قال وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية محمد سامر خليل في لقاء مع الإعلام الرسمي أن الكثير من العقوبات والإجراءات التي خنقت الاقتصاد السوري كانت تستهدف القطاع المالي، وتحديداً قيمة الليرة وسعر الصرف، وكثير مما حدث خلال الحرب من تدمير للبنى التحتية وقطاعات الإنتاج كان يستهدفها أيضاً، وحالياً هناك حرب إعلامية كبيرة وشائعات كثيرة الغاية منها بث الهلع والذعر لدى الناس بأن هناك سيناريوهات عسكرية واقتصادية ضد سورية، كل هذا يحرض المضاربين فيقومون بفورة مضاربة تؤدي إلى ارتفاع سعر الصرف، لكنها كما قلنا فورات لأن ارتفاعات الشق الاقتصادي الحقيقي مقروءة وواضحة، وهي متتابعة وليس مفاجئة.
وأضاف: إن الإجراءات الأخيرة على مستوى القرارات التي صدرت أمس الأول لن تؤدي إلى ارتفاع سعر الصرف كما يشاع، بل على العكس تماماً لأنها تسحب الليرة السورية وتخفف التضخم، وفي الفترة الأخيرة عملت الحكومة والمصرف المركزي على مجموعة من الإجراءات كي يكون سعر صرف الحوالات قريباً من السعر الموازي، ولكن السعر الموازي ليس ثابتاً ولا محدداً، وللمصرف المركزي حسابات وسياسات ولا يتبع السوق خطوة بخطوة، وما يقوم به بعض التجار من رفع للأسعار على أساس سعر الصرف المتوقع والذي يدعونه بالتحوط هو ليس تحوطاً بل غشاً.
وأوضح خليل أن هناك مجموعة من الإجراءات قسم منها تم القيام به، والآخر سيتم قريباً، تهدف جميعها لتعزيز قيمة الليرة السورية ودعم الإنتاج المحلي لكونه الحامل الأساسي للاقتصاد وحامي الليرة، إضافة إلى السعي لتخفيض العجوزات العامة للدولة، ومنذ بداية شهر شباط الماضي كان هناك جملة من الإجراءات لتعزيز الواقع الإنتاجي في سورية وخاصة القطاع الصناعي أحدثت ارتياحاً كبيراً في قطاع الأعمال ولكن الزلزال وتبعاته أخر استكمال بعض الإجراءات، وفي نهاية شهر أيار كان هناك إجراءات أخرى منها ما يتعلق بمراجعة عمل منصة تمويل المستوردات، حيث تم اعتماد مجموعة من قوائم المواد وهي ليست ثابتة بل عرضة للتغير حسب ضرورات واقع سعر الصرف وأولويات المواد وواقع توافرها في الأسواق، وكان هناك أيضاً مراجعة لواقع المستوردات فتمت مراجعة القوائم الخاصة بالمستوردات وحذف مجموعة من المواد، للوصول إلى الحدود الدنيا التي تلبي متطلبات الاقتصاد الوطني على المستوى الاستهلاكي والإنتاجي، وتخفيف الطلب على القطع الأجنبي، فأعطى نتائج إيجابية في الأعوام الثلاثة السابقة بمستوى حجم مستوردات 4 مليارات يورو قياساً بمستويات أعلى في الأعوام التي سبقتها، لافتاً إلى تراجع واضح بعد مجموعة من الإجراءات التي أدت إلى انخفاض المستوردات لحدود 1.8 مليار ليرة في نهاية الشهر الماضي.
ومن الإجراءات التي تحدّث عنها خليل أيضاً، مراجعة المرسوم 3 الخاص بالتعامل بالقطع الأجنبي، والمرسوم 8 الخاص بحماية المستهلك، وغيرها الكثير من الإجراءات التي ستكون موجودة في الأيام القادمة التي تهدف إلى تحقيق استقرار في سعر الصرف وإرجاع جزء من القيمة التي خسرتها الليرة في الفترة الماضية.
وبيّن خليل أن هناك قدرة على ضبط سعر الصرف وتخفيضه بشكل أكبر، لكن لهذه الإجراءات ضريبة في مطارح أخرى، لأن حبس السيولة بشكل أكبر قد ينعكس على العملية الإنتاجية وانسيابية المواد في الأسواق، لذلك هناك سعي لتحقيق التوازن المطلوب.
وقدم خليل استعراضاً لسنوات ما قبل الحرب على سورية التي كانت تشهد نمواً اقتصادياً، موضحاً أنه كان هناك خلل في مجالات بنيوية للاقتصاد ومنها ما يتعلق بمعالجة العجوزات الناتجة عن الدعم وآلياته المستمرة حتى اليوم، مبيناً أن سورية من أكثر دول العالم في تقديم أشكال الدعم، إذ يوجد لدينا 11 شكلاً للدعم تقريباً، وهي غير فاعلة وما عادت موجودة في دول العالم، وصحيح أنه كان هناك موارد وإمكانات في تلك الفترة لكن لم يتم معالجة موضوع الدعم الذي كان يستفيد منه الغني أكثر من الفقير، وليس كذلك فقط، بل كان يستفيد من دعم المشتقات النفطية والخبز كل دول الجوار عبر تهريب موادنا المدعومة إليها، كل ذلك كان يرتب على مالية الدولة عجوزات تراكمية، وهذا جزء يؤثر تضخماً في الواقع الاقتصادي، ويخلق اختلالات بنيوية وهيكلية في الاقتصاد، ثم جاءت الحرب ومفرزاتها والأضرار الاقتصادية التي تعرضنا لها، التي أدت إلى توسيع الفجوة بين الأسعار ومستوى الدخول، ناهيك عن مشكلة أخرى أكبر وهي أن المواد المدعومة قبل الحرب كانت من إنتاجنا أما اليوم فهي مستوردة، وكل ارتفاع في سعر الصرف يرفع الفاتورة، هذا الإرهاق في المالية أدى إلى أن تستدين الحكومة من المصرف المركزي، فتُطرح كميات كبيرة من الليرات في السوق أكبر مما يجب أن يكون بالتداول، ما يؤدي إلى حدوث موجات تضخم كبيرة تأكل الدخل الضعيف والمتوسط، وهي سياسة إفقار للناس، ومن يدفع ثمن التضخم هو الفقير، وهذه التراكمات هي كرة نار تكبر كلما استمرت.
وعن حجم العجز الذي يسببه الدعم، كشف خليل أنه في موازنة عام 2023 عندما كان سعر صرف الدولار ثلاثة آلاف ليرة، كانت كتلة الدعم أكثر من 9 آلاف مليار ليرة، أما على سعر الصرف الحالي فلا تقل عن 48 ألف مليار ليرة، وبعد شراء المواد الواجب توافرها وطرحها في السوق، يعود للدولة قسم صغير جداً من كتلة الدعم، هذا غير الهدر والفساد والكثير من الأمور الأخرى، وبهذا الشكل فإن مالية الدولة غير قادرة على الاستمرار.
وأكد خليل أن إعادة هيكلية الدعم تأخرت لسنوات، وكل تأخير جديد ستكون تكلفته على الناس والاقتصاد الوطني أكبر بكثير، وهذا يجعل المالية العامة للدولة عرضة للانهيار، أي إن إجراءات إعادة هيكلة الدعم واجبة وضرورية وليست خياراً، وزيادة معدلات الإنتاج مهما بلغت فلن تلحق بمعدلات التضخم، وعلى المستوى المتوسط والطويل ستؤدي هذه الإجراءات إلى تحسن الاقتصاد.
وعن الكتلة الأكبر من الدعم، أوضح وزير الاقتصاد أنها تذهب للمشتقات النفطية، بآليات دعم غير سليمة، مضيفاً: إن البعض يعترض على رفع سعر البنزين، وهو كتلة تستنزف الكثير من الدعم، ويستفيد منه جزء كبير من الناس، لكن أين حق الذين لا يملكون سيارات من هذا الدعم؟
وأكد بأن الدعم لم يرفع عن المحروقات كما يقال، فتكلفة ليتر البنزين على الدولة 11500 ليرة، وأغلبية الدول لا تدعم البنزين باستثناء الدول النفطية الكبيرة، مشدداً على أن الدعم ليس توزيع المبالغ على الناس بل تحقيق العدالة وإعطاء الفقير أكثر من الغني، فمن غير المعقول أن نكون بحاجة لتخفيض العجوزات ومعدلات التضخم من أجل تخفيض الأسعار في الأسواق ورفع الدخل والمستوى المعيشي، وفي الوقت ذاته ندعم البنزين بأرقام كبيرة جداً.
وعن الوفر من آلية الدعم الجديدة، أوضح خليل أنها مقسمة إلى ثلاثة أجزاء، أولها زيادة الرواتب والأجور التي وصلت إلى 4 آلاف مليار ليرة، وثانيها تخفيض عجز الموازنة، والثالث الذي عملت عليه الحكومة منذ فترة وهو دعم الاختصاصات المهمة والنادرة والتي هي بحاجة إلى إضافات غير زيادة الرواتب، مثل الأطباء، فقد شهدت سورية مؤخراً هجرة كبيرة للأطباء، فهل من المعقول أن نصل إلى مرحلة تخلو فيها مشافينا من الأطباء؟ كذلك أساتذة الجامعات الذين أيضاً هاجر قسم منهم، وقسم آخر يتقدم باستقالات فهم بحاجة لتحسين دخلهم بطريقة أخرى، كذلك القضاة ومجموعة من الاختصاصات النادرة والضرورية.
وأكد خليل أن ضبط الأسعار في الأسواق واجب، وهذا الأمر كان مطرح نقاش طويل في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة، وتم تكليف وزارتي التجارة الداخلية والإدارة المحلية من خلال الوحدات الإدارية للعمل بشكل مكثف على ضبط الأسواق، وتم عقد اجتماعات بين الوزارات والاتحادات المرتبطة بها لتفعيل القوانين بشكل كامل، ويبقى الموضوع بحاجة إلى تعاون وتكاتف بين الجميع.
وبيّن خليل أن هناك آليات للالتفاف على العقوبات، لكن هذه الآليات ترفع تكاليف الحصول على المواد، لكن المشكلة الأساسية في بنى الاقتصاد والأضرار التي لحقت بها.
وحول موضوع الضرائب المقتطعة من الرواتب بعد الزيادة، أوضح خليل أن الضرائب حق للدولة فهي تقدم من خلالها خدمات للمواطنين، وتدفع جزءاً منها للرواتب والأجور، كاشفاً عن مشروع قانون موجود في مجلس الشعب لرفع الحد الأدنى المعفى من الضريبة إلى راتب بدء التعيين.
وحول ما يشاع عن احتمال انهيار الاقتصاد السوري، قال خليل: إن الشائعات ذاتها كانت موجودة في بداية الحرب، ومع ذلك ورغم الظروف المعقدة والضائقة لا تزال الدولة السورية مستمرة، لكن الاستمرار يحتّم علينا اتخاذ قرارات صعبة، وما يتم القيام به اليوم هو رؤية لها أدوات قابلة للتحقق وتم البدء بإنجازها، وهذا سيؤدي إلى وضع أفضل على المدى المتوسط والطويل.