وماذا عن مبدأ عدم التدخل الذي يعتمد القاعدة الاقتصادية التي تقول «دعه يعمل دعه يمر»؟ والذي يستوجب إطلاق حرية المنافسة. هل تطبق هذه القاعدة في سورية؟ وما إمكانية تطبيقها؟
الباحثة في الشؤون الاقتصادية وعميد كلية الاقتصاد في القنيطرة سابقاً رشا سيروب، بيّنت في تصريح خاص لـ«الوطن» أن أول من طرح مبدأ «دعه يعمل دعه يمر» هو عالم الاقتصاد آدم سميث الذي يعد أبو الرأسمالية، وهو من أنصار تشجيع الاقتصاد والنشاط الخاص على حساب تدخل الدولة، ولكن الأساس في هذا المبدأ وجود يد خفية تعيد توازن الأسواق عند حدوث أي اختلال فيها، مشيرة إلى أن هذه القاعدة كي تطبّق وتحقق الهدف الأساسي لا بد من وجود منافسة بالأسواق، بمعنى ألا يكون هناك عدد قليل من الأشخاص أو الأنشطة التي تستحوذ على النشاط الاقتصادي، موضحة أن هذا المبدأ لا يعني عدم تدخل الدولة بالمطلق، بل إن شرط نجاحه يستدعي وجود دولة قوية قادرة على أن تسن قوانين وتشريعات تحمي الملكيات الفردية وتصون المصلحة العامة وتنظم العمل.
وفي السياق، انتقدت سيروب ما هو مطبّق في سورية تحت شعار هذا المصطلح، مبيّنة أن ما يجري هو السماح للأشخاص بالعمل بصرف النظر عما إذا كانت أنشطتهم تخدم الهدف العام للدولة، أو إذا كانت محتكرة من مجموعة أشخاص، وهذا ما يلغي جوهر هذه القاعدة التي لا يطبّقها الاقتصاد السوري، علماً أنه غير اشتراكي ولا رأسمالي، وبالتالي فإن الاقتصاد السوري ليست له هوية اقتصادية.
وتابعت سيروب: «لا تكمن الإشكالية في سورية بالعقوبات الاقتصادية المفروضة عليها فقط، وإنما تكمن في كبار رجال الأعمال المستحوذين على أهم الأنشطة الاقتصادية وأكبرها، والذين حققوا ثرواتهم وأنشطتهم عن طريق التعاقدات الحكومية بسبب العقوبات، لذا فإن الحل الوحيد حالياً هو تنشيط المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر، فعندما تطبق قاعدة «دعه يعمل دعه يمر» بشرط تدخل الدولة من خلال إصدار قوانين وقرارات وإجراءات تضمن تسهيل إجراءات الترخيص لجميع الأنشطة الاقتصادية وخاصة الإنتاجية منها ومزاولتها، مع ضمان عدم احتكارها من جهة أو طرف معين، بذلك يتم تطبيق القاعدة المذكورة»، مؤكدة أن المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر هي التي حافظت على الاقتصاد السوري خلال فترة الحرب التي امتدت 12 عاماً.
وأشارت سيروب إلى أنه في حال تم تطبيق هذه القاعدة الاقتصادية فإن ذلك يؤدي إلى وجود أنشطة ومشروعات تلبي احتياجات السوق المحلية، وتهدف إلى التوسع لتكون قادرة على التصدير وبالتالي تحقيق قطع أجنبي للوصول إلى مرحلة يتم فيها تحقيق نوع من الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي الذي يضمن الحفاظ على قوة الاقتصاد داخلياً.
من جهته، رأى الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة حلب الدكتور حسن حزوري في تصريحه لـ«الوطن» أن هذا المبدأ غير مطبّق في الاقتصاد السوري، والكثير من المشكلات الاقتصادية ناجمة عن عدم تطبيقه، فعندما ينعدم وجود منافسة كاملة من خلال وجود أشخاص معينين يتقاسمون الأسواق ويحتكرون السلع والمواد الأولية تصبح هناك أزمة وتحدث الكثير من الانحرافات في السوق، مشيراً إلى عدم التقيد بالبيانات الجمركية على الرغم من وجود الجهات الرقابية في الأسواق، وهذا ما يحقق أرباحاً كبيرة نتيجة الاحتكار وشح المواد، وتضاف إلى ذلك سياسة ترشيد المستوردات التي تتبعها الحكومة، والتي تلعب دوراً آخر، فالمادة التي تفقد من السوق، تدخل إلى البلاد تهريباً، وهذا ما يسبب خسارة بالموارد الاقتصادية للخزينة العامة للدولة من جهة فوات الرسوم الجمركية، إضافة إلى أن هذه السلع تباع من دون وجود أي جهة رقابية تفحص مدى مطابقتها للمواصفات وصلاحيتها للاستهلاك.
وأوضح حزوري أن مهمة الدولة في اقتصاد السوق الاجتماعي، تتركز على مراقبة الأسواق وكشف حالات الغش والتدليس، مع إبقاء الأسعار حرة بشرط وجود منافسة، طارحاً دليلاً على ذلك يتمثل بفروقات الأسعار بين المناطق الواقعة تحت سيطرة الدولة وتلك الواقعة خارجها، مؤكداً أن السبب في ذلك هو الاحتكار الموجود في الداخل السوري وتحكم البعض في التسعير.
وأضاف حزوري: إن كل الدول التي بنت اقتصادات سليمة طبّقت مبدأ السوق الاجتماعي، كالصين على سبيل المثال والدول الصناعية المتقدمة، مشيراً إلى ضرورة تصحيح السياسة المالية والنقدية وإلغاء مراسيم منع التعامل بغير العملة السورية التي أضرّت بالاقتصاد بشكل كبير، وكذلك إلغاء كل القرارات التي تقيّد حرية نقل الأموال بين المحافظات والمدن.
من جانبه، أشار عضو مجلس إدارة غرفة تجارة حلب سمير كوسان في تصريح لـ«الوطن» إلى أن الشارع الاقتصادي يتحدث منذ فترة عن قاعدة: «دعه يعمل دعه يمر»، ولكن تمر سورية بظروف استثنائية صعبة تتمثل بالعقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، ما يمنعها من تطبيق هذه القاعدة، معتبراً أن القرارات الصادرة على مستوى رئاسة مجلس الوزراء والوزراء تؤمن تسهيلات كبيرة وأن هناك تعاوناً كبيراً من قبلها، ولكن عند الدخول بحيز التطبيق يتم الاصطدام بالكثير من الصعوبات، ما يعني أن هذه القاعدة لا تنسجم مع هذه الظروف الاستثنائية، علماً أن الاقتصاد يتطلب العمل بها.
وتابع كوسان: «بالنظر إلى الواقع الحقيقي للأسواق، فإننا نشهد ارتفاع أسعار كبيراً جداً ناتجاً عن عدة عوامل لا تنحصر بالعقوبات الاقتصادية فقط، وإنما هناك ارتفاع أسعار عالمي ناتج عن منعكسات بدأت منذ وباء كورونا، إضافة إلى ارتفاع أجور الشحن العالمي الذي ينعكس على أسعار البضائع، وقلة الإنتاج وارتفاع تكاليفه نتيجة ارتفاع أسعار المحروقات وضعف الكهرباء، وعدم وصول السلع خلال الفترات المطلوبة».