لم تكد شركتا الخليوي تقدمان طلبهما لوزارة الاتصالات والتقانة بخصوص زيادة أسعار خدماتهما بنسبة 200%، حتى جاءت الموافقة سريعة على زيادة مقدارها 50%، سرعة فائقة أثارت تساؤلاً حول المكاييل التي يتم اعتمادها، مع مطالبات بقية القطاعات الاستثمارية لناحية السرعة في الاستجابة والموافقة الإيجابية لهذا القطاع دون غيره!.
لعل المبررات التي تقدمت بها الشركتان لمنحهما الزيادة، حتى لو لم تكن زيادة الـ 50% كما ترغبان، ولوّحتا لأجلها بشكل ضمني، محذرتين إن لم تحصلا عليها فإن خدماتهما ستتأثر وجودتها ستتراجع، وبالتالي سيتزعزع استمرار عملهما، لم تكن برأينا وازنة التأثير على مستقبل استدامة التشغيل وتوابعه، بل فيها مبالغات واضحة كونهما بالأصل محتكرتين لسوق اتصالاتنا الخليوية حتى الآن!.
كذلك ثمة أمر محير نسوقه بتساؤل استناداً للبيانات المالية لما كانت أعلنت عنه الشركتان تظهر تنامي صافي أرباحهما، حيث حققت سيريتل 2021 إيرادات بلغت نحو 133 مليار ليرة صافي أرباح، و”ام تي ان” 34 مليار ليرة، هذا في عام واحد، كما حققتا ربحاً قدره نحو 317 مليار ليرة منذ آخر تعديل على سعر المكالمات الخليوية، من بداية عام 2016 وحتى الربع الأول من العام الماضي 2021، أي خلال نحو خمسة أعوام، مع حساب تلك الأرباح وفقاً لسعر الصرف المتغير خلال تلك المدة، حيث كان سعر الصرف منخفضاً في الأعوام الأولى، ولم تكن الظروف والمتغيرات على ما هي عليه حالياً، (وهذا ما كان يُحسب في صالح الشركتين)، ونسأل: ألم تستطع الشركتان القيام بأي (تجديد وتأهيل وصيانة)، خاصة أن هذه إحدى الحجج التي أدت لمطالبتهما برفع أسعار خدماتهما، علماً أن إيراداتهما وموجوداتهما زادت أيضاً وبالمليارات!.
طالبت الشركتان فلبت الحكومة طلبهما مباشرة، ولكون الشيء بالشيء يذكر نسأل: هل ما تقدمانه إلى جانب الشركة السورية للاتصالات من خدمات أنترنت واتصالات كان يستحق الأسعار التي تحصل عليها من المواطن، وتتناسب مع استمرار وجودة الخدمات، حيث الوضع الكهربائي لم يكن مقبولاً، كما هو حالياً، لاستمرار الخدمة؟.
إن الزيادات المتكررة باعتقادنا لن تؤدي لما تشتهي الشركات من عوائد مالية تستعين بها على قضاء حوائجها كي تكون خدماتها واستمرارها وجودتها كما يشتهي المشتركون، كما تدعي، بل نتوقع انكماشاً، وبالتالي تراجعاً وحتى خسائر نتيجة لميل عبء ارتفاع الأسعار كثيراً جداً على المشتركين، وعدم قدرتهم كما السابق على استهلاك منتجات الشركات بسبب التراجع الحاد في قيمة الليرة، وبالتالي القدرة الشرائية، كما أن هذا النهج الحكومي في اللجوء دائماً إلى رفع الأسعار للسلع والخدمات في هذا القطاع أو ذاك، وعلى حساب المواطن في نهاية الأمر، يستحيل أن يستمر على الوتيرة نفسها المقلقة بتتابعها هكذا، في ظل تدني الدخول وهزالة الرواتب والأجور، وتراجع القدرة الشرائية للشريحة الأعظم من المجتمع، إذ لو حسبنا إجمالي قيمة فواتير الماء والكهرباء والهاتف والموبايل، إضافة للضرائب والرسوم، بحدودها الدنيا، لوجدنا أنه يشكّل في حده الأدنى أيضاً أكثر من ثلث الراتب لموظف بلغ السقف في العمل!.
بصريح العبارة نقول: لا يمكن أن يظل المواطن، تحديداً من أصحاب الدخل المعدوم، مكسر عصا في حسابات القطاع الخاص والعام، حيث إن مجموع أصحاب تلك الدخول يشكّلون السوق الأكبر، وبناء عليه فإن هذا النهج الغريب وغير المفهوم في استراتيجيته سيؤدي إلى تلاشي السوق الوطني، ولتتخيلوا تبعات ذلك اقتصادياً ونقدياً واستثمارياً وتشغيلياً!.
البعث