لم تختلف مجريات الصيف عن غيره من فصول السنة، فكما جرت العادة قُبيل فصل الشتاء أو الصيف يدخل التّجار في سباق مع رفع أسعار المستلزمات، مستغلين حاجة المواطنين إليها واضطرار الكثيرين لشرائها مهما بلغ سعرها، إذ لم يكد ينتهي فصل الشتاء وهمومه التي أنهكت المواطنين من تأمين وسائل التدفئة بدءاً بالمازوت والغاز وانتهاء بالسجاد والأغطية التي حلّت ككل عام كرديف أساسي في تأمين الدفء للكثيرين ممن لم يحالفهم الحظ بتأمين المحروقات، حتى دخل المواطن في سباق صيفي حار مع أسعار المراوح التي ارتفعت أكثر من ضعفي ثمنها العام الماضي، علماً أن سعر الصرف كان مستقراً على مدى الأشهر الماضية، لكن يبدو أن حالة رفع الأسعار أصبحت عرفاً وطقساً عند التّجار مع كل طارئ جديد، إذ لم تكد تجزم الجمعية الفلكية أن هذا الصيف سيكون أشد حرارة من سابقه حتى جزم التّجار أسعار مستلزمات مواجهة الصيف بحرارة أقسى من لهيب الصيف على جيوب المواطنين!.
دوامة متشابكة
اليوم حالة من الانفلات تشهدها أسواقنا في أسعار الأجهزة الكهربائية دون أي ضوابط أو رادع حقيقي، إذ بدأ التّجار موسم الصيف بضرب أسعار الألبسة والأدوات الكهربائية الصيفية بأرقام خيالية تختلف من محلّ لآخر ومن شارع لآخر لأسباب كثيرة تبدأ بمزاج التاجر وتنتهي بأجرة محله التي يتحملّ دفعها جيب المواطن في كل مرة، وفي محاولة منّا لمعرفة الأسس التي يبني عليها التاجر تسعيره للقطعة الكهربائية أدخلنا التّجار في دوامة متشابكة غير واضحة المعالم لينتهي الحديث معهم بجملة “يلي مو عاجبو السعر لا يشتري”، مُختصرين بذلك جميع إشارات الاستفهام التي تُراود المواطن بكيفية وضع التسعيرة والتي على ما يبدو تُبنى على أساس تحقيق أكبر هامش ربح للتاجر الذي يستهجن في كل مرة توجيه أصابع الاتهام إليه بالتحكم بالأسعار وخلخلة الأسواق وضعف القدرة الشرائية، والأسباب التي يجب أن يكون بها التاجر هو الخاسر في كل معادلة تجارية لا المواطن، في حين أن الواقع يؤكد خسارة المواطن مراراً وتكراراً متى ما وطأت قدماه السوق.
توجّه إلى المستعمل
وبالعودة إلى أسواقنا نجد أن أسعار التجهيزات والبطاريات الخاصّة بتشغيل الأجهزة الكهربائية خلال فترة انقطاع الكهرباء تجاوزت المليون ليرة لأدنى نوعية، إذ وصل سعر بعض البطاريات الكبيرة الخاصّة بتشغيل التلفاز والإضاءة المنزلية خلال فترة القطع إلى (4) ملايين حسب جودتها، في حين وصل سعر بعض المراوح إلى 400 ألف، ليؤكد أصحاب المحال أن ارتفاع سعر الكثير من الأدوات لا يتناسب مع الجودة التي فقدناها في الصناعة المحلية، فارتفاع سعر القطعة يتوقف على المواد الأولية والتي يستوردون الكثير منها، إضافة إلى مستلزمات الصناعة المرتفعة بشكل دوري، كذلك ارتفاع أجور اليد العاملة ونقل البضائع، الأمر الذي يحتّم ارتفاع سعر الأجهزة الكهربائية أسوة بباقي السلع والمنتجات في السوق المحلية، وهذا ما أجبر الكثير من المواطنين للتوجّه إلى شراء الأدوات الكهربائية المستعملة والتي وعلى الرغم من استهلاكها لسنوات إلّا أنها تُضاهي وتفوق في الكثير من المطارح المنتج الجديد نفسه اليوم، ذلك أن المواد الداخلة في صناعتها سابقاً أفضل وبأسعار أقل، الأمر الذي يُبرّر ارتفاع سعر الأدوات الكهربائية القديمة أيضاً التي مازالت تحتفظ بألق الصناعة قديماً.
تبريد وتكييف
وعلى الرغم من عدم تحسّن واقع المنظومة الكهربائية يشهد سوق المراوح والمكيفات إقبالاً لا بأس به، الأمر الذي برّره أحد التّجار باعتمادهم على زبائنهم من طبقة الأثرياء والفئات التي استطاعت تركيب ألواح طاقة شمسية، الأمر الذي أدى لارتفاع سعر المكيفات الجديدة والتي تبدأ بمليوني ليرة وتزداد ارتفاعاً مع زيادة كل طن تبريد، إضافة إلى ارتفاع سعر “فريزر الثلج” بأحجامها المتعدّدة والتي لاقت إقبالاً عليها خلال السنوات الأخيرة أكثر من السابق نتيجة حاجة الناس إلى “المونة” وعدم قدرتهم على حفظ المواد الغذائية في البرادات العادية نتيجة القطع المستمر ولساعات طويلة خلال اليوم، الأمر الذي أفسد “مونة” معظم المواطنين ممن وجدوا الحلّ الأسلم بهذه الوسيلة التي تجاوز سعرها أيضاً المليوني ليرة، ناهيك عن ارتفاع سعر تعبئة الغاز بها ليصل في بعض المناطق إلى 200 ألف ليرة.
ضغوط كبيرة
لم يعد انقطاع الكهرباء حادثاً عرضياً منذ بدء الحرب وحتى انتهائها، بل أصبح واقعاً يفرض نفسه بقوة على السوريين، ووجد الناس أنفسهم مضطرين إلى التأقلم مع ظروف استثنائية وغلاء غير منتهي الأجل على المدى المنظور. وهنا يرى الصناعي محمد العليوي أن صناعة الأدوات المنزلية الكهربائية تفوق صعوبتها أي صناعات أخرى، ولاسيّما صعوبة استيراد المعادن والأسلاك المعدنية وغيرها من المواد الداخلة في صناعتها، إضافة إلى صعوبات الشحن وارتفاع تكاليفه، الأمر الذي يقف عائقاً أساسياً في وجه صناعيي هذه التجهيزات ممن يواجهون ضغوطاً وتحديات في صناعتهم اليوم، ولم ينكر العليوي انخفاض مستوى جودة هذه الصناعات كباقي الصناعات لأسباب تتعلق بتكبّد الصناعيين خسائر وعدم تحقيقهم أي هامش ربح في حال سعيهم إلى تطبيق الجودة المثالية التي كانت موجودة قبل سنوات الحرب والتي ارتقت بصناعتنا إلى مصاف المنافسة العالمية، ليكون السعي اليوم إلى تقديم منتج مُرضٍ للمستهلك يتناسب مع الإمكانيات الموضوعة بين يدي الصناعيين، ويتناسب أيضاً مع القدرة الشرائية للمواطنين والتي باتت في أدنى مستوياتها.
تضخم وكساد
الاقتصادي إسماعيل مهنا لخّص حالة السوق اليوم بالتضخم الجامح والانكماش والكساد في أغلب السلع والمنتجات المطروحة في السوق، لافتاً إلى أن أغلب الأجهزة الكهربائية المعروضة في السوق المحلية هي بضائع العام الماضي، لم يطرأ عليها أي إضافات تستدعي رفع سعرها، وبالتالي فإن الحجج التي يتذرّع بها التّجار باتت مرفوضة، ما يتطلب اهتماماً كافياً وجديّاً من دوريات التموين في ضبط أسعار هذه الأدوات التي تجاوزت الملايين، وإلزام التّجار بوضع فواتير صحيحة بالأجهزة المصنّعة حديثاً والتي طرأ عليها تعديل، مع ارتفاع سعر الصرف وتكاليف الإنتاج والشحن وغيره من الحسابات الداخلة في وضع سعر المنتج، وبين الأجهزة المعروضة والتي كانت مخزّنة في المستودعات منذ أعوام، ويجب معاقبة من يقوم بعرضها بسعر مُضاعف، لافتاً إلى أهمية فرض عملية التسعير الإداري للبضائع والتي لا تلقى الدعم المطلوب من الجهات المعنية، مع ضرورة مواجهة التباين الهائل في الأسعار بين منطقة وأخرى بعد أن استساغ التّجار التلاعب بالأسعار من خلال تلاعبهم بأسعار البضائع القديمة وربطها بأسعار الصرف عند ارتفاعها من دون ربطها بها حال هبوطها.
البعث