بين انتشار ثقافة التأمين في المجتمع السوري والقرارات والإحصائيات المتتالية لمختصي هذا القطاع، هل تحاكي شركات التأمين السورية اليوم طموحات السوق؟
المحامي بسام رابعة أوضح أنه خاض تجربة التأمين في سورية لفترة وجيزة ولم يجدد العقد_بل مكتف اليوم بالتأمين الإلزامي- معزياً السبب لكون شركة التأمين لم تستطع تلبية مطالبه بالشكل المتفق عليه، وعند تخصيص التأمين بالقطاع الصحي كان هناك هوة كبيرة بين الشركة والصيادلة سواء من جهة التواصل عن طريق الإنترنت أو من خلال استخدام الصيادلة لعبارة «لا نتعامل مع هذه الشركة».
الدكتور ريمون هلال عضو في مجلس الشعب بدأ متسائلاً إن هناك مئات الآلاف في سورية موظفون، أي يُقتطع من رواتبهم تأمينات صحية وطبابة، أين هذه التأمين؟ منوهاً بضرورة القيام بدراسة جديدة للقطاع التأميني.
فمنظومة التأمين الصحي لدينا حسب د. هلال ضعيفة، لذلك نرى تحول العديد من السوريين للتأمين خارج البلد، فلماذا لا يوجد لدينا شركات تأمين سورية تضاهي الخارج، لكون التأمين عقداً بين طرفين وفق بنود محددة ومبالغ معينة وبرضاهما، ما يشكل منظومة تأمينية تدفع المؤمن للتعامل مع الشركات السورية، فقطاعا التأمين لدينا_العام والخاص_ حسب د. هلال لم يصلا للنضج الكافي في العمل.
من جهته الدكتور المحامي عمار يوسف أوضح بخصوص القوانين السورية المطبقة حالياً من حيث المبدأ هناك ما سمى إعادة التأمين وهي شركات صغيرة تقوم بالتأمين لدى شركات ضخمة والقوانين تجيز هذا التعامل، ولكن نتيجة الوضع الحالي وعدم ضبط سعر الصرف إضافة للعقوبات وإرهاب قيصر وصعوبة تحويل الأموال بين سورية والدول الأخرى، ما انعكس ضرراً على قطاع التأمين.
إضافة إلى كون البنك المركزي يحصر عملية إعادة الـتأمين بالليرة السورية وضمن أسعاره، بفرق كبير عن السعر المتداول، فالقطبة المخفية هنا حسب د. يوسف هي عدم سهولة التداول والسعر المتفاوت للصرف.
مضيفاً: إنه بسبب الظروف الحالية أصبح التأمين بالليرة السورية على معامل ضخمة أمراً صعباً جداً لكبر مبلغ التأمين، فالتوقف الحاصل بقطاع التأمين اليوم سببه السياسة المتبعة من البنك المركزي بالنسبة للتأمين وإعادة التأمين.
وعن عقود التأمين بين الشركة والمؤمن بين د. يوسف أنها عقود جيدة ضمن شروط لا تتوافر في الآونة الأخيرة، وعدم الرضا نتيجة بعض القوانين التي تفسرها شركات التأمين كما هي دون شرح فعلي وحقيقي، ما يجعل الكرة في ملعب الشركة التي تحدد مبلغ التأمين والعائد أيضاً، من دون أسس قانونية مشروحة بشكل فعلي، ما يجعل المؤمن يرضخ للمبلغ الذي تحدده الشركة، لكون اللجوء للقضاء قد يأخذ عشر سنوات للبت بالحكم – وقبض المبلغ بالليرة السورية- وهي الثغرة التي يقع ضحيتها المؤمن لكونها تصب بمصلحة شركة التأمين فقط.
وعن محاكاة الواقع الحالي أشار د. يوسف إلى أنه مهما بلغت ديناميكية الشركات ليحاكي التأمين زيادات الأسعار لن تصل للحد المرجو منها، لأنها ملتزمة بتعليمات البنك المركزي الذي لا يجيز لهذه الشركات التصرف بأي طريقة، والحل الجذري حسب د. يوسف يقع في ملعب البنك المركزي.
بينما تحدث الدكتور إيهاب إسمندر مدير هيئة المشروعات الصغيرة والمتوسطة عن المخاطر التي تواجه تأمين المشروعات فهي عبارة عن تهديدات من طبيعة معينة كالتذبذب في الإيرادات والتدفقات النقدية المستقبلية لمشروع معين، ومثال ذلك أخطار الحريق والسرقة وتلف مخزون البضاعة سواء بالمخزون أم خلال عملية الشحن للزبائن، فالتغطية التأمينية هي عبارة عن الحد الذي يقوم به المُؤمِّن بتغطية خسائر المؤمن عليه وذلك تبعاً لشروط عقد التأمين.
وعن فائدة التأمين على المشروعات الصغيرة أوضح د. اسمندر أنه تبرز أهمية التأمين على المشاريع الصغيرة لكونها لا تملك الملاءة المالية الكافية لمواجهة الأخطار التي قد تؤدي إلى تذبذب في إيراداتها أو تدفقاتها المستقبلية، وخاصة في حال كانت مشاريع ريادية في مراحلها الأولى، وأي تذبذب في إيرادات المشروع قد يؤثر سلباً في كل من المشروع الصغير ومؤسسة التمويل أو مصرف التمويل الصغير الممول لهذا المشروع، ولكن عند وجود عقد تأميني يغطي مثل هذه الأخطار يخفف بشكل كبير من هذا التذبذب في حال تحقق هذا الخطر، فمثلاً عند تعويض شركة التأمين لقيمة البضاعة التالفة بالحريق لمشروع صغير، فإنها تضمن استمرارية المشروع بتجاوز الخسائر المادية من خلال مبلغ التعويض.
مضيفاً: إن فائدة أخرى بالنسبة لمؤسسات ومصارف التمويل الصغير تكمن في عقود التأمين على حياة صاحب القرض أو المشروع الصغير بمبلغ القرض وفوائده، ففي حال توفي المقترض أو صاحب المشروع فإن ذلك يمنع المعالين من أفراد أسرته بالوقوع في دائرة الفقر، ويمكنهم من الاستمرار في تشغيل المشروع من دون وجود التزام لمؤسسة التمويل الصغير أو مصرف التمويل الصغير.
ونوه د. إسمندر أن التأمين على المشاريع الصغيرة يهدف إلى خلق الملاءة المالية المرادة دون تجميد مبالغ مالية يمكن استغلالها في عمليات تشغيلية فالأقساط المجمعة من جميع المشاريع لتغطية خطر الحريق مثلاً، تمثل مجمعاً واحداً لمواجهة هذا الخطر في حال تحققه في أحد المشاريع، ما يؤدي إلى خلق استدامة واستقرار في المشاريع الصغيرة وبالتالي استقرار قاعدة الاقتصاد الوطني.
في سياق متصل تحدث الخبير الاقتصادي د. ماهر سنجر أنه بعيداً عن مدى توافر ثقافة التأمين في السوق السورية سواء لدى الشركات أم المؤمن، فهناك من يحمل بطاقة تأمين صحي ولكنه غير عارف بشروطها وغير مدرك لمضمون وثيقة التأمين، أو أن امتلاكه لبطاقة التأمين هو من الامتيازات الممنوحة له من دون أن يدرك ما له وما عليه منها.
وبالاطلاع على البيانات المالية لشركات التأمين من الصعب أن نجد شركة تأمين حققت الأرباح من التأمين الصحي وخاصة في ظل انكفاء الكثير من معيدي التأمين عن العمل مع السوق السورية بحجة العقوبات ما أدى لغياب اتفاقيات إعادة التأمين التي تساهم في تقليل وقع الخسائر على شركات التأمين المحلية، إضافة إلى القفزات المتتالية بأسعار الخدمات الطبية والأدوية في ظل حالة من التضخم وفي ظل حصار اقتصادي جائر أثر في أداء اللاعبين الرئيسيين في قطاع التأمين وجعل مبالغ الأقساط متضخمة رغم إصدار عدد أقل من وثائق التأمين.
وفيما يتعلق بالتأمين على المشاريع الصغيرة والمتوسطة أكد د. سنجر أنه من الجيد الإشارة إلى أن القانون رقم /8/ لعام /2021/ الذي صدر منذ أيام شارك قطاع التأمين بعملية ضمان المخاطر ما يعني مزيداً من فرص العمل لشركات التأمين فيما لو أحسنت هذه الشركات هندسة منتجات تتلاءم مع متطلبات التمويل الصغير، فيبقى السؤال هل ستحسن هذه الشركات قراءة أبعاد هذا القانون واستثمارها بالشكل الأمثل؟
الوطن