بعد ذريعة ارتفاع سعر الصرف جاءت اليوم ذريعة ارتفاع أسعار المحروقات ليواصل التاجر حلقات مسلسل استغلال حاجة المواطن لتأمين حاجاته الأساسية والضرورية كي يضيف لرصيده المالي رصيداً إضافياً جديداً على حساب لقمة عيش المواطن الذي بات لا يعلم ماذا يجري في السوق، والسؤال الذي يطرح نفسه ماذا تشكل المحروقات من نسبة التكاليف التي يدفعها التاجر أو الصناعي؟ وهل نسبة الزيادة في الأسعار منطقية وتواكب نسبة الزيادة في أسعار المحروقات؟
عدد من تجار المفرق في بعض أسواق دمشق أكدوا لـ«الوطن» أن الإقبال على شراء المواد حتى الغذائية منها انخفض وحركة البيع تعتبر ضعيفة نتيجة ارتفاع الأسعار الكبير ناهيك عن عدم توفر المواد بالشكل المطلوب، مبينين أن أسعار المواد التي يشترونها تختلف بين تاجر جملة وآخر وليس هناك سعر موحد للمواد، لذا يلجؤون نتيجة عدم ثبات الأسعار وانخفاض تصريف المواد لشراء كميات محدودة.
من جهته استبعد عضو مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق محمد الحلاق ارتفاع الأسعار بنسبة كبيرة عقب زيادة الرواتب والأجور، مؤكداً أنها بين 5 و7 بالمئة.
وفي تصريح لـ«الوطن» بين أن نسبة المحروقات من التكاليف تختلف حسب المنتج، فبالنسبة لبعض المنتجات الصناعية تشكل المحروقات من التكاليف نسبة تتراوح بين 20 و30 بالمئة لكن المشكلة ليست بالمحروقات اللازمة لعملية الإنتاج إنما المشكلة بتأمين المواد الأولية وبيع المنتجات النهائية والأعباء والمصاريف التي تتعلق بالمحروقات التي أصبحت كلها مرتفعة.
وأكد أن زيادة الأسعار ليست بسبب زيادة الرواتب إنما بسبب زيادة الأعباء والنفقات والمصاريف المدفوعة من المنتج التي تلعب من خلالها أسعار المحروقات دوراً كبيراً، مشيراً إلى أن المشكلة بعدم توفر المحروقات رغم رفع سعرها التي تخضع لابتزاز تجار سوق السوداء الأمر الذي أدى لارتفاع التكلفة بشكل اكبر.
وبخصوص انتشار حالة الجشع بين بعض التجار واستغلالهم لموضوع ارتفاع أسعار المحروقات وارتفاع الرواتب بين الحلاق أن الأسعار لا تنضبط إلا بالتنافسية وزيادة وفرة السلع، ومن يتحدث عن استغلال التجار يضحك على نفسه، مؤكداً عدم وجود جشع من التجار إنما هناك عدم وضوح للنفقات والتكاليف والمصاريف والأعباء وعدم استقرار في سعر الصرف، الأمر الذي يجعل جميع التجار وأصحاب المهن يعملون وفق مبدأ التحوط أي بمعنى زيادة نسبة الربح كي لا يخسر التاجر، وهذا الأمر لا يمكن تجاهله ومن يقل غير ذلك فهو غير مطلع على واقع الأسواق.
الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة حلب الدكتور حسن حزوري بين أن رفع أسعار المشتقات النفطية، ومن اليوم الأول، أدى إلى رفع أسعار أكثر من 350 مادة بنسب مختلفة، وانعكس على تكاليف الإنتاج الصناعي والزراعي، على حين تضاعفت أجور النقل الداخلي داخل المدن وبين المدن والأرياف، بقرارات رسمية من المكاتب التنفيذية في المحافظات، بنسبة 100 بالمئة.
وأوضح د. حزوري أن النتيجة الأولية للقرارات الحكومية أصبحت على الشكل الآتي: نسبة زيادة الأسعار والتضخم أكبر من نسبة زيادة الرواتب والأجور، علماً أن الزيادة الصافية للرواتب والأجور هي أقل من 100 بالمئة والسبب أن الزيادة ستؤدي إلى خضوع الرواتب إلى نسب ضريبية عليا قد تصل إلى 18 بالمئة، وبالتالي النتيجة هي انخفاض الدخل الحقيقي للمواطن وخاصة ذوي الدخل المحدود (العامل والموظف).
وأشار د. حزوري إلى أن الموجة الأولى من ارتفاع الأسعار حصلت نتيجة هذه القرارات، التي أدت إلى تدني القوة الشرائية لليرة السورية، وأثرت بشكل مباشر في سعر الصرف سواء عبر نشرة الحوالات والصرافة لدى مصرف سورية المركزي الذي رفعها من 10300 ل.س إلى 10700 ل.س، أم في السوق الموازية.
ولفت د. حزوري إلى أن التوقيت الخاطئ تمثل في إصدار قرارات رفع الأسعار في منتصف الشهر، بينما زيادة الرواتب التي أعلن عنها، لن تطبق إلا اعتباراً من بداية الشهر القادم، وفي معظم دول العالم، يتم ربط زيادة الأسعار مع زيادة الرواتب بالتوقيت نفسه، مضيفاً إنه لدينا هناك فارق بين 15 يوماً و45 يوماً، فالراتب سيدفع للموظفين الذين يستلمون رواتبهم مقدماً اعتباراً من أول أيلول أي بعد 15 يوم، بينما الأغلبية الذين يستلمون رواتبهم في نهاية الشهر، لن يستفيدوا من الزيادة قبل 45 يوم من الآن (أي في أول تشرين الأول)، ولذلك الموجات الإضافية واللاحقة لارتفاع الأسعار والتضخم لم تحصل بعد.
وبين د. حزوري أن التضخم وتغير سعر الصرف سيأكل الوفورات التي ستتحقق في الموازنة، وستنعكس سلبياً على موازنة عام 2024، وسيكون الوضع أكثر صعوبة، وخاصة في ظل بقاء العقلية نفسها التي ترسم السياسة النقدية والمالية من دون تغيير.
واقترح د. حزوري أنه كان الأجدى على الحكومة، أن تتخذ قرارات تحد من الهدر والفساد، والتهرب الضريبي لدى الحيتان، وتسعى لرفع كفاءة الإنفاق العام، وتستثمر بشكل أمثل الأملاك العامة، وتدعم الإنتاج الحقيقي عوضاً عما قامت به من قرارات ستكون نتائجها كارثية على الاقتصاد الوطني وعلى المواطن.
بدوره أكد نائب رئيس جمعية حماية المستهلك في دمشق وريفها ماهر الأزعط في تصريح لـ«الوطن» أن أعضاء من الجمعية كثفوا جولاتهم على الأسواق خلال اليومين الماضيين ولاحظوا انتشار حالات الفوضى والتفاوت في الأسعار بين سوق وآخر بشكل أكبر من السابق، مبيناً أن الرقابة التموينية على الأسواق ضعيفة وليست كما يجب نتيجة وجود نقص كبير في عدد المراقبين التموينيين الذين لا يستطيعون تغطية السوق مطالباً بزيادة عدد المراقبين التموينيين بأسرع وقت ممكن.
ولفت إلى أن سعر الفروج ارتفع بشكل كبير خلال اليومين الماضيين بعد صدور قرار زيادة الرواتب ووصل سعر كيلو الشرحات لأكثر من 55 ألفاً ونتيجة لذلك تم التواصل بشكل فوري مع وزارة التجارة الداخلية التي قامت بدورها بإصدار نشرة سعرية جديدة حددت من خلالها سعر كيلو الشرحات بـ50 ألف ليرة ورغم تحديد السعر ليس هناك التزام من نسبة كبيرة من الباعة بالسعر المحدد، ناهيك عن انتشار حالات الغش من خلال حقن الفروج وأجزائه بالمياه من أجل زيادة وزنه.
وأشار إلى وجود ندرة في المواد وخصوصاً الغذائية حالياً في صالات السورية للتجارة وعدم توافر اللحوم البيضاء في معظم الصالات، مطالباً السورية للتجارة بأن تعمل على توفير كل المواد في صالاتها وتمارس دورها بالتدخل الايجابي بشكل فعلي على الأرض.
وأوضح أن أعضاء من المكتب التنفيذي ومن مجلس محافظة دمشق قاموا خلال اليومين الماضيين بجولات على الأسواق واكتفوا بالتقاط الصور في الأسواق من أجل نشرها على صفحة المحافظة بعيداً عن القيام بدورهم المنوط بهم بخصوص الأسواق والأسعار، لافتاً في الوقت نفسه إلى أن السلامة الغذائية لمعظم المنتجات غائبة ولابد من التركيز على هذا الموضوع باعتباره من الموضوعات المهمة التي تمس سلامة المواطن.
الوطن