تبين من خلال متابعتنا لعملية استيراد المواد الغذائية للسوق السورية أن بيان التكلفة غير واقعي كما يجب، وعدم الواقعية تتجلى في أجور النقل حيث لا يعترفون عند وضع التكاليف إلا على التسعيرة في مكتب الدور، علماً أنه لا أحد يعمل بها من السائقين ويأخذون خمسة أضعاف عنها.. وفي أجور الخزن حيث إن البضاعة تتأخر نتيجة إجراءات المنصة وبالتالي تتأخر البضائع بالمرافىء ويترتب عليها رسوم خزن يتم دفعها للمرفأ ومع ذلك لا يعترفون عليها في بيان الكلفة.
كما أن السعر للدولار يأخذونه عن البيان الجمركي للبضاعة إلا إذا أحضر المستورد لهم كتاباً من شركة الصرافة بماذا تم تمويله، ولا يمكن إحضار هذا الكتاب من شركة الصرافة فهناك مادة بعد ستين يوماً حتى تمّول ومادة لنحو التسعين يوماً حتى تمول والرز بعد شهر ليتم تمويله، والمستورد مجبر على تقديم بيان تكلفة للبضاعة وتسعيرها خلال شهر من تاريخ البيان وعندها لا يكون عنده السعر الذي تم تمويل البضاعة فيه وهذا لا يعكس الحقيقة في الأسواق.
كما تتجلى في نسبة الربح التي تحدد بنسبة خمسة بالمئة فقط رغم كل الانتظار وفرق السعر والظروف الصعبة ونسبة الربح التي تفرض الضرائب بموجبها من قبل المالية والتي تزيد على 9 بالمئة وتصل لـ11 بالمئة، فكيف يكفي المستورد ربح خمسة بالمئة في بيان الكلفة الذي يحصل تأخير بإصداره؟
كما تبين لنا أن نسبة الـ15 بالمئة من الكميات الموردة والتي يجب على المستورد تسليمها للسورية للتجارة لا يتم سداد قيمتها وفق القرار الناظم لذلك، ويبقى المستورد عدة أشهر يطالب بالقيمة المالية رغم أن السورية للتجارة تبيع الكميات وتستلم قيمتها من المواطنين بضعف الثمن الذي تم تحديده للمستورد فمثلاً تم الشهر الماضي تحديد سعر كيلو الرز وفق بيان الكلفة لأحد المستوردين بنحو 6300 ليرة على حين قامت ببيعه بنحو 13 ألف ليرة للمستهلك بموجب البطاقة الذكية.
وتبين لنا أيضاً أن الرسوم المالية تأخذها «المالية» بعد سنوات وبأسعار توازي السوق السوداء تحت ما يسمى التثقيل، كما يتم التكليف على أساس ربح التاجر من 9 إلى 11 بالمئة، علماً أن بيان التكلفة يسمح بربح 5 بالمئة فقط.
وتبين أخيراً أنه بموجب قرار صادر عن وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية برقم 790 لعام 2010 أي قبل الأزمة والحرب أنه يجب على المستورد وضع العلامات التجارية واسم المستورد على الأكياس والعبوات رغم الانعكاسات السلبية التي تترتب على تجارنا الموردين نتيجة ذلك في ظل العقوبات وغيرها.
ومن خلال مناقشة هذه الأمور مع بعض المختصين والمتابعين اقترحوا لمعالجة هذه المشكلات -التي تجعل عدد المستوردين يتراجع يوماً بعد يوم- مايلي:
– تقاضي الضريبة من وزارة المالية ومديرياتها على بيان البضاعة فور تسجيله وبشكل قطعي لكون المادة معروفة وسعرها ومبيعها معروفين.
– إلزام السورية بتسديد قيمة كمية الـ15 بالمئة التي تستلمها من المستورد خلال خمسة أيام وفق قرار الوزير بهذا الخصوص وفِي حال عدم التسديد خلال المدة المحددة عدم إلزام التاجر نفسه الذي لم تسدد له القيمة بتسليم أي بضاعة للسورية للتجارة لاحقاً.
– الاكتفاء بتدوين اسم الشركة الصانعة وتاريخ الإنتاج وتاريخ انتهاء الصلاحية على الأكياس فقط وبأي لغة كانت وخاصة على العبوات زنة 25 كغ و50 كغ و60 كغ.
«التموين» ترد
– وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك ردت على ما تقدم بالقول: يتم التسعير من قبل المؤسسة تماشياً مع أسعار المادة في الأسواق والتي يتم بيع المادة بها من قبل الموردين أنفسهم وذلك لعدم التزامهم بالبيع حسب ما هو وارد في الصك السعري وبالتالي تكون المؤسسة مضطرة لرفع الأسعار منعاً لحدوث فارق سعري كبير بين سعر المؤسسة وسعر السوق وحفاظاً على رأس مال المؤسسة من التآكل والقدرة على شراء الكميات ذاتها عند القيام بترميم مخزون المؤسسة من المواد ومنع ضعاف النفوس من استغلال الفارق السعري وتهريب المادة للأسواق.
بالنسبة لتسديد قيمة المادة للموردين: المؤسسة ملتزمة بتسديد قيمتها بناءً على قرار الوزير علماً أنه لتاريخه لم يتم تسليمنا إلا ست إجازات استيراد فقط من أصل /71/ إجازة وهذا يؤكد عدم التزام الموردين بتسليم حصة المؤسسة.
أما ما يتعلق بنسبة الربح المسموحة للموردين فهي حسب قرار التسعير الصادر عن الوزارة بكل مادة وتختلف من مادة لأخرى ويتم ذلك بحضور ممثلين عن غرف التجارة والصناعة.
أما ما يخص الضرائب والرسوم فهي تحسم لمرة واحدة عند صرف قيمة المواد المستلمة حسب القوانين والأنظمة النافذة وتحول المبالغ المحسومة إلى مديريات المالية في المحافظات ويتم إعطاء وثائق للموردين تثبت ذلك عند الطلب لإبرازها للجهات المعنية.
وتضيف الوزارة: تتم دراسة أضابير المواد المستوردة وفق آليات ناظمة قانونية معتمدة على التكاليف الموثقة كافة ويضاف نسبة 5 بالمئة نفقات نثرية لا يمكن توثيقها وكذلك 1.5 بالمئة رسم قنصلي.
أما سبب الخروج بسعر أقل من السعر الرائج فسببه إدخال المستورد المادة بسعر أقل من السعر الحقيقي لأسباب معينة قد تكون التخفيف من الرسوم الجمركية.
أما نسب الأرباح فمعتمدة بالقرار رقم 861 لعام 2023 وهي مختلفة حسب نوع المادة.
والمالية ترد
أما وزارة المالية فكلفت الهيئة العامة للضرائب والرسوم الرد على الجوانب المتعلقة بها حيث جاء في رد مديرها العام بالتالي:
بخصوص أن يتم تقاضي الضريبة من قبل وزارة المالية ومديرياتها على بيان البضاعة فور تسجيله وبشكل قطعي لكون المادة معروفة وسعرها ومبيعها معروفين نبين الآتي:
إن المقصود من المقترح هو استيفاء الضريبة على الدخل عن عملية الاستيراد بشكل مسبق قبل عملية بيعها للمستهلك الوسيط أو النهائي، (أي قبل تحقق الربح الخاضع للضريبة)، يجب الإشارة إلى أن مطرح الضريبة على الدخل هو الأرباح الصافية التي يحققها المستورد من عملية استيراد المواد وبيعها بالسوق المحلية، وبالتالي فإنه من الخطأ الفني لهذه الضريبة استيفاؤها بشكل مسبق قبل عملية البيع أساساً وقبل تحقق الربح لسببين أساسيين:
الأول: إن الضريبة على الدخل هي اقتطاع من الدخل الذي يحققه المكلف فعلاً ويتناسب مع النتيجة التي تتحقق فعلاً، وبالتالي فإن استيفاءها بشكل مسبق يخالف المبادئ الأساسية للضريبة ولا يحقق الغاية الأساسية منها، والمعالجات السابقة التي كانت تتم بهذا الاتجاه (السلفة ضريبة نهائية) هي معالجات استثنائية لظروف استثنائية فقط.
الثاني: إن استيفاءها بشكل مسبق سيؤدي حكماً إلى إضافتها على تكلفة السلعة وبالتالي زيادة مباشرة بالأسعار وتحييد أرباح المستورد من الضريبة على الدخل.
ونبين أنه بموجب أحكام الفقرة /ج/ من المادة /31/ من المرسوم التشريعي رقم /30/ لعام 2023، تم إلغاء المادة /12/ من المرسوم التشريعي رقم /51/ لعام 2006. والتي نصت على أنه «يحق لوزير المالية بقرار منه اعتبار السلفة المسددة لدى الأمانات الجمركة ضريبة نهائية وفق الآلية والأسس والضوابط التي يحددها القرار المذكور».
والهدف الأساسي من إلغاء المادة هو إيقاف هذه المعالجة الاستثنائية والتشوهات التي نتجت عن تطبيقها بالنظام الضريبي، حيث إنه كما بيّنا أن الضريبة على الدخل يجب أن تفرض على الأرباح الصافية التي يحققها المكلف بعد تنزيل جميع التكاليف والنفقات المقبول تنزيلها ضريبياً.
وبالتالي يتعذر تحقيق المقترح المقدم لعدم توافر الإطار القانوني وعدم الملاءمة الفنية، إضافة إلى أنه لا يحوز فرض ضريبة على أرباح المكلف على مادة واحدة بعينها (مادة الرز المستوردة مثلاً)، وإنما تفرض الضريبة على الأرباح الصافية التي يحققها من ممارسته لعمله التجاري أو الصناعي والذي يمكن أن يضم عدة فعاليات منها تجارة مواد (محلية -مستوردة) أو عمليات تصنيع.
لنا كلمة
نعتقد أن ما أوردناه في هذه المادة من ملاحظات ومشكلات يستحق دراسته بشكل أعمق من الوزارات المعنية بالاستيراد والتمويل والتسعير والضرائب وصولاً إلى المعالجة الكفيلة بزيادة عدد الموردين بدل تراجعهم وتوفير المواد الغذائية وغير الغذائية في الوقت المناسب وبأسعار مناسبة تتوافق مع (الكلف الحقيقية) لكل عناصر الكلفة بدءاً من بلد المنشأ مروراً بالنقل البحري والتخليص والتفريغ والتخزين والرسوم والضرائب والنقل البري وغيره وهامش الربح وصولاً للمستهلك.