كثرت المقالات والتحليلات والتعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي، البعض منها بأسماء معلنة، لكن أغلبيتها بأسماء مجهولة، ما يوحي بأنها حملة منظمة تدار من شخص أو أشخاص لا هدف منها سوى «الشوشرة» أو إفشال عقد الاستثمار الذي تدرسه مؤسسة طيران «السورية» حالياً مع مجموعة من المستثمرين الذين لا يمكن الإفصاح عن هويتهم، (منهم من هو عربي وسنكتفي بوصفه من الدول الحريصة على سورية) بهدف الارتقاء بعمل المؤسسة ورفدها بالمعدات والطائرات والمال مما يطور أداءها وإدارتها ويحررها من القيود المفروضة عليها في ظل حصار خانق مفروض على سورية، ومن الشلل في مفاصل إدارتها الذي أدى إلى تسرب عدد كبير من الطيارين السوريين إلى شركات خارجية بحثاً عن دخل مادي مناسب يستحقونه نظراً لخبراتهم ودراستهم وطبيعة عملهم التي تتطلب مهارات استثنائية وتدريب مستمر، وهذا ما حرصت عليه مؤسسة الطيران السورية طوال السنوات الماضية لكنها أخفقت في توفير الدخل المستحق للطيارين والمهندسين ولكل العاملين في قطاع الطيران.
الهجوم المنظم والواضحة معالمه ركز على مواضيع «السيادة الوطنية» و«منع الخصخصة» و«عدم التشاركية مع القطاع الخاص» واستخدم عبارات تشير إلى أن الحكومة السورية بصدد بيع ناقلها الوطني إلى مستثمرين دون سواهم!!
عقد استثماري
«الوطن» وبعد الاطلاع على ما هو متوافر من أرقام ومقترحات ودراسات، توصلت إلى أن كل ما يتم التفاوض حوله حالياً لا علاقة له بأي من المصطلحات التي تم استخدامها في الهجوم المنظم، وأن ما تتم دراسته هو عقد استثماري بعيد عن التشاركية والخصخصة وبيع أصول الدولة، بل هو تحديداً عقد استثماري يوفر المرونة الكافية والمال لمؤسسة الطيران بحيث يمكن لها العمل في ظروف أفضل والحفاظ على كوادرها ورفع العلم وشعار «السورية» من دون أي تغيير، إلا أنه من الواضح أن أي استثمار جديد في سورية عموماً، وفي «السورية» خصوصاً، يحظى بمعارضة واسعة لما سيلغيه من امتيازات كان بعض القائمين على المؤسسة يتمتعون بها لسنوات مضت، ويحد من فساد تحت عناوين الحصار، ومن سرعة اتخاذ القرارات لمعالجة الأعطال الفنية وتأمين قطع الغيار التي يجب توفيرها بالتراضي وبالسرعة الكلية حرصاً على استمرار عمل الطائرات!!
منذ أيام، وبعد أن تسرب خبر مغادرة عدد من الطيارين السوريين للعمل في شركة طيران خليجية، نشر أحد الطيارين السوريين المعروفين على صفحته الخاصة على وسائل التواصل الاجتماعي كلاماً بضرورة استعجال عقد الاستثمار الذي يدرس حالياً، مؤكداً أن جميع الطيارين ينتظرون تنفيذ هذا العقد ومن يعارضه فليتفضل ويأتِ بمعدات أرضية ووسائل نقل محترمة لأفراد الركب الطائر وبلباس محترم وبرواتب مقبولة منعاً لمغادرة مزيد من الطواقم التي تعمل بأحلك الظروف وممنوع عليها الاستقالة.
مكاتب استشارية
وبالعودة إلى العقد المقترح، علمت «الوطن» أن هذا العقد تمت دراسة جدواه الاقتصادية من مكتبين استشاريين مستقلين الأول سوري والثاني عربي، والاثنان أكدا في تقريرهما أهمية العقد وجدواه بالنسبة لمؤسسة الطيران السورية، وقدما مقترحاتهما لتوزيع النسب وكان الخلاف بين المكتبين بسيط جداً وتم أخذ كل ملاحظاتهم بعين الاعتبار.
وإضافة إلى المكاتب الاستشارية الخاصة تم إرسال العقد المقترح إلى هيئة تخطيط الدولة التي بدورها -وبعد دراسته- توصلت إلى نتائج قريبة من المكاتب الاستشارية وأيضاً تم الأخذ برأيها ومقترحاتها.
إذاً على ماذا ينص العقد وما سبب كل هذه الشوشرة حوله؟
اطلعت «الوطن» على بنود العقد وقبل نشر البعض من تفاصيله التي تنفي وتدحض كل ما نشر من مقالات وتحليلات من أشخاص لا علاقة لهم بعالم الطيران ولا الاستثمار، لا بد من الإشارة إلى أن كل الدراسات التي أجريت على ميزانية «السورية» أشارت إلى أن متوسط ربح هذه الشركة من عام ٢٠٠٠ وحتى ٢٠١١ ومن ٢٠١١ وحتى عامنا هذا كان في أفضل حالاته يعادل ١٦ مليون دولار سنوياً، وأن هذا الرقم كان نقطة انطلاق كل الدراسات التي أكدت أن أي مستثمر يرغب في الاستثمار بالشركة عليه أن يسدد أولاً هذا الرقم كل عام للشركة لتحافظ على ما كانت تجنيه من أرباح، ومن ثم تطوير هذا الرقم صعوداً مع تطوير العمل وشراء طائرات وفتح خطوط جديدة وحتى كتابة هذه السطور كانت المفاوضات قائمة مع المستثمر لتحديد النسب التي ستوزع وفقاً للدرسات التي أجرتها وزارة النقل.
بنود العقد
وينص العقد على عدة بنود، أهمها، الحفاظ على جميع العاملين في المؤسسة وعدم التخلي عن أي عامل فيها، وزیادة دخلهم والحفاظ على كامل مكتسباتهم وتأمین نقلهم من وإلى مراكز عملهم، والأهم الحفاظ على ملكیة المؤسسة من أصول وطائرات وتجهيزات.
كذلك كان من البنود الحفاظ على اسم وشعار المؤسسة، وتحقیق نسبة من الإیرادات لها یتم الاتفاق عليها مع شركة الإدارة وتحدد النسبة وفقاً للمبالغ التي تنوي الشركة ضخها لتطویر المؤسسة، بحیث لا تقل عن متوسط الربح السنوي للمؤسسة.
إضافة إلى رفد خزینة الدولة بإیرادات إجمالية متوقعة خلال مدة الاستثمار بمبلغ يقدر بحوالى ٢٫٥ ملیار دولار، وبمتوسط سنوي نحو ١٢٥ ملیون دولار. ولن تتحمل المؤسسة خلال مدة الاستثمار أي نفقات ولن یتم رصد أي مبالغ لها من الموازنة العامة للدولة، بل بالعكس سترفد الخزینة بمبالغ مالیة كبیرة.
يضاف إلى ذلك تطویر الكادر الفني (ركب طائر، مهندسون وفنیون) وزیادة دخلهم، والحفاظ عليهم من التسرب إلى خارج سورية، وإعادة استقطاب الكادر الفني الخبیر الذي تسرب سابقاً، مع زیادة أسطول الطائرات العاملة في المؤسسة من ٣ طائرات إلى ٢٠ طائرة، لتصبح قادرة على التشغیل والمنافسة في حال عودة شركات الطیران العربیة والعالمیة للعمل في سوریة، وتوسیع شبكة خطوط المؤسسة لتخدیم أكبر عدد ممكن من المحطات الداخلية والخارجية، إضافة إلى وضع الخطط التجاریة والتسویقیة القادرة على رفع عدد الركاب المنقولین على طائرات المؤسسة إلى أكثر من ٣ ملايين راكب سنویاً.
وأيضاً رفع كفاءة وتجهيز هنغار صیانة الطائرات الحالي، لیلبي متطلبات صیانة الطائرات وفق المعاییر الفنیة العالمیة، ورفع مستوى الخدمات الأرضیة (من موظفین وتجهیزات ومعدات) لتصبح قادرة على تخديم أكثر من ٢٥ ألف رحلة سنویاً، في المطارات السوریة كافة، مع تطویر مركز التدریب الموجود حالیاً في المؤسسة ورصد المبالغ اللازمة لإنشاء جهاز محاكاة لطائرات الباص الجوي A320.
هذا غير بناء مطبخ جدید للمؤسسة لتقدیم إطعام وتموین الطائرات للخطوط السوریة وباقي شركات الطیران المشغلة إلى سوریة، وباستطاعة یومیة تزيد على 10.000 وجبة وفق المعاییر الدولية، وفي نهاية العقد سیتم تسلیم كل الأصول للمؤسسة (طائرات، معدات، مطبخ، مركز التدریب، هنغار الصیانة، إلخ) بحالة فنية جيدة، ومن دون أن تتحمل المؤسسة أي نفقة.
عشرون عاماً
العقد المشار إليه مدته عشرون عاماً ويسمى عقد «استثمار وتطوير» وهو لا يخضع لنظام وقانون التشاركية، وستحافظ «السورية» على أصولها وشعارها وكل كوادرها ولا يوجد أي «خصخصة» في العقد خلافاً لما ينشر ولا بيع للأصول، وكنا لنتفهم أن هناك بعض المعارضين لعقد الاستثمار في حال قدموا بديلاً أفضل، لكن أمام الأمر الواقع واستحالة تطوير عمل المؤسسة والحفاظ على كوادرها، لماذا المعارضة؟ ولمــاذا تشــويه العقد المقترح؟
بكل تأكيد هناك من لا يرغب في حصول أي تغيير في عمل المؤسسة ليحافظ هو على مكتسباته فيروج لكل ما ينشر، لكن الأكيد أن كل السوريين يرغبون في أن يكون لديهم مؤسسة طيران متطورة بكوادر مميزة وأسطول طيران كبير يمكن أن يصل بهم إلى ما أمكن من محطات خارجية بدلاً من استخدام مطارات الدول الحدودية.
الوطن