لطالما سمعنا عن شكاوى المدارس وعجز إداراتها عن تأمين المستلزمات المدرسية من أقلام وأوراق وتصوير وغيرها، بسبب “عدم توفر الميزانية” الكافية، ليتمّ الاعتماد على الطلاب والمجتمع المحلي من أجل مساعدة المدرسة في الاحتياجات المذكورة.
60% للمدرسة
ومع تعاطف أولياء الأمور والوقوف إلى جانب الإدارات، يغيب عن الأذهان عائدات وبدلات استثمارات “البوفيات” في المدارس، والتي تشكل مبالغ لا بأس بها تستطيع الإدارات من خلالها تغطية احتياجاتها بالكامل، ولاسيما وأن حصة المدرسة تعادل 60% من قيمة الاستثمار والباقي لمديرية التربية، حسب نظام العقود المعتمد.
ربح واستغلال؟
“البعث” استقصت بعض الاستثمارات في مدارس بريف دمشق، واستمعت لآراء المدرّسين والإدارات والطلاب، حيث أجمع من التقيناهم على أن أرباحاً كبيرة يجنيها المستثمر على حساب |التربية”، وأن هناك استغلالاً للطلاب وأن مواد ممنوعة بالعقد تباع لهم، وأن الرقابة غائبة عن “البوفيات”، إذ يصرّ مستثمرون على بيع المشروبات الغازية الممنوعة والمواد الغذائية التي تحتاج لرقابة دائمة وصلاحية محدّدة، إضافة إلى الأسعار الخيالية التي تزيد ضعفين عن تلك الموجودة في الأسواق، لكن الطالب ملزم بالشراء من البوفية، خاصة وأن المستثمر على اتفاق مع “المعنيين” في المدرسة بعدم السماح للطلاب بالخروج والشراء من المحال المجاورة مقابل “منافع” مشتركة.
صدمة
والصدمة وقعت عندما كشفت مديرة مدرسة عن قيمة عقد بوفيه مدرستها السنوي والبالغ 2.400.000 ليرة، علماً أن العائدات الشهرية للبوفيه تصل إلى مليون ليرة، حسب كلامها.
كلام المديرة جعلنا ندخل في “حسبة بسيطة”، فإذا علمنا أن مدة الاستثمار 9 أشهر، فهذا يعني أن المستثمر يجني نحو 9 ملايين ليرة مقابل 2.400 مليون سنوياً.
مماطلة وتعتيم
أمام هذه الفوضى وضياع أموال التربية ومخالفات المستثمرين كان لابد من التعرف على رأي المعنيين في تربية ريف دمشق، إلا أن “تربية الريف” ماطلت وتناست أسئلتنا وحاولت التعتيم على الموضوع من خلال تجاهل استفساراتنا التي بقيت حوالي شهر كامل، حتى أتحفنا مدير التربية بقصاصتين ورقيتين أرسلهما المكتب الصحفي في المديرية عبر “الواتس”، أقل ما يقال أنهما بحاجة إلى فك شفيرة لقراءة الخط، وكأننا أمام “وصفة طبيب”!
كان الرد عبارة عن درس إثرائي تربوي بنظام العقود 51، وكيفية تنظيم العقد والشروط والتأمينات وكيفية التقدم. وما لفت انتباهنا أن القدرة الشرائية تُحسب على عدد طلاب المدرسة بتقدير ألف ليرة لكل طالب سنوياً، حسب كلام معاون مدير التربية فخري الجلاب الذي تصدّى لمهمة الردّ، علماً أن الموضوع برمته من اختصاص شُعبة العقود!
وأخيراً..
أخيراً.. وبعد إصرار، جاءنا اتصال من المديرية من رئيس شعبة العقود بريف دمشق حسين اليوسف الذي أكد أن استثمارات الريف تخضع وفق المراحل في المدارس من أولى وثانية وإعدادية وثانوية، معتبراً أن مكان ومنطقة المدرسة يحدّدان حجم الاستثمار، إضافة إلى عدد الطلاب.
“كأنك ما غزيت”!
إزاء هذا الوضع، تطرح الأسئلة نفسها: هل يعقل تقدير ألف ليرة فقط مصروف الطالب سنوياً، لاسيما أن القدرة الشرائية لجميع المواد تغيّرت منذ عشر سنوات، إذ يحتاج أي طفل لأكثر من ألف ليرة يومياً؟ ومن المسؤول عن ضياع تلك الأموال العامة لصالح المنفعة الشخصية؟ ليردّ رئيس الشعبة متفائلاً بأن التربية بصدد رفع القدرة الشرائية إلى 1200 لتلميذ الحلقة الأولى، و1300 للحلقة الثانية و1500 ليرة للمرحلة الثانوية!!
وهنا، يمكننا القول، حسب المثل العامي “كأنك يابو زيد ما غزيت”، فهل هناك شاب بالمرحلة الإعدادية أو الثانوية يرضى بمصروف يومي أقل من 1500 ليرة، فما بال التربية عن 9 أشهر مصروف 1500 ليرة؟!!.
تضارب آراء..!!
لم تتوقف الأمور عند حساب القدرة الشرائية، بما يتوافق مع مصلحة المستثمرين لا “التربية”، بل أكد معاون مدير التربية ورئيس شعبة العقود عدم وجود أي شكاوى على المستثمرين في المدارس، وأن “الصحة المدرسية” لم تبلغهم بأي مخالفة، ليدحض هذا الكلام مدير الصحة المدرسية بالريف الدكتور عدنان نعامة مؤكداً وجود هذه الشكاوى وبالتحديد بالشهر الثالث، بل وأرسل لمديرية التربية مخالفتين في بوفيات مدارس بصحنايا، معتبراً أن الجولات الصحية مستمرة على المدارس ويتمّ إعلام التربية بكل التفاصيل.
ختاماً.. ثمّة أسئلة كثيرة حول الموضوع، ولاسيما أن هذا التضارب بالرأي هو بين الدوائر التابعة للمديرية نفسها، ليأتي السؤال الأهم: هل تتحرك وزارة التربية وتضع النقاط على الحروف؟
البعث