كثر الحديث والجدل في الأوساط الحكومية مؤخراً عن إعادة هيكلة الدعم وتقديمه لمستحقيه وفق تصريحات رسمية وفي هذا السياق قدم الاقتصادي د.رازي محي الدين عبر جمعية العلوم الاقتصادية محاضرة تحت عنوان «آليات الدعم الفعال في سورية»، موضحاً أن سياسة الدعم تعتبر إحدى أدوات السياسة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للحكومة، لضمان مستوى معيشي أفضل للفئات الاجتماعية ذات الدخل المحدود، لافتاً إلى أن تطبيق مفهوم الدعم الاقتصادي، هدفه الأساسي هو تقليل وإصلاح الفجوة بين فئات الشعب وتقارب مستويات الدخل.
وفي سياق الإضاءة على الوضع الراهن طرح غبر التجربة السورية في الدعم الاقتصادي وأسبابها، مبيناً أن تراجع حجم الإنفاق الحكومي (مقوم بالدولار) في العقد الأخير نتيجة الأزمات التي مررنا بها وزيادة الدمار والعقوبات والفساد أدى لتفاقم الأزمة، ما أدى لانتشار الفقر بشكل كبير، مشيراً إلى أن بعض الدراسات قدرت نسبة الذين يعيشون تحت خط الفقر الأدنى (وهو 1.9 دولار للمواطن يومياً) بسورية قرابة 90 بالمئة.
وأشار إلى وجود عدة أزمات أخرى مرتبطة بسعر صرف العملة والتضخم، دفعت الحكومة في الآونة الأخيرة لوضع حزمة الدعم وإجراءات عديدة منها إجراءات مرتبطة بدعم الليرة منها تحديد سعر صرف دولار الحوالة بسعر 2550 على حين السعر بالسوق قرابة 3550، بهدف تعزيز إيرادات المصرف المركزي، وهذا أدى لانتشار سوق سوداء للحوالات، إضافة إلى إجبار المصدر على تحويل 50 بالمئة من صادراته لليرة السورية، وإجبار أي مواطن قادم إلى سورية على صرف 100 دولار بسعر المركزي، وتخفيض السيولة بالسوق من خلال وضع شروط على تمويل رأس المال العامل، وسقوف للسحب اليومي وسقوف للحوالات، وتجميد مبالغ عند كل عملية شراء أو بيع لأصل ثابت وهذا الإجراء يؤدي لدخول الاقتصاد في مرحلة ركود نتيجة لإبطاء سرعة دوران النقود ومحاربة سوق الصرافين غير النظامي.
وأشار محي الدين إلى أنه كان هناك إجراءات مرتبطة بدعم الصناعة تتمثل بمنع استيراد أي صنف يتم تصنيع شبيه له، ما أدى لارتفاع أسعار السلع، والسماح للصناعي باستيراد مواده نصف مصنعة ومنع بقية المستوردين من ذلك، وقد أدى هذا الإجراء إلى إرهاق الصناعي من ناحية التمويل من دون حصوله على أي تسهيلات مصرفية.
وذكر أن هناك إجراءات تتعلق بترشيد الدعم للمستهلك وتخفيض العجز الحكومي إضافة إلى رفع تدريجي لأسعار السلع المدعومة مثل الخبز والمازوت والبنزين والكهرباء، هذا يتزامن مع تخفيض كميات المواد المدعومة المخصصة للأسرة، والقيام بحملات كبيرة على التجار والصناعيين من مختلف الأجهزة الحكومية من المالية، الاستعلام الضريبي، الجمارك، المصرف المركزي، التموين، المحافظة وغيرها بهدف زيادة إيرادات الحكومة وبأثر رجعي وأرقام غرامات كبيرة تهدف لزيادة إيرادات الحكومة.
وأشار إلى أن هذا الإجراء مع تقييد أعمال التجار (منع الاستيراد) وفي ظل عدم توافر المواد الأولية والوقود أدى ذلك لارتفاع تكاليف الصناعة السورية بشكل كبير انعكس سلباً على الأسعار والقدرة التنافسية الخارجية.
ومن الإجراءات القيام بزيادة الحد الأدنى من الأجور حيث ارتفع إلى قرابة 27$ وهذا الإجراء غير كافٍ، إذ يجب وضع خطط لرفعه إلى 100$ بالسرعة القصوى لأنه هذا الحد الذي تستطيع فيه الحكومة تقييد الدعم وتخفيضه.
محي الدين قدم بعض المقترحات ليكون الدعم فعالاً تتعلق باستبدال دعم السعر بدعم مادي نقدي (على حسب أعداد الأفراد في الأسرة وللذي يستحق)، يتم إيداعه في بطاقات دفع، وتعامل البطاقة معاملة بطاقات الدفع الالكتروني.بحيث تخفض الحكومة الدعم غير المباشر للسلع وبمقدار الوفر تقوم بالدعم النقدي لمرحلة ريثما يتم إصلاح نظامي الأسعار والأجور.
ورأى أن الأهم تركيب أجهزة نقاط بيع في المؤسسات الاستهلاكية العامة والأفران ومحطات الوقود تستخدم من خلالها بطاقات الدفع، ويهدف هذا الإجراء إلى ثلاث نقاط، الأولى ألا يتحول هذا الدعم إلى تضخم إذا تحول لنقدية تذهب إلى السوق مباشرة، والثانية أن تستفيد الحكومة اقتصادياً نتيجة ارتفاع مبيعاتها، والثالثة تخفيف السرقة في المؤسسات الاستهلاكية العامة – إذ تقوم بتخفيض رقم المبيعات عن طريق التلاعب بالفواتير- فعندما تتحول الفواتير إلى مبيعات بنكية يصعب التلاعب بها، إضافة إلى أنه سيساهم في تحريك البضاعة الراكدة.
وركز المحاضر على ضرورة البدء مباشرة بإصلاح كل من الرواتب والأجور بزيادتها تدريجياً، ورفعها لكي تتجاوز 100$ من أجل تحسين القوة الشرائية للمواطن، الأمر الذي يشجع على عودة الاستثمارات، فقد قام القطاع الخاص بتعديل رواتب موظفيه ويقوم بدفع مصاريف عالية، لكن القوة الشرائية لأغلب المواطنين مازالت ضعيفة.
إضافة لذلك لابد من إصلاح نظام الأسعار بالسماح بالاستيراد لجميع السلع مع رسوم جمركية مرتفعة في الفترة الأولى ومن ثم تبدأ بالتخفيض، فالاستيراد المسموح يخفض التهريب ويخفض الأسعار ويرفع الجودة ويمنع الاحتكار ويزيد إيرادات الحكومة، مع ربط الاستيراد لأي مصنع بنصف قدرته التصديرية، وبالتالي تشجيع التصدير.
وشدد على دعم الصادرات بإلغاء تعهد إعادة القطع (إن وجد في بعض الدول) وإعطائه مزايا ضريبية وتمويلية حقيقية، فالدول تدعم صادراتها لأنها وسيلة أساسية لدعم الاقتصاد.
واقترح أن تقوم الجهات الحكومية بإعطاء عطلة أسبوعية لمدة ثلاثة أيام من الخميس إلى السبت في القطاع الحكومي الإداري غير الإنتاجي (ماعدا التعليمي والصحي والمعامل) لمدة ستة أشهر، معتبراً أن هذا الإجراء سيخفف استهلاك الكهرباء والمواصلات والمازوت ويحسن دخل الموظفين الذين ينفقون رواتبهم على المواصلات ويخفف من مخاطر فيروس كورونا المتحور الجديد.
وأشار إلى أهمية السماح للأبنية السكنية وليس الفلل أو المزارع في المناطق المنظمة بترخيص طابق إضافي يعود ريعه للبناء شريطة تحويل البناء إلى بناء متوافق مع البيئة من حيث اعتماده على الطاقة النظيفة الشمسية أو الرياح وتحسين جمالية البناء من حيث الدهان والرخام وفق شروط محددة، ما يوفر العقارات ويخفض أسعارها، إضافة إلى إفادة المعامل وورشات البناء، وبالتالي تتحرك العجلة الاقتصادية.
والناحية الأهم برأيه هي تعديل قانون الضريبة على إيجار العقارات ليشمل الأبنية الحكومية والقطاع العام ووزارة الأوقاف لأن جزءاً من هذه الإيجارات يكون بأجور رمزية، وبهذا يتم الحد من الفساد مع تحسين إيرادات الحكومة ووزارة المالية بشكل كبير.
إضافة إلى تنظيم الأراضي وتوسيع مخططات المدن وتعديل قوانين الضريبة وإعفاء الربح الوهمي الناتج عن التراجع الكبير لسعر الصرف من الضرائب سواء بقائمة الدخل أم بريع العقارات أو بإعادة تخمين الأصول، لأن مفهوم الضريبة هو أخذ الحكومة جزءاً من ربح المشاريع وليس أخذ جزء من رؤوس أموال المستثمرين، مع إعطاء مزايا تحفيزية لكي تتحول وزارة المالية لمحفز على الاستثمار وليس منفراً، والسماح بدفع بدل داخلي لخريجي الجامعات حتى لا ينفقوا أموالهم على السفر فتخسر الدولة الأموال والعقول. إضافة لذلك دعا إلى فتح وديعة ليرة – دولار وبالتالي إعادة الثقة بالليرة السورية والمصارف السورية وتوليد عملات أجنبية بشكل افتراضي كبير يساهم برفع عرض هذه العملات وبالتالي تخفيض سعر الصرف وزيادة معدلات الفائدة أو الربح على الودائع لكي تساهم بكبح جماح التضخم بحيث تكون فوق 18 بالمئة في المرحلة الأولى حتى تستعيد الليرة قوتها والثقة بها.
وتطرق إلى أهمية مراجعة التمويلات الجديدة الكبيرة للأفراد والشركات التي تمت منذ منتصف 2019 حتى منتصف 2021 والبحث عن أماكن إنفاق هذه القروض، لأن معظم هذه القروض يتم تحويله إلى دولار وبالتالي ربح المقترضين لأموال طائلة على حساب المودعين وعلى حساب الليرة السورية مع دعم المشاريع الصغيرة الحقيقية بتمويلات ميسرة ومعدلات ضريبية مخفضة إضافة إلى فتح تسعيرتين للسلع المدعومة من الحكومة سعر مدعوم وسعر حر وبالتالي إيقاف السوق السوداء، وبهذا الفرق تحسن الرواتب والأجور لموظفيها.
وحذر محي الدين من مخاطر الدعم لجهة انتشار الفساد والرشاوى بهدف سرقة الدعم وإعادة توجيهه. وزيادة حجم اقتصاد الظل للاستفادة من الدعم من جهه ولبيع مسروقات الدعم من جهة أخرى.واحتمالية ذهاب الدعم لغير مستحقيه واحتمالية زيادة مديونية الدولة بسبب الإنفاق الحكومي المتزايد وبالتالي زيادة عجز الموازنة.
ولفت إلى وجود سلبيات لبعض أنواع الدعم أو أساليب تمويله تؤدي إلى زيادة التشوه الهيكلي والفساد والفقر والعجز وارتفاع الأسعار وانهيار العملة وهروب الأموال ونشوء طبقات طفيلية فاسدة جديدة.
واعتبر أن أهم الشروط ليكون الدعم حقيقياً وليس وهمياً ألا يكون على حساب الحد الأدنى من الأجور وأن يكون فعالاً بحيث لا يؤدي إلى تشوه الاقتصاد أو هروب الاستثمار أو هجرة العقول، وأن يتم تأمين مصادر تمويل الدعم من خلال القروض والسندات الداخلية أو زيادة قيمة الضرائب نتيجة تحسن مناخ الاستثمار وليس من خلال الاقتراض من المصرف المركزي أو الديون الخارجية أو زيادة الضرائب بشكل جائر وأن يترافق الدعم بزيادة الاستثمار وجهات العرض، لأن الهدف الأول الاقتصادي هو زيادة الإنتاج، وأي دعم يؤدي إلى تراجع الإنتاج فهو ذو أضرار اقتصادية ويؤدي إلى زيادة الغرق.
الوطن