حيث رفع الحد الأدنى من الدخل المُعفى من الضرائب من 15000 إلى 50000 ألف ليرة وكذلك تعديل الشرائح الضريبية وبالتالي سيكون له أثرٌ إيجابي دائم، بينما نصّ المرسوم الثاني على صرف منحةٍ لمرة واحدة مقدارها 50 ألف ليرة للقائمين على رأس عملهم و 40 ألف ليرة للمتقاعدين، وسيكون لهذا المرسوم أثرٌ إيجابي مؤقت ولمرةٍ واحدة.
-بررت الحكومة رفع أسعار المازوت الصناعي والبنزين جزئياً بعمليات التهريب إلى الخارج لهذه المواد، لكن لم يصدر عن الحكومة حتى الآن أية قرارات لتفعيل عمل المؤسسات الحكومية المعنية بمكافحة ذلك التهريب مع العلم أنّ مثل هذه القرارات تمثل جزءاً من الحل الشامل لمشكلة التهريب. إنّ اتخاذ مثل هذه الإجراءات يساهم، من جهةٍ ثانية، في تعزيز الثقة بين الحكومة والمواطنين وهو هدف يجب أن تفكر فيه الحكومة عند اتخاذ أي قرار اقتصادي أو غير اقتصادي.
-يُفترض أن يؤدي الاستخدام الأمثل للإيرادات المالية المتحققة من رفع أسعار المازوت الصناعي والبنزين في تحسين وضع مالية الحكومة وتقليص عجز موازنتها. يتيح ذلك فرصاً حقيقة أمام الحكومة لدعم الاقتصاد الوطني لعل أبرزها توظيف جزءٍ من هذه الوفورات في دعم الإنتاج المحلي بطرائق مختلفة منها مثلًا دعم أسعار الفائدة للقروض الإنتاجية للقطاع الخاص.
-سيؤدي ارتفاع تكاليف المعيشة نتيجة هذه القرارات إلى تراجع الدخل الحقيقي لفئاتٍ مختلفة من الأفراد مما سيؤدي إلى تراجع الطلب الكلي الأمر الذي سيزيد من انكماش الاقتصاد السوري. إذن، بالمحصلة سيترتب على قرارات رفع أسعار المازوت الصناعي والبنزين، تضخمٌ في الأسعار وانكماشٌ في الطلب مما سيعمق مشكلة الركود التضخمي في سوريا.
المشهد