يُلاحظ المواطن المستهلك، عند زيارته لأسواق الخضار والفواكه عموماً، الفارق الكبير بالمنتجات الزراعية المتوفرة بشكل عام، بالمقارنة مع ما كان موجوداً خلال السنوات الماضية، من حيث الكم والجودة والسعر.
فالأصناف المتوفرة في السوق من الخضار والفواكه، على الرغم أنها بموسمها، تعود للنخب الثالث والرابع، وذلك في أغلب الأسواق، ولا يتوفر النخب الأول إلّا بأسواق محددة ونادرة، وطبعاً الفواكه لم تعد تشبه الفواكه السابقة، فالمتوفرة في السوق لا طعم ولا جودة، ومع ذلك الأسعار مرتفعة بشكل جنوني.
الأسباب الحقيقية.. ولا تبريرات رسمية
جاء في تصريح لمدير الإنتاج النباتي في وزارة الزراعة يوم 8 أيلول الجاري «أن نقص إنتاجية بعض أنواع الخضار لا يشعر بها المواطن»، كما نوه إلى أنه «ليس لدينا نقص في جميع أنواع الخضار فعلياً، لكن الإشكالية في قلة الإنتاجية، وهذا الانخفاض لبعض الأنواع أدى إلى ارتفاع الأسعار».
بداية لا بد من الإشارة إلى أن موضوعة نقص الإنتاج ليست بعيدة عن مسؤولية القرارات التي تبتدعها الحكومة، سواء عبر رفع أسعار الأسمدة أو حتى الأدوية الضرورية لمكافحة الآفات الزراعية، والضربة الأخيرة كانت من خلال رفع سعر المازوت المدعوم من 180 ليرة إلى500 ليرة سورية، وما سيتكبده المزارعون من تكاليف إضافية لعمليات الري، التي أصبحت مكلفة ومجهدة، فسعر لتر المازوت في السوق السوداء يعادل 3000 ليرة، فضلاً عن تكاليف عمليات نقل الخضار والفواكه إلى أسواق الهال، التي أصبحت تحتاج «للبقشيش» حتى تمر عبر بعض الحواجز!
ما سبق، يعتبر من بعض الأعباء المرمية على كاهل المزارعين، والتي جعلت البعض منهم يعزفون عن الزراعة، وترك العمل في الأرض، التي لم تعد تؤتي أُكلها بالنسبة إليهم.
فالأسعار التي تدفع للمزارع لقاء شراء منتجاته الزراعية، من خضار وفواكه، عبر تجار أسواق الهال أو التجار بغاية التصدير، لا تتناسب مع واقع التكاليف التي يتحملها، ولا ننسى مقارنة تلك التسعيرة الزهيدة مع تسعيرة مبيع الكيلو عبر تاجر المفرق للمستهلك، ولا حلول حقيقية تسعف المزارع، وهذا جزء من أسباب تراجع الإنتاج، وأسباب ارتفاع الأسعار في الأسواق بالنتيجة، وهذه النتيجة لا بد أن المواطن المستهلك هو من يشعر بها ويدفع ضريبتها، فكيف يمكن القول بعكس ذلك، بحسب التصريح أعلاه؟!
التصدير والتهريب
السبب الآخر الذي غاب عن مضمون التصريح أيضاً- والذي يعتبر من الأسباب الهامة والرئيسة التي ساهمت بنقص أنواع بعض المنتجات من الخضار والفواكه في الأسواق المحلية، وارتفاع أسعارها- هو قنوات التصدير والتهريب.
فقنوات التصدير، وحجمها المصرح به، كفيلة بإصابة السوق بذلك النقص الحاد، والمبرر لغياب النخب الأول من السوق المحلي، بالتوازي مع ارتفاع أسعار بقية الأنخاب.
فحسب تصريح نائب رئيس لجنة التصـدير في اتحاد غرف التجارة السورية يوم 9 أيلول الجاري أن «سورية تُصدر أكثر من 1500 طن من الخضار والفواكه باتجاه دول الخليج، موضحاً أنه يتم تصـدير ما يقارب 1000 طن من الخضار والفواكه بشكل يومي من سورية باتجاه دول الخليج، أما باتجاه العراق، فيتم تصدير 750 طن من الأوراق والمرطبانات وأنواع مختلفة من الخضار والفاكهة، كما ذكر أن 60% من الصادرات السورية من الخضار والفاكهة يذهب منها 30% باتجاه دول الخليج، أما الباقي باتجاه مصر والأردن، كما يتم تصـدير الثوم إلى الأردن».
فكيف لـ 1500 طن من الخضار والفواكه التي يتم تصديرها يومياً ألّا تؤثر في السوق المحلية من حيث الكم والجودة والسعر؟
طبعاً، هذه أرقام التصدير المعلن عنها رسمياً، ناهيك عن أرقام قنوات التهريب التي تحدث من وراء الستار، وما خفي أعظم!
بشكل عام، يمكن القول: إن الإنتاج الزراعي تراجع عموماً، حتى تجاوز حافة الهاوية بأشواط، وأسباب التراجع تبدو عديدة ومتنوعة، وتتحمل الحكومة مسؤولية الجزء الهام منها، ومن يدفع ضريبة ذلك هم المزارعون والمستهلكون دائماً وأبداً، بمقابل الدور الواضح لقوى النهب والفساد، المتحكمة بالمفاصل الأساسية لمجمل العمل الاقتصادي في البلاد، وفقاً لأولوية مصالحها، بدعم حكومي واضح من خلال السياسات المعتمدة والمطبقة المحابية لهذه الشريحة دوناً عن سواها!
قاسيون