بعد عودة الإفراج عن التسهيلات الائتمانية في أيلول 2020 بسقف 500 مليون ليرة للصناعيين، يبدو أن المطالبات المتكررة برفع هذا السقف أصبحت على جدول أعمال الحكومة التي أعلنت منذ أيام دراستها لمنح التسهيلات الائتمانية للقطاع الصناعي دون تحديد سقف التمويل، وبما يتناسب مع مراحل تنفيذ المشروع، والتقيد بالأسس والمعايير الصادرة عن مجلس النقد والتسليف.
يشبّه البعض الحديث عن رفع سقوف التسهيلات كحقل الألغام الذي يمكن لأي خطأ أو تهاون فيه أن يزيد من تدهور قيمة الليرة، غير أن متطلبات الترميم وإنشاء معامل حديثة ومواكبة التطور تتطلب بدورها “بحبوحة” في التمويل والدعم، فيما يقول صناعيون أنهم ومنذ ستة أشهر يطالبون برفع السقوف، ويتقدمون بكتب وطلبات لمجلس الوزراء الذي دائماً ما يعد بالتجاوب، ولكن حتى الآن “عالوعد يا كمون”، فسقف القروض المحدد بـ 500 مليون ليرة يحتاج نحو 250 يوم – وفقاً لتجربة بعض الصناعيين- بين تقديم الأوراق والوثائق، وما يرافق ذلك من خسارة من قيمة القرض في النهاية.
سعر الصرف خط أحمر!
أمين سر غرفة صناعة دمشق وريفها، أكرم الحلاق، رأى أن إصدار هكذا قرار اليوم أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى، إذ يوجد منشآت قيد الترميم، وأخرى قيد الإنشاء، وصناعيون يرغبون بتحديث الآلات التي تهالكت، ومواكبة التطور التقني، ومعدات توفير الطاقة، ففي الوقت الذي تتخم فيه المصارف بالسيولة النقدية نتيجة عدم الإقراض، نرى حاجة ماسة للصناعيين لتمويل مستورداتهم ومعاملهم واستبدال خطوط الإنتاج.
وأكد الحلاق أن الصناعي بحاجة لفتح سقف الإقراض مع كل الأنظمة اللازمة لضبط سعر الصرف، فلا أحد يسمح بالمضاربة، وسعر الصرف للقطاع الصناعي خط أحمر لأنه الأساس في تصريف المنتجات، موضحاً أنه يمكن منح القروض بالتزامن مع الحاجة التي أنشأت لأجلها، فكما في تمويل المستوردات يظهر الصناعي إجازة استيراد تمول بما حدد فيها، يمكن أيضاً أن تكون التسهيلات على دفعات بالتزامن مع خطوات الإنجاز.
إحجام عن القروض
بدوره اعتبر الصناعي تيسير دركلت أن أساس مشكلة الإقراض قبل السقف هو الضمانات وكثرتها، وارتفاع نسبة الفوائد، فالقرض الإنتاجي يفترض أن يكون بفوائد منخفضة، خاصة بوجود الكتلة المالية الراكدة والتضخم الحاصل، فلا يجب أن يكون التفكير ربحياً في هذا الظرف، علماً أن الكثير من الصناعيين يحجمون عن القروض بسبب هذه الشروط مما يؤخر عملية البناء.
وبيّن دركلت أن منع المضاربة يتم عبر متابعة القرض وكيفية التصرف به، إضافة إلى الاكتفاء بضمانة المنشأة وتزكية ممكنة من قبل غرفة الصناعة، غير أنه من غير الممكن للصناعي الذي يبيع من أثاث منزله ليعيد إقلاع مصنعه أن يستغل القرض للمضاربة، معتبراً أن رفع السقوف سيدخل ضخ جديد على دورة الإنتاج، بما يسهم بتنشيط الدورة الاقتصادية، غير أن ذلك لا بدّ أن يترافق برفع القدرة الشرائية للمواطن حتى لا يتكدس هذا الإنتاج، والبداية برفع رواتب القطاع الخاص والعام بنسبة لا تقل عن 100%.
ضغط على المركزي
أما الخبير المصرفي عامر شهدا فله رأي مختلف، إذ استبعد أولاً فتح سقف التسهيلات لوجود ضوابط تحكمها اتفاقيات دولية حددت سقوف مخاطر التسهيلات الائتمانية، معتبراً أن موضوع التسهيلات شائك بوضعنا الحالي لسببين: الأول عدم تمكن مصرف سورية المركزي من تمويل المستوردات نتيجة شح موارد القطع، فمعظم التسهيلات تستخدم عادة لتسديد قيمة القطع المشترى من المركزي، والسبب الثاني عدم قدرة المصرف على التحويل بشكل سلس لسداد قيم الاعتمادات أو البوالص.
ورأى شهدا أن رفع السقف سيؤدي إلى ارتفاع الطلب على إجازات استيراد المواد الأولية والآلات، وهذا بدوره سيرفع الطلب على الدولار، ويشكل ضغطاً على المركزي لجهة قدرته على التمويل، موضحاً أنه بالتأكيد ستدفع التسهيلات إلى زيادة الإنتاج، إلا أنها ستنعكس بتحويل رأس المال العامل إلى منتجات مخزنة نتيجة ضعف الاستهلاك، وصعوبة التصدير، لذلك لن يكون الأمر مجدياً الآن.
وبيّن شهدا أن عملية ضبط التسهيلات الائتمانية وتوجهها للنشاط الذي منحت لأجله يقع على عاتق المصرف نفسه الذي منح التسهيل، من خلال رقابة نشاط المنشأة المستفيدة من التسهيلات، إضافة لرقابة مصرف سورية المركزي، ومتابعة ما تمنحه المصارف من تسهيلات، وكل ذلك يستوجب وضع استراتيجيه تمويلية توضح القطاعات المستهدفة.
الكيفية
أما كيف يمكن رفع سقف التسهيلات للصناعيين، فأوضح شهدا أن هذا الإجراء يلزمه خطوات دافعة لاتخاذه، أهمها العمل على زيادة دخل المواطن لرفع الطلب بالسوق وتأمين أسواق خارجية لتصدير الإنتاج، وخفض تكاليف المنتج عن طريق خفض تكاليف الطاقة، إضافة إلى مراقبة الجودة ليتمكن الصناعي من المنافسة واختراق الأسواق الخارجية، ودراسة الفوائد التي تؤثر على كلفة الحصول على المال من المصارف وانعكاسها على التضخم وتكلفة الإنتاج.
ويضيف شهدا أن هذا يتبعه وضع سياسة نقدية توسعية تستخدم فيها أدوات ذات تأثير على الكتلة النقدية المتداولة للجم التضخم وتثبيت سعر الصرف، من ثم وضع استراتيجية تسليفية تحدد القطاعات المستهدفة، وأخيراً خلق محافظ ائتمانية لهذه القطاعات بحسب حاجة الاقتصاد لها.
البعث