70 ألف ليرة، الحد الأدنى لشراء ملابس العيد لطفل واحد من أسوأ أنواع البضائع وأقلها جودة، ويرتفع سعر البضاعة ذات الجودة المتوسطة إلى الضعف أو أقل قليلاً، أما أسعار الـ(سينييه) و(النيوكلكشن)، فمقتنوها ليسوا بحاجة لنقاش أسعارها في الصحف.
والمضحك المبكي، أن «المظلومية» التي يتحدث وفقها تجار المفرق، تكاد تجعلك تتعاطف معهم وتعطيهم أكثر مما يطلبون، لولا أن تصحو وتتذكر أن هذه الحجج القديمة الجديدة (إيجار محل – أجور عمال – محروقات – ضرائب… إلخ) يتم تعويضها منك ومن كل من يخطو داخل هذه المحال، وأنك الخاسر الوحيد بين أبطال هذه السردية التي تتكرر على أسماعنا في كل مكان. وإن كنت تستطيع الاستغناء عن كثير من الأمور، فإنك في هذا الموضع لن تستطيع، فالأمر مختلف تماماً، فأنت الآن أب أو أم ينظر أولادهم في عيني أحدهم ليستشفوا وضع أيام العيد الثلاثة؛ فرحٌ أم حسرة.
فوارق واضحة
«الوطن» جالت على أربعة أسواق (الصالحية – القصاع – التضامن – باب الجابية) ورصدت أسعار ملابس الأطفال فيها، فكانت كالتالي:
بنطال: التضامن وباب الجابية من 22- 44 ألف ليرة – الصالحية والقصاع: من 40 – 80 ألف ليرة.
بلوزة: التضامن وباب الجابية من 22-30 – الصالحية والقصاع: من 40 – 65 ألف ليرة.
قميص: التضامن وباب الجابية: من 20- 48 ألفاً – الصالحة والقصاع: من 45 – 75 ألف ليرة.
فستان: التضامن وباب الجابية من 28- 75 ألفاً – الصالحية والقصاع: من 65 – 110 آلاف ليرة.
طقم بناتي بنطال مع كنزة: التضامن وباب الجابية من 40-75 ألفاً – الصالحية والقصاع: من 70 – 100 ألف ليرة.
أحذية رياضية: التضامن وباب الجابية من 24 -38 ألفاً – الصالحية والقصاع من 30 – 55 ألف ليرة.
محل واحد في منطقة التضامن يبيع بأسعار أقل من المذكورة بنسبة جيدة، لكن جودة البضاعة وشكلها منخفضان جداً.
التعويض في الأعياد
لا بد أننا تساءلنا ولو لمرة واحدة عن سبب ارتفاع أسعار ملابس الأطفال أكثر من الرجالي أو مقاربتها لأسعارها، رغم أن القماش المستهلك فيها أقل بكثير، إذ إن الأمر يبدو غير منطقي.
باسم بيطار المدرس والمدرب في الجمعية السورية لمصممي الأزياء، أرجع ارتفاع أسعار ألبسة الأطفال إلى العمل الإضافي (الشغل) الذي يكون فيها من قبيل القصّات المميزة والتطريز والرسوم والطبعات التي تضاف تكاليفها إلى تكاليف القماش والتفصيل، موضحاً أن ألبسة الأطفال هي الأكثر مبيعاً لأن الطفل يكبر وتتغير مقاساته في كل عام، والأهالي مضطرون لشرائها دائماً.
وأشار بيطار – أولاً – إلى أن عيدي الفطر والأضحى هما موسما البيع الوحيدان لأصحاب محال ألبسة الأطفال، أما باقي العام فالمبيعات قليلة وأحياناً قليلة جداً بسبب انخفاض القدرة الشرائية للمواطن، يضاف إلى ذلك أن الموديلات والبضائع لا تباع بأكملها، وتبقى هناك مقاسات لا يشتريها أحد، وموديلات تصبح قديمة، وهذا يؤدي إلى خسائر يلجأ التجار لتعويضها في مواسم الأعياد، ومن ثم القيام بتنزيلات أو بيعها للبسطات، وفيما يخص فروق الأسعار بين المصنع أو الورش وبين محل المفرق، أكد بيطار أن السعر في مكان التصنيع يعادل نصف السعر الذي يراه الناس في الأسواق، فهي أولاً تشتري الأقمشة بأسعار أقل من سوق القماش في منطقة (الحريقة)، ولأن المحل يضيف كل التكاليف الإضافية (إيجار محل – محروقات – أجور عمال – ضرائب – تموين) على القطعة حتى يحقق مربحه، أما أرباح محال الماركات فأمر مختلف، رغم أن أقمشة بضائعها وموديلاتها قريبة وأحياناً قريبة جداً من موديلات وأقمشة المحال العادية، إلا أنها تضيف إلى القطعة – زيادةً عن كل ما تضيفه المحال – ثمن اسمها كماركة، وما يدعى في عالم الألبسة (نظافة شغل القطعة). ولبعض الماركات معاملها الخاصة، أما الأغلبية فصاروا ينتجون بضائعهم في ورش ومعامل مستقلة، ليوفروا افتتاح معمل أو ورشة بكل ما تكلفه من مكنات وعمال ومحروقات وفواتير.. إلخ، وحالياً قلة قليلة جداً التي تستورد بضائعها من خارج البلاد بسبب ارتفاع مبالغ الجمارك عليها وصعوبة وصول البضائع، والسعر المرتفع جداً الذي ستباع به مثل هذه البضائع التي تستحيل معرفة أسعارها الحقيقية.
لكن الأمر لا يتوقف عند ارتفاع الأسعار، بل يتجاوزه إلى انخفاض الجودة بشكل واضح، وعن هذا يقول بيطار لـ«الوطن»: منذ بداية الأزمة والعقوبات والحصار، صار هناك نقص كبير في البضائع، (أقمشة وإكسسوارات) فانخفضت الجودة وارتفعت الأسعار، والبعض خفّض الجودة بشكل متعمد ليوفر من نفقاته، هذا سبب من الأسباب، تضاف إليه هجرة الكوادر المحترفة وقلة الخبرات في البلد، كل هذا أدى إلى أن جودة المنتج ما عادت كالسابق.
حلقة متكاملة
رئيس لجنة صناعة الألبسة في غرفة صناعة حلب محمد زيزان، أكد لـ «الوطن» أن الموضوع لا يتعلق بأسعار منتج ما وحده، بل هو حلقة متكاملة تؤثر في كل شيء، فارتفاع سعر سلعة غذائية واحدة سيؤثر حتماً في صناعة الألبسة وغيرها من الصناعات، وسينعكس على العمال والمنتجين وأصحاب المحال، وبالتالي سيرتفع سعر السلعة.
ونفى زيزان أن بإمكان صاحب المحل أن يتلاعب بسعر القطعة، إلا أن قام باستبدال «الكرت» المرفق بها بكرت جديد وسعر جديد، وهذه مخالفة كبيرة عقوبتها 10 ملايين ليرة وخمس سنوات سجن، إذ إن التموين حددت نسب أرباح المنتج وتاجر الجملة وبائع المفرق، لأن لكل بضاعة فاتورة خاصة بها تطلبها التموين من أصحاب المحال، ولا يستطيع أي منتج طرح بضائعه في السوق قبل تمريرها للتموين لوضع النسب وهي: 10 بالمئة للمنتج، و12 بالمئة لبائع الجملة، و25 بالمئة لبائع المفرق.
وعن سبب انخفاض أسعار ملابس الأطفال في حلب عن دمشق، قال زيزان إن صناعيي حلب يعملون مع عائلاتهم وأولادهم في المعامل، وبذلك يوفرون القليل من أجور العمال، فيصبح لديهم هامش أكبر في تخفيض سعر المنتج.
كيف سيربح؟
صاحب محل في منطقة الصالحية، قال لـ«الوطن»: إيجار محلي مليونا ليرة في الشهر، أضف إليها أجور ثلاثة عمال، وثمن محروقات لا تتوافر إلا في السوق السوداء لتشغيل المولدات ليلاً، ناهيك عن الضرائب وفواتير الكهرباء والمياه والهاتف والإنترنت الذي صار من الضروريات في عملنا للتواصل مع المصنعين والمستوردين. ربما تجد البضائع ذاتها بأسعار أقل في أسواق أخرى، لكن في تلك الأسواق لا يصل الإيجار الشهري إلى أكثر من 500 ألف ليرة وربما أقل، ولو كنت صاحب ذاك المحل فبالتأكيد لن أبيع بذات السعر.
عيد أو حسرة
وخلال جولة «الوطن»، التقت أباً يصطحب ثلاثة أبناء، يقلّب الألبسة على بسطة من بسطات الصالحية، رفض الحديث في البداية قائلاً: (ما في فايدة من الحكي)، ثم تراجع وقال: في مثل هذا الوضع لا يمكنك أن تُقصّر، فهذا عيد وليس دمية أو مسدساً موجودين في محل قد لا يراهما الطفل إلا إن مر بجانب المحل، لذلك أنا صدقاً أكره الأعياد، فأنا أب، ولن أقوى على كسر قلوب أولادي ووضعهم في موقف محزن أو مُذل أمام أصدقائهم وأقاربهم، لذا ألجأ إلى البسطات، ما يجري غير منطقي أبداً، فأنا مهندس في وزارة الزراعة، ورغم ذلك أحتاج إلى ضعف راتبي وراتب زوجتي المدرّسة إن أردت الشراء من المحال لصبيين وبنت، وحتى البسطات ما عادت أسعارها مناسبة للطبقة الوسطى.