حملت ندوة الثلاثاء الاقتصادية عنوان «مستقبل العلاقات الاقتصادية السورية الدولية»، وقدم الباحث والخبير الاقتصادي شامل راتب بدران تحت هذا العنوان محاضرة بدأها بالحديث عن الاستراتيجيات الاقتصادية التي تضعها الحكومات بشكل عام، وبين أن المقصود هو السير قدماً نحو تحقيق التنمية الاقتصادية الشاملة، بما يتوافق مع تطور مفهوم التنمية على المستوى العالمي، الذي وصل إلى المفهوم «توسيع خيارات البشر» من خلال التركيز على بناء القدرات لجميع الأفراد وتوفير الفرص العادلة للأفراد ما يوفر إمكانية المشاركة الفعلية في عملية التنمية والاستفادة منها.
وأشار الباحث إلى أن كل عمل نقوم به إذا لم ينعكس على المواطنين ولم يحسن الوضع والصحي والتعليمي ويرفع المستوى المعيشي فلا يمكن أن يدرج لا تحت اسم الاقتصاد ولا تحت اسم التنمية ولا أي شي من هذا القبيل.
بدران حاول التركيز في حديثه على بعض الجوانب التي أغفلتها الحكومة موضحاً أهمية العلاقات الدولية الاقتصادية ووضع رؤية واضحة لتعديل سلوك الدول تجاه سورية لاحقاً، حيث قال إنه وكما حال كافة الدول أطلقت الحكومة السورية في عام 2021 إستراتيجيتها الجديدة والتي هدفت من خلالها إلى تحسين الواقعين الخدمي والمعيشي. وزيادة الإنتاج واستثمار الموارد الذاتية بالشكل الأمثل. وصولاً إلى تهيئة البيئة المناسبة للاستثمار في مختلف القطاعات. وركزت على تشجيع الاستثمار وتقديم التسهيلات اللازمة لذلك وتذليل العقبات. وتوسيع قاعدة المشاريع الصغيرة والمتوسطة إضافة إلى تشجيع مشاريع الطاقة البديلة وتوفير البيئة التشريعية المناسبة لها، مع تكثيف الجهود لمراقبة الأسواق وضبط الأسعار. والعمل على تعزيز عمل مؤسسات التدخل الإيجابي والتوسع الأفقي فيها. وكذلك استجرار كامل إنتاج المؤسسات العامة لتوفيرها في منافذ السورية للتجارة. وتعزيز العدالة الضريبية كنتيجة لإصلاح النظام الضريبي ومعالجة التهرب الضريبي والأهم الاستمرار بتصويب آلية الدعم وضمان وصوله إلى مستحقيه.
لكن ومن الملاحظ – حسب بدران -عدم تضمين تلك الأولويات التي جاءت في سياسة الحكومة بــ«سياسات التجارة الخارجية» مع العلم بأن الحكومة تتبنى إستراتيجية إحلال الواردات منذ عام 2017. وقد عملت أيضاً على تقييد سياسات توفير القطع الأجنبي للمستوردات للسلع الضرورية. وتساعد بالتشجيع على الصادرات عبر العديد من الأدوات الاقتصادية.
مبررات حكومية!!
الباحث يرى أن الحكومة قد يكون لها مبرراتها عندما أغفلت موضوع التبادل التجاري ضمن إستراتيجيتها لأنها كانت تركز على الأولويات المتعلقة بتحسين الواقعين الخدمي والمعيشي، بسبب التأثير السلبي لارتفاع مستويات التضخم والضغوط الاقتصادية الداخلية والخارجية على الوضع الاقتصادي العام. وحاولت الاعتماد على سياسات اقتصادية ذات أبعاد متعلقة بالاعتماد على الذات لتجنب الضغوط الاقتصادية الخارجية، على الرغم من صعوبة تطبيق تلك السياسات في ظل استمرار الحرب على سورية لمدة تجاوزت العشر سنوات. وذلك ترافق أيضاً مع عدم وضوح في المواقف الاقتصادية الدولية تجاه سورية في ظل الارتباط بين دول الأطراف ودول المركز في العالم.
وأضاف بدران: إن ما يريده من هذه المحاضرة ليس النقد أو التنظير وإنما السعي إلى تقديم إحصائيات وبيانات مهمة تساهم في دعم العمل الحكومي لافتاً إلى أن وضع رؤية مستقبلية للتجارة الخارجية في سورية ضمن نموذج رياضي قابل للقياس والتطبيق، يتم استخدامه من الجهات الاقتصادية المرتبطة بسياسات التجارة الخارجية، هو أمر هام وضروري بعد هذه الحرب إضافة لقياس حجم الخسائر الحقيقية الفعلية والفرصة الضائعة نتيجة الحرب لهذا القطاع المهم.
افتراضات
وخلال المحاضرة قدم الباحث بدران جملة من الافتراضات التي تتعلق بالاستقرار السياسي في سورية في ظل تغير المناخات السياسية الدولية، وإنهاء الحرب على سورية بأشكالها المختلفة السياسية والاقتصادية. واعتماد رؤية واضحة لإعادة الإعمار وتحديد الأطراف الدولية المساهمة في إعادة الإعمار، والبدء بتنفيذ وثيقة سورية ما بعد الحرب التي أقرتها الحكومة السورية في عام 2021.
كذلك إعادة وضع الحكومة السورية سياسات التجارة الخارجية ضمن أهم أولوياتها الاقتصادية، باعتبارها محركاً أساسياً للنمو الاقتصادي في مرحلة سورية ما بعد الحرب. وبناء عليه سيكون هناك منهجية للعمل حيث تم بناء سلسلة زمنية لبيانات التجارة الخارجية للفترة (2001-2020) تضمنت قيم الصادرات والمستوردات الفعلية وفق العملات المحلية وسعر الصرف الرسمي لتقييم الصادرات والواردات.
خسائر سورية في الحرب
ويمكن القول إن إجمالي خسائر الاقتصاد السوري الحقيقية في التبادل التجاري نتيجة الحرب على سورية ما يقدر بـ (50.5 مليار دولار) كما يمكن الوصول إلى حجم الخسائر على مستوى تفصيلي لمجموعات السلع ومجموعات الدول المرتبطة بعلاقات اقتصادية مع سورية.
وذكر بدران أن حجم الخسائر من الصادرات والواردات خلال فترة الحرب لم يذكر في مختلف الإحصائيات السابقة وحتى المنظمات الدولية جميعها ركزت على خسائر البنى التحتية والتغير الديمغرافي وغيرها باستثناء خسائر التبادل التجاري التي يجب أن تؤخذ بالحسبان في مرحلة إعادة الإعمار.
فرص ومقترحات مستقبلية
وذكر بدران في مقترحاته انه لابد من توفر قاعدة بيانات متكاملة تتضمن المكونات التفصيلية لعناصر التجارة الخارجية في سورية ولسلسلة زمنية مناسبة ما يتيح إمكانية استخدام النماذج المقترحة بكفاءة أعلى على مستوى التبادل التجاري لسورية مع كل دولة على حدة أو كتلة دول إضافة إلى التبادل التجاري لسورية لكل سلعة أو لكل بند جمركي ضمن التصنيف الدولي على أي مستوى مطلوب، والأهم وضع مؤشرات التجارة الخارجية المعتمدة ضمن المؤشرات الدولية، لاستخدامها في رسم رؤية إستراتيجية مستقبلية لتطوير وتنمية قيمة الصادرات.