50 ألف ليرة صار رقماً عادياً يطلبه الحرفي من صاحب المنزل أو المحل أو أي مكان يطلب خدمته، (كهربجي) كان، أم عامل صحية، أو نجاراً أو حداداً، وترتفع الأجرة إلى مئات الآلاف في حال كان العمل الإصلاحي المطلوب يستلزم مواد أياً كان نوعها، ناهيك عن أن مجرد تشخيص المشكلة يستدعي دفع أجر حتى لو لم يقم بالإصلاح والحجة جاهزة: ارتفاع أسعار المواد وسعر الصرف، أما الأهم فكان اكتشافنا بأن الكثير من هذه المهن ليست لها محددات أسعار، وإنما تعتمد على مبدأ: (تصطفل منك إلو)
«الوطن» وفي محاولتها معرفة سبب ارتفاع أجور هؤلاء الحرفيين والجهة المحددة لأسعار خدماتهم، التقت بعامل فني كهرباء وخريج معهد متوسط «جمعة راضي» الذي قال إن مردوده المادي يعتمد بشكل كبير على الورشات الضخمة والتعهدات، ففيها يمكن احتساب الأجر بالنقطة، وهو أمر متعارف عليه بين فنيي الكهرباء، على عكس العمل الفردي الذي يكون عبارة عن إصلاحات طارئة في المنازل من وصل لكبل مقطوع أو تمديد إنارة خفيفة أو تركيب طاقة شمسية.. الخ.
وأكد راضي أن التسعيرة تختلف كل يوم حسب ارتفاع أسعار لوازم العمل، أما أجرة اليد العاملة تقريباً فتبقى ثابتة ويحددها العامل مع صاحب العمل وفق اتفاق وشرط مبرم قبل البدء بالعمل، مضيفاً: إن يومية أي عامل كهرباء اليوم لا تقل عن 500 ألف ليرة.
أما عامل الصحية «سليم عياش»، فأكد لـ«الوطن»، أنه وقبل احتساب أجرة أي عمل في المنازل يساوم طالب الإصلاح بتكلفة البنزين الخاص بدراجته النارية، وبعدها يتم الاتفاق على أجرة يده بعد احتساب ثمن المواد اللازمة في الإصلاح، مبيناً أن الحد الوسطي ليومية عامل الصحية من دون ورشات كبرى بين 200-400 ألف ليرة.
معدل اليومية الوسطي بين عامل الصحية وفني الكهرباء لامس بحدوده الدنيا أجرة فني التكييف والتبريد وعامل البناء والحلاق وغيرها من الحرف الفردية، التي برأي أصحابها تمنحهم القدرة على توفير سبل العيش في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة، خاصة مع زيادة الطلب على هذه الحرف في ضوء إصلاح الكثير من المنازل أو إعادة الإعمار.
من جهته، أكد رئيس اتحاد الحرفيين ناجي الحضوة لـ«الوطن» أن نشرة أسعار الحرف اليدوية تحدد من المكاتب التنفيذية في المحافظات، حيث تكون هناك لجان مختصة بكل محافظة تقوم بدراسة الأسعار وتصدر نشرة خاصة بتسعيرة كل مهنة أصولاً وفق معايير تحددها هذه اللجان.
وعن آلية ضبط مخالفات التسعيرة بيّن الحضوة أنها مسؤولية التموين في المحافظة، فهي من يقوم بتسجيل الضبوط الخاصة بالمخالفات في نشرة الأسعار من قبل الحرفيين ووفق أي شكوى مقدمة من المواطنين.
وفي السياق أوضحت مديرة المجالس المحلية لمحافظة دمشق سهى علي أنهم كمكتب تنفيذي لم يصدروا سابقاً تسعيرة عمال الكهرباء أو عمال الصحية أو أي مهنة، بل كانت تصدر عن المكتب التنفيذي أجور «غسيل وكوي، حلاقة، العتالة، أجور عمال المسابح، المخابر.. إلخ» وسابقاً كان هناك قرار عن التصوير الفوتوغرافي وأسعار خدمات المقاهي والمتنزهات.
وأكدت علي أن اليوم أصبحت هناك لجنة الأسعار وهي برئاسة عضو المكتب التنفيذي للتموين والتجارة الداخلية، وهي المسؤولة عن تحديد الأسعار التي يتم عرضها على المكتب التنفيذي ومن ثم تصدر، مبينةً أن تحديد أجور الكهرباء وعمال الصحية لم تصدر أبداً سابقاً ولم يتم أي تحديد للأسعار فيها.
بدوره معاون مدير تموين دمشق ورئيس لجنة التسعير في مديرية التجارة الداخلية محمد البردان نفى وجود لائحة تسعير لمهن الكهرباء وعامل الصحية والدهان.. الخ، موضحاً أن الأجور تحدد وفق اتفاق مبرم بين طالب الإصلاح والعامل من دون أي تدخل بهذه الأجور مهما كانت.
وأكد أن دورهم كلجنة تسعير يقع في حال وجود غُبن أو خلل بالاتفاق المبرم أو رداءة بجودة العمل وفق شكوى مقدمة من الشخص المُتأذي وتتم معالجة الشكوى مع الجمعية الحرفية المختصة.
وعن مشروعية تقبل الشكوى والسعي لحلها من دون وجود تسعيرة قانونية من اللجنة بين البردان أن كل عامل له الحق تقاضي ثمن عمله وهو اتفاق بين العامل نفسه وطالب العمل وهم أحرار في هذا الاتفاق ولا يوجد سعر محدد لهذه المهن.
الخبير التنموي ماهر رزق بيّن أن تصنيف هذه المهن تحت مسمى حرفيين، وتحت ظل اتحاد الحرفيين، جاء دون التمييز بين الحرفة والصناعة وفق آلية العمل، فالحرفة تعتمد في أدائها على اليد البشرية فقط، بينما الصناعة نراها تعتمد على الآلات واليد العاملة معاً.
وأكد أن اتحاد الحرفيين من أهم كيانات التشغيل، التي يجب الاهتمام بها، وهو ما لوحظ خلال هجرة بعض الشباب إلى الدول الغربية وحتى العربية وما فعلوه من نهضة حرفية في هذه البلدان من خلال مهن تعتبر بسيطة ويدوية.
وأوضح رزق أن هذه الفئة من العمالة مكون أساسي في الاقتصاد وهي ضمن قطاع الخدمات، الذي من دونه لا توجد إنتاجية نظراً للحاجة الملحة لها اليوم، مؤكداً أن مشكلة هذه المهن تكمن بكونها غير منظمة والفيصل بينها وبين القطاع المنظم هو التأمينات الاجتماعية والضرائب بشقيها «الدخل المقطوع والأرباح»، فضريبة الدخل المقطوع هي التي تفرض على أي شخص صاحب حرفة، والمشكلة اليوم هي عدم تنظيم هذا القطاع من حيث التسعيرة، وهو أحد أدوار الجمعية الحرفية بوضع معايير لهذه التسعيرة وفق النفقات والحاجات الخاصة بهذا العامل.