ارتفاع أسعار الأدوية شكّل أزمة للمواطن، الذي يعيش بالأساس ضائقة معيشية، وكان أكثر المتضررين هم أصحاب الأمراض المزمنة، فأدوية مرض السكري على سبيل المثال لا الحصر زادت أكثر من 100%، وقس على ذلك من أصناف الأدوية الأخرى التي مرّ وقت كان يباع بعضها بالسوق السوداء نتيجة النقص في إنتاجها!.
وبالرغم من كل ذلك سعت الحكومة للتوفيق قدر الإمكان بين مطالب المنتجين للدواء وحاجة المواطنين له بأسعار مقبولة، لكن هذه الإجراءات بقيت غير مرضية للطرفين، فالمنتجون يطالبون باستمرار برفع السعر، فيما يطالب المواطنون بتخفيض الأسعار التي لا تناسب قدرته الشرائية.
الاستمرار بالعمل
في ظل هذا الواقع يعوّل كثيراً على المرسوم رقم 19 لعام 2023 الذي يقضي بإعفاء مستلزمات الإنتاج والمواد الأولية الداخلة بصناعة الأدوية البشرية من الرسوم الجمركية، واعتبره أهل الاختصاص خطوة تساعد القطاع الدوائي في حل جزء كبير من أزماته الحالية، وخاصة فيما يتعلق بزيادة إنتاج الأصناف المفقودة من الأدوية أو تلك التي يعتبر إنتاجها قليلاً بسبب ارتفاع تكاليفها مما سيساهم فعلياً بالقضاء على السوق السوداء للأدوية أو تقليصها إلى حد كبير، بعد أن انتشرت خلال الفترة الماضية بشكل كبير سواء الأدوية الوطنية والأجنبية المهربة.
برأي المدير العام السابق للشركة الطبية العربية (تاميكو)، الدكتور فداء علي، صاحب الخبرة الطويلة في عالم الأدوية أن مرسوم الإعفاء الجمركي سيتيح للشركات المصنعة للأدوية البشرية الاستمرار بعملها وإنتاج الأنواع المفقودة وتأمينها في السوق المحلية، وهو الأمر الأكثر إلحاحا في هذه الفترة، مشيراً إلى أن الحصار الاقتصادي الذي تعاني منه سورية أدى إلى فقدان العديد من المستلزمات الأساسية للأدوية والتي كنا نحصل على معظمها عن طريق الاستيراد من دول أوربية وفقدناها نتيجة الحرب ولم نعد قادرين على تأمينها بسبب تراجع الدخل المحلي وإيرادات الدولة وقلة وارداتها من العملة نتيجة لنهب خيراته في الشمال السوري من قبل الاحتلال التركي والأميركي.
تجاوز الحصار
لا شك لم تتوقف وزارتا الصحة والتعليم العالي مع مؤسسة التجارة الخارجية بالعمل على تجاوز المقاطعة والحصار الذي أدى إلى عدم توريد أدوية الأورام الخبيثة، من خلال رصد الاعتماد المالي اللازم وتذليل المعوقات وتأمين البدائل من دول حليفة وصديقة مثل كوبا وإيران وغيرهما من الدول. وهنا يشير علي إلى أن سورية قبل الحرب كانت تغطي تكاليف العلاج بالكامل لجميع الأمراض المزمنة كالسرطان وغسيل الكلى والسكري بالإضافة إلى توفير اللقاحات بكل أنواعها للأطفال، لكن مع بداية الحرب أصبحنا مستوردين لتلك الأدوية بالتزامن مع ضعف الخزينة العامة للدولة حيث أصبحت الأعباء كبيرة.
الصناعة الدوائية
ونوه المدير العام السابق لتاميكو بالجودة العالية للصناعة الدوائية السورية التي كانت تصدر قبل الحرب إلى 55 دولة حول العالم، مؤكداً أن الدواء السوري له سمعة جيدة في الأسواق العربية ومطلوب جداً وهذا ليس بالأمر السهل لأن شروط تصدير الأدوية صعبة والدول المستوردة لها أيضا شروطها ففي حين لم يكن الدواء محققا للشروط ومطابقا لقواعد تصنيع الدواء لا يستطيع دخول أي دولة فالصناعة الدوائية لا يوجد فيها نخب أول وثاني وثالث في دساتير التصنيع العالمية، والتجربة عند المواطن العربي تؤكد الثقة التي اكتسبها الدواء السوري والتي بدورها تخضع للمراقبة من قبل وزارة الصحة وتعمل على تتبع عمل جميع معامل الأدوية، بالعموم ليس من مصلحة احد التلاعب بمواصفات الدواء لأنها تؤثر على سمعة الشركة الدوائية وتحجب عنها ثقة المواطن.
عقدة الأسعار
ورداً على سؤال بخصوص ما إذا كان مرسوم الإعفاء الجمركي لمستلزمات الأدوية سيساعد في تخفيض أسعارها التي باتت مرهقة لجيوب المواطن، بيّن على أن سعر الدواء تتداخل فيه عوامل كثيرة منها مواد التعبئة والتغليف وسعر الصرف المتغير بشكل دائم والتي تعتبر كتلة أساسية في تحديد سعر الدواء فارتفاع المواد الأولية هو المؤثر الحقيقي حيث يتوزع تحديد السعر 10% رسوم وجمارك و 20%تعبئة وتغليف و70%مواد متممة كأجور النقل والشحن وغيرها لذلك يمكننا القول بأن تأثير المرسوم على الأسعار سيكون طفيفا جداً إلا إذا تم تطبيق توصيات اللجنة الاقتصادية الخاصة بتحويل المستوردات للصناعة الدوائية بحيث تكون المستلزمات ممولة من المركزي، وحينها يخفض الكثير من التكاليف وتساعد على استمرار الصناعة الدوائية.
توافر الدواء
ويبدو أن تحديد أسعار الأدوية يبدو أكثر تعقيداً مما تخيلنا، فالأخصائيون جميعهم أكدوا أن المرسوم يساهم في دعم وتوفر الأدوية أكثر بكثير من انخفاضها، وبرأي الصيدلانية لين ونوس أن هناك أدوية يمكن أن تخفض وتتوفر بشكل كبير لكن تقلب سعر الصرف سيؤثر حتماً عليها فنشرة الأسعار التي حددت في 8/8 لهذا العام لم تعد كما كانت، ولم تُخفّض، أما باقي الأدوية المرتبطة بالأمراض المزمنة والسرطانات فهي مستوردة بالكامل، أي أنها تزداد بمقدار 2% كل فترة، مشيرة إلى أن المرسوم يساهم في توافر المواد وتصنيعها وهناك أصناف ليس لها بديل أمام المستورد وفي كل الأحوال يمكن أن يساهم المرسوم في توفر العديد من أصناف الأدوية في السوق المحلي.
ويتوافق رأي العديد من الصيادلة مع رأي زميلتهم لين، ولكن يبقى “المواطن المريض” هو أكبر المتضررين في بورصة الأدوية على أمل أن يتم أخذ العديد من الإجراءات التي تحد من غلاء الأدوية التي ارتفعت كثيراً فوق القدرة الشرائية مما جعل الكثير من المرضى يتخلون مجبرين عن أدويتهم!
البعث