كلما تم تدشين أو وضع حجر أساس لمنشأة سياحية، تتكرر ذات ردود الأفعال الرافضة والمستنكرة من الناس، ويبدأ الحديث عن ضرورة رفض الحكومة لهذا النوع من الاستثمارات، واستبداله باستثمارات أخرى تعود بالفائدة على الفئات التي لا تستطيع زيارة المنشآت السياحية إلا بالأحلام.
فهل فعلاً لا يوجد في سورية سوى الاستثمارات السياحية؟ وهل تحديد نوع الاستثمار من صلاحية الحكومة؟ أم إنه من الممكن إقناع المستثمر بالعدول عن رأيه والاستثمار في قطاعات أخرى؟
5 بالمئة فقط
مدير عام هيئة الاستثمار السورية مدين دياب نفى أن الاستثمار في سورية فقط في القطاع السياحي، موضحاً أن لدى الهيئة خلال عامي 2021 و2022 أكثر من 47 مشروعاً على قانون الاستثمار 18، كلفتها التقديرية 1522 مليار ليرة، لا تحتل المشاريع السياحية منها أكثر من 5 بالمئة، لكن التركيز الإعلامي على المشاريع السياحية هو الذي صدّر فكرة أنها الوحيدة في البلد.
وأضاف دياب إن كل المشاريع المشملة على القانون 18 حصلت على موافقاتها وتراخيصها وسبعة منها وضعت في الإنتاج، وخمسة أخرى استوردت آلاتها وتجهيزاتها وستبدأ بالإنتاج قريباً، ومن هذه المشاريع صناعات دوائية وورقية وخشبية وكيميائية ومعدنية ونسيجية ومواد بناء، إضافة إلى الصناعات الغذائية التي لها النسبة الأكبر من المشاريع، ومشاريع طاقة بديلة بلغت تكلفتها 443 مليار ليرة.
نرفض ولا نغير
وعن إمكانية تغيير نوع المشروع الذي يرغب المستثمر الخاص بالقيام به، أوضح دياب أن المشاريع الخاصة لا يمكن تغييرها، لكن بالإمكان رفضها إن كانت لا تلبي حاجات الاقتصاد الوطني، حيث تتم دراسة كل مشروع ومدى ملاءمته لاحتياجات الاقتصاد وبرامج وسياسات الحكومة، وإن لم يكن كذلك، فلماذا نعطيه مزايا وحوافز؟
الاستياء بسبب الشريحة المستهدفة
بالمقابل، أرجع مدير عام مركز «مداد» للدراسات الإستراتيجية السابق المهندس هامس زريق سبب الاستياء إلى قناعة الشريحة الأكبر من السوريين بأن هذا النوع من المشاريع يستهدف الشرائح الأكثر ثراء من السوريين الذين يستطيعون تحمل تكاليف ارتياد هذا النوع من المنشآت السياحية، لأن الحديث عن «سياحة من الخارج» لا يعد منطقياً، وكذلك من غير المنطقي أن تكون أولوية لبلد لا يزال يعاني مشاكل استقرار سياسي أمني عسكري وعقوبات خارجية، لذا فإن هذا الأمر يثير سخط الشريحة الأكبر من السوريين التي تتوقع وتأمل من السياسات الحكومية أن توليها اهتماماً أكبر بمشاكلهم وبتحسين الاقتصاد وصولاً لتلبية احتياجاتهم التي باتت خارج متناول أيديهم.
السياسات الحكومية
ولم تفت المهندس زريق جزئية أن الحكومة قد لا تكون قادرة على تغيير نوع الاستثمار وأنها بالمقابل مستفيدة من ناحية تشغيل اليد العاملة وزيادة فرص العمل، حيث قال: إن هذا الكلام يبدو للوهلة الأولى منطقياً، لكن التدقيق فيه يدفعنا لمجموعة من التساؤلات والملاحظات التي تستحق التوضيح، فما يُقال عن عدم قدرة الحكومة على تحديد نوع الاستثمارات الخاصة يتجاهل دور السياسات الحكومية التي يمكن أن تدفع المستثمرين للاستثمار في مشاريع تنموية حقيقية تدفع بعجلة الإنتاج إلى الأمام وتحقق قيماً مضاعفة حقيقية تُسهم في تحسين الوضع الاقتصادي والوضع المعيشي، وهذا جزء من دور الحكومة الرئيس الذي يبدو أنها تتفاداه قدر الإمكان، فالخضوع لإرادة أصحاب رؤوس الأموال أو الأثرياء الجدد ممن لا يمتلكون المقدرة على التفكير إلا في مشاريع سياحية، يعد تنصلاً من مهام هذه الحكومة وواجباتها وإستراتيجيتها المفترضة في الخروج من الضائقة الاقتصادية عن طريق تحريك عجلات الإنتاج الزراعي والصناعي وغيره التي تنتج قيماً حقيقية اقتصادية.
ورأى زريق أن أضعف الإيمان في هذا الموضوع الابتعاد عن التغطية الإعلامية المبالغ بها لتدشين هذه المشاريع، لأنها تزيد من حالة الإحباط العام لمعظم السوريين وقناعتهم بعدم اهتمام الدولة بوضعهم المعيشي وتركيزها على الشرائح الأكثر ثراءً واحتياجاتها الترفيهية السياحية.
الوطن