قدم الدكتور فادي عياش المستشار والخبير الاقتصادي ورقة بحثية شرح من خلالها الكثير من النقاط التي أثارت الجدل منذ صدور قانون التشاركية، وذلك في جمعية العلوم الاقتصادية التي خصصت جلستها الحوارية الأخيرة لموضوع التشاركية، وجمعت فيها رجال الأعمال والاقتصاديين وعدداً من المعنيين.
وأوضح عياش أن مصطلح التشاركية الاقتصادية أثار الكثير من النقاش والجدل في سورية على مختلف المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والفكرية، وتباينت الآراء وتضاربت التوجهات الفكرية حول ذلك منذ طرح هذا المفهوم للمرة الأولى عام 2003 وصولاً إلى انتهاج مفهوم اقتصاد السوق الاجتماعي 2005، مروراً بالمؤتمر الأول للتشاركية 2009، وصولاً إلى الحرب على سورية ونتائجها الكارثية، ومرحلة إعادة الإعمار والبناء ومتطلباتها.
عياش بين أن مناهضي التشاركية اعتمدوا على مخاوف تتعلق بالخصخصة وبكفاءة ووطنية القطاع الخاص، وركز مؤيدو التشاركية على أهمية تعبئة وتوظيف كل الإمكانات والطاقات والموارد الذاتية والمحلية، والحاجة إلى جذب الاستثمارات الخارجية والتوظيف الوطني لها.
مبررات وضرورات التشاركية
وأشار الباحث إلى أن حجم الدمار الهائل الذي خلفته الحرب والذي يقدر بحسب مصادر البنك الدولي بما لا يقل عن 300 مليار دولار، والتحديات الكبيرة الاقتصادية (التمويلية-التقنية-الفنية-المعرفية والاجتماعية والبيئية) لمرحلة إعادة الإعمار والبناء، تفوق الإمكانات المتاحة محلياً ولو تضافرت كل الجهود والموارد والإمكانات المحلية. من هنا كان لا بد من إيجاد تشريع مناسب لهذه المرحلة يحقق أهدافاً عديدة موضحاً أن الوضع الراهن يتطلب ضرورة إيجاد تشاركية بهدف تعبئة واستثمار كل الطاقات والموارد والإمكانات المتاحة وحشدها بشكل فعال لتحقيق التعافي الاقتصادي ولخدمة مرحلة التعافي وإعادة الإعمار وتحقيق التنمية المتوازنة للمجتمع بما يفوت الفرصة على أعداء سورية من استثمار أي ثغرات أو عجز. والأهم الاستفادة من قدرة القطاع الخاص المحلي والخارجي على نقل وتوطين التكنولوجيا المتطورة وتعزيز المحتوى المعرفي من خلال استثمار أرقى التقنيات في تنفيذ مشاريع التشاركية.
ويرى الباحث أن التشاركية عامل تشجيع وجذب فعال للاستثمار الأجنبي والاستفادة من قدراته التمويلية والتكنولوجية والمعرفية، وقد تساهم مشاريع التشاركية مع الرساميل الخارجية بالالتفاف على الإجراءات الاقتصادية الأحادية الجانب المفروضة على الشعب السوري.
لذا فإن رؤية قانون التشاركية تهدف إلى تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، حيث يبرز دور الدولة في اتخاذ القرار ورسم السياسات، أما دور القطاع الخاص فيبرز في تنفيذ المشاريع والمشاركة في أدائها بناء على فكرة عدم كفاءة تنفيذ خطط التنمية الاقتصادية إذا ما اقتصرت على الدولة وأجهزتها فقط، أو القطاع الخاص بشكل منفرد. لافتاً إلى ما يمكن تحقيقه من فوائد التشاركية مثل وفورات في التكاليف، واقتسام المخاطر التي قد تتمثل في تجاوزات بالتكاليف، أو في عدم القدرة على الوفاء بجداول أو مواعيد تسليم الخدمات، أو الصعوبة في الالتزام بالتشريعات الخاصة بالبيئة وغيرها، أو الخطورة في أن تكون الإيرادات غير كافية لدفع التكاليف التشغيلية والرأسمالية.
ومن الفوائد أيضاً – حسب عياش – تحسين مستويات الخدمة أو الحفاظ على المستويات الحالية للخدمة، وتعزيز الإيرادات، والتنفيذ الأكثر كفاءة، والمصلحة العامة عبر استفادة المواطنين كثيراً من جهود وخبرات الجهات الحكومية مع التقنية عندما تتكامل ومصادر الشريك الخاص لتقديم الخدمات للجمهور.
خدمة المصلحة العامة
وعن أهم أسباب التشاركية ومبررات اللجوء إليها عدم قدرة الحكومات على تحقيق التنمية المستدامة بمفردها إضافة إلى محدودية الموارد المالية والبشرية والتكنولوجية لدى القطاع العام، وتقلص موارد التمويل المخصص لبرامج التنمية الاجتماعية ومطالبة المواطنين بتحسين الخدمات المقدمة من المؤسسات الحكومية، إضافة إلى التوسع في اتخاذ القرار خدمة للمصلحة العامة وتحقيق قيمة أعلى للأموال المستثمرة. والمساهمة في نقل المعرفة وتوطين التكنولوجيا المتطورة ونقل المحتوى المعرفي عبر مشاريع البنى الأساسية التي تستهدفها التشاركية. ويرى عياش أن سريان العمل بنظام التشاركية سيسهم في تخفيف العبء عن ميزانية الدولة التي تراجعت إيراداتها نتيجة الحرب، من خلال جذب رؤوس الأموال من القطاع الخاص لتمويل المشاريع، كما أن أحد أهم مبرراتها يكمن في التخلص من الروتين والبيروقراطية التي يتسم بها القطاع العام، مقارنة مع مرونة القطاع الخاص في تحقيق الربحية وإدارة المشاريع.
قاعدة اقتصادية قوية
عياش أكد أنه في التشاركية يصبح القطاع الخاص شريكاً أساسياً في تحقيق التنمية، والتجارب أثبتت أنه بالتشاركية تمتلك الدولة قاعدة اقتصادية قوية ومتينة تكون أكثر قدرة على تحمل الصعوبات وتجاوز الأزمات. هي مرحلة جديدة في تاريخ الاقتصاد السوري بعد أن تصبح جميع المجالات مفتوحة للاستثمار بما فيها قطاعات سيادية (وهذا من أهم المآخذ على قانون التشاركية)، كالماء والكهرباء والنفط والغاز، وسيفتح الباب على مصراعيه للقطاع الخاص للحصول على قروض من المصارف العامة لتمويل مشاريعهم التشاركية، ويحقق مشروع قانون التشاركية انطلاقة في سورية إلى فضاءات التنمية والبناء والإعمار، بما يحقق تأمين الموارد ومعالجة البطالة والحد من المديونية وترميم البعد الاجتماعي، وتنمية الأرياف وإطلاق المشاريع السورية المتنوعة، إضافة لذلك هناك حاجة لرفع مستوى البنى التحتية الإستراتيجية في سورية، وتحديداً الكهرباء والنقل والمرافق البلدية ومن أجل دعم التنمية الاقتصادية الشاملة. كما أن ضخامة حجم مشروعات البنى التحتية من حيث الكلفة وبشكل يفوق ما هو مخصص للإنفاق الاستثماري في الموازنة العامة للدولة.
تعثر وفشل
د. عياش أكد في محاضرته أنه لم يكتب لشركات القطاع المشترك – باستثناء الشركات العاملة في مجال السياحة – أي نجاح لافت. فالشركات العاملة في مجال الزراعة في أغلب الحالات متعثرة وهذه حقيقة موضوعية أكدتها تجارب العديد من الدول حيث بقي النجاح في المجال الزراعي مرتبطاً بالفعاليات الفردية الخاصة، ولم تسجل التجارب العملية حتى الآن نجاحاً يذكر لشركات القطاع العام أو للشركات المشتركة، وهذا يرجع أساساً إلى طبيعة الإنتاج الزراعي وشروطه الموضوعية الخاصة به والتي تختلف جذرياً عن طبيعة وشروط سائر الأنشطة الاقتصادية الأخرى. مما يدعو للاستغراب غياب القطاع المشترك في مجال الصناعة والخدمات خاصة بعد أن صدر القرار رقم /35/ لعام 1986، عن وزير الصناعة استناداً إلى قرار لجنة الاستثمار المشتـرك والخاص الذي أجاز لشركات القطاع الخاص أن تنشط في مجال الصناعات الغذائية والنسيجية والكيميائية والهندسية، وذلك في ضوء توجه تشجيع القطاع الخاص الوطني واجتذاب الفعاليات الاقتصادية العربية للمشاركة في التنمية الاقتصادية وتعزيز القاعدة الإنتاجية. ولكن ذلك لم يفلح في تشجيع قيام شركات مشتركة وطنية أو عربية كما كان متوقعاً. والأكثر غرابة – حسب عياش – أن يبقى هذا القطاع على حالته بالمقارنة مع تطور القطاعين العام والخاص إثر صدور القانون رقم/10/ لعام 1991، والمرسوم 8 لعام 2007 الهادف إلى تشجيع الاستثمار.
مخاوف الخصخصة
وعن الخلط بين التشاركية والخصخصة قال عياش: أثير العديد من المخاوف المتعلقة بالتشاركية باعتبارها أحد أشكال الخصخصة. وانطلق هؤلاء من اعتبارين / الأول يتعلق بالخوف من تحويل شكل الملكية ونقلها من ملكية الدولة وهي الممثلة لملكية الشعب أي للملكية العامة، إلى ملكية القطاع الخاص الداخلي، والأخطر منه القطاع الخاص الخارجي.
والاعتبار الآخر يرتبط بمدى أهلية وقدرة وجدية القطاع الخاص المحلي والخارجي في تحقيق الأهداف المرجوة من التشاركية ولاسيما من حيث تباين الأهداف والأولويات التنموية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية بين القطاع العام والخاص. فالقطاع الخاص يهتم للربحية فقط وتعظيم الثروة ويحجم عن الاستثمار في مشاريع البنى التحتية والمشاريع التنموية ذات البعد الاجتماعي والبيئي. بالتالي يتوجه القطاع الخاص إلى الاستثمار في قطاع الخدمات والصناعات التحويلية البسيطة القادرة على تحقيق معدل دوران عال لرأس المال أو المشاريع غير المكثفة للعمالة مما يعيق معالجة مشكلة البطالة.
التشاركية المحلية
وعن رأيه كخبير ومختص قال لـ«الوطن»: أشجع بشدة على نهج التشاركية وأجده الأنسب في حالتنا والأقدر على المساعدة في سرعة التعافي لكن يجب الحذر، فمعظم تجارب التشاركية المطبقة حالياً غير مرضية تماماً، وحولها الكثير من الملاحظات. وبالتالي: أنصح بالاعتماد على مفهوم التشاركية المحلية كلما أمكن ذلك، من خلال تطبيق مفاهيم الشركات المساهمة العامة بمختلف أشكالها.. التي يمكنها حشد الإمكانات والموارد المتاحة لكل مكونات المجتمع وبالتالي تأمين التمويل المناسب والقيام بالمشاريع ذات الطابع المحلي على الأقل وبمساهمة جميع القطاعات.
بحاجة لطرفين قويين
بدوره عضو غرفة تجارة دمشق محمد الحلاق قال إن مفهوم التشاركية يعني أن يكون الطرفان قويين لافتاً إلى أن تطبيق القانون أمر مهم لكن الظروف التي مرت على سورية منعت من تطبيقه مبيناً أن السبب هو ما يعانيه الكثير من مؤسساتنا ومعاملنا الإنتاجية من جملة من المشاكل، منها ما هو قديم مثل عدم قدرتها على تصريف الإنتاج وارتفاع التكاليف وقدم الآلات والتجهيزات، والأهم هو موضوع تسرب أعداد كبيرة من الأيدي العاملة الخبيرة، إضافة إلى قانون قيصر والبيئة الاستثمارية لقطاع الأعمال التي يجب أن تكون متجانسة ومتناغمة لأنها هي التي تنعكس إيجاباً على الاستثمارات الخارجية، هذا وغيره يعتبر عاملاً مهماً أمام المستثمر لتخوفه من الإقدام على التشاركية التي يمكن بتطبيقها تحقيق عائدات اقتصادية مهمة.
عقود التشاركية معقدة
المدير السابق في وزارة الصناعة محمد بكر تقدم بمداخلة هي أن قانون التشاركية وتعليماته التنفيذية صدرت من عام 2016 لكن لم يتم أي عقد بموجب هذا القانون حتى تاريخه، والأهم أن هذا القانون لم يذكر شيئاً عن مصير العمالة في الشركات التي سيتم عرضها للتشاركية وإلى أي قانون عمل وجدول رواتب سيخضع هؤلاء العمال، وذكر بكر أن عقود التشاركية معقدة ويجب أن يتم تأهيل قانونيين وماليين وفنيين لدراستها واعتماد صيغ قانونية لعقود التشاركية.
الوطن