وعلى الرغم من أن المادة المعروضة للبيع في المتاجر وعلى صفحات التواصل الاجتماعي ليست بـ “الطازجة”، إلّا أن سعرها لم يكُن بالقليل، بل على العكس فاق سعر “الصفيحة 16 كغ” الـ 200 ألف ليرة، تحت مبررات تصبّ في تجاهل الحكومة دعم الفلاح لهذه الزراعة وغيرها من الزراعات الإستراتيجية بدءاً من عدم توفر السماد والمحروقات وانتهاءً بسوء التسويق الذي قاد الكثيرين لتهريب زيت الزيتون خلال الأعوام الأخيرة إلى دول الجوار، وبالتالي رفع سعره في البلد المُنتج له وجعل المواطن السوري رهينة شراء “ظروف الزيت” في بلده.
ارتفاع تكاليف وتدني إنتاج
ولا يختلف وجع المزارع عن المستهلك، إذ يُجمع أصحاب الأراضي على عدم قدرتهم على تحمّل تكاليف زراعة وتسميد وقطاف وعصر الزيتون، خاصة بعد تجاوز يومية العامل 20 ألف ليرة وعدم لجوء المزارعين لخلط زيت “عباد الشمس ” بزيت الزيتون وبيعه في ظل ارتفاع سعر الزيت الأبيض وتأكيد الفلاحين لخسارتهم حتى مع عملية الغش هذه، إضافة إلى تحديد بعض المحافظات لسعر عصر كيلو الزيتون والذي وصل في محافظة طرطوس إلى 135 ليرة للكيلو إذا قام صاحب المعصرة بنقل إنتاج المزارع، و115 ليرة للكيلو في حال قام المزارع بنقل إنتاجه بنفسه، وتذرع أصحاب المعاصر بشرائهم المحروقات من السوق السوداء بأسعار خيالية، كون المحروقات الموزعة عليهم غير كافية لعمل المعصرة، الأمر الذي لم يلق قبول المزارعين ممن وجدوا الحل برفع سعر الزيت المخزّن أضعاف مضاعفة، في حين قام البعض الآخر بتحطيب أشجارهم والتدفئة عليها في ظل غياب مازوت التدفئة والكهرباء في الأرياف.
ولم يُخف محمد عبد اللطيف رئيس دائرة الأشجار المثمرة في طرطوس تراجع إنتاج الزيتون كماً ونوعاً نتيجة الظروف البيئية الراهنة وإهمال المزارعين لحقولهم وعدم تمكنهم من تقديم الخدمات اللازمة بسبب ارتفاع التكاليف وعدم توفر اليد العاملة الخبيرة للقيام بهذه العمليات الهامة، مما انعكس بشكل واضح على الإنتاجية، إذ تبلغ المساحة المزروعة بالزيتون في المحافظة 75,334 ألف هكتار بعدد أشجار مثمر 10 مليون و565 ألف شجرة، وبحسب عبد اللطيف تصل تقديرات الإنتاج الأولية لهذا العام إلى 50,452 ألف طن، في حين يبلغ عدد المعاصر في المحافظة 230 معصرة، لكن عدد قليل منها يعمل فقط في ظل انخفاض الموسم وعدم تأمين المحروقات اللازمة لعملها، ولم يختلف واقع الزيتون في محافظة اللاذقية عن باقي المحافظات التي شهدت تدني في الإنتاج هذا العام وعزوف البعض عن الاهتمام بالشجرة بعد خسائرهم المتكررة، حيث قدر منذر خير بيك مدير زراعة اللاذقية عدد الأسر العاملة في زراعة الزيتون 57323 أسرة وتشغل مساحة الزيتون نسبة 43,85 % من الأراضي المستثمرة، في حين وصل عدد الأشجار المثمرة الى 8477.407 شجرة، وتوقع خير بيك إنتاج الزيتون للمحافظة 87998 طن متوزعة بين مناطق الحفة والقرداحة وجبلة واللاذقية، مرجحاً عدم عمل جميع المعاصر البالغة 137 معصرة لعدم تناسب الإنتاج مع عدد المعاصر.
احتكار التجار
وبين الأرقام التي قُدّمت من المحافظات حول تقديرات الإنتاج لهذا العام والواقع الفعلي الذي لمسته وزارة الزراعة يتضح وجود هوّة لا يمكن تجاهلها، والتي تفرض التعاون على جميع الجبهات بدءاً من الفلاح وصولاً للتجار لإيصال هذه المادة بسعر مقبول لأكبر قدر ممكن من المستهلكين دون التلاعب الحاصل بشدّة اليوم في سعره، حيث أكدت عبير جوهر مدير مكتب الزيتون في وزارة الزراعة انخفاض تقديرات الإنتاج الأولية لهذا العام مقارنة بالعام الماضي بسبب التغيرات المناخية وظاهرة المعاومة والموجودة بأشجار الزيتون، مشيرة إلى أن التقديرات الأولية للإنتاج مبالغ بها، وهذا ما لحظناه خلال الجولات الميدانية، إذ بلغت التقديرات الأولية لإنتاج الزيتون هذا العام 645 ألف طن و102 ألف طن زيت زيتون، في حين وصل العام الماضي إنتاج الزيتون 850 ألف طن، ليكون الفرق حوالي ال25%، الأمر الذي سينعكس على سعر الزيت هذا العام، حيث يقوم التجار باستغلال عدم قدرة المواطنين لشراء المادة حالياً بسبب ضغوطات موسم المونة والمدرسة و… بالتالي احتكار المادة وطرحها في السوق لاحقاً بسعر يناسبهم، مشيرة إلى أن سعر تكلفة صفيحة الزيت حالياً 140 ألف دون هامش ربح للفلاح الخاسر حتماً نتيجة ارتفاع مستلزمات الإنتاج وأجور عمالة القطف وأجور العصر، ما دفعنا لتقديم دراسة عن سعر التكلفة ومحاولة تنشيط مفاهيم جديدة للتشارك في عملية إنتاج الزيتون، بالتالي توزيع التكلفة على أكثر من جهة، وتحدثت جوهر عن ضرورة مراقبة عمل المعاصر من قبل اللجان المختصة بعملها والمسؤولة عن مراقبة التزامها بالسعر دون الالتزام بجودة الإنتاج وشروط النظافة الصحية بهدف إعطاء منتج صحي جيد يتناسب مع حجم العمل الذي قدمه الفلاح، كما نوّهت إلى وجود صعوبات كثيرة تواجه عمل المعاصر أدت لإغلاق الكثير منها تتمحور بعدم توفر المحروقات الكافية لعملها رغم توجيه المكاتب التنفيذية لتوزيع المحروقات عليها بشكل دفعات لتغطية عملها، إلّا أن الكمية غير كافية ليتجه الكثيرين إلى الإغلاق أو إيجاد منافذ أخرى لتأمين المادة، كذلك اضطرار أصحاب المعاصر لمسايرة الفلاح بإتباع الشروط التي يفرضها عليه في عملية العصر والتي تكون بأغلب الأحيان خاطئة، ناهيك عن صعوبات عملية التعبئة واستخدام مواد غير صحية يفرضها الفلاح على صاحب المعصرة، ما دفعنا للقيام بدراسة حول المفاهيم الخاطئة التي يتمسك بها الفلاح خلال عصر الزيتون ونوعية العبوات المستخدمة وسيتم لاحقاً طرحها وتقييد الفلاح للأخذ بها.
البعث