نقطة تحسب لـ”التأمين” من جهة خطتها لتوسيع عدد المستفيدين تحت مظلتها لتشمل أعداداً أكبر، لكن من البدهي أنّ الأقساط السنوية المتواضعة بالكاد تغطي بمجملها لمعالجة حالة “كريب” بسيطة، ومن المهم لإنجاز هذه الخطوة التي أعلن عنها مدير هيئة الإشراف على “التأمين”، أنه لا بدّ من تأمين تمويل أو البحث عن موارد إضافية تضمن تنفيذها.
وفي المقابل، يقترح أهل الاختصاص مقترحات عدة ترفد الموازنة الخاصة، منها أن تدفع المؤسسة عن كل عامل 6%، وفرض ضريبة على المواد الاستهلاكية المضرّة بالصحة، مثل التبغ والكحول وعلى مالكي المركبات المضرّة بالبيئة لترميم ثغرة من ثغرات النقص، إضافة إلى تحسين الرواتب وغيرها.
توسيع المظلة
يؤكد مدير هيئة الإشراف على التأمين، الدكتور رافد محمد أن المؤسسة العامة السورية للتأمين تعمل على توسيع المظلة التأمينية، لتشمل أعداداً أكبر من المواطنين، لافتاً إلى أنّ التأمين ككل، هو لمعالجة مشكلة التكاليف الطبية وتصحيحها ومعالجة توجيه الإيرادات في مجال الخدمات بشكل صحيح، لتشمل الفئات الأكثر استحقاقاً، وكذلك العمل على معالجة الثغرات والاستفسارات التي ترد من مختلف المحافظات، سواء عن طريق وسائل التواصل أو عن طريق مجموعات “واتس”، وكذلك الرد على استفسارات المواطنين ضماناً لوصول الخدمات الطبية بشكل جيد ومضبوط، عدا عن توفير قاعدة بيانات، ورسم السياسات والخطط، بما يسهم في تطوير العمل، ناهيك بتوفير سجل صحي، وبإمكان المؤسسة مراقبة السجل الطبي لكل مواطن وتطوراته.
للأكثر هشاشةً
ويؤكد د.محمد: كثيراً ما ندعو المجتمع للدخول إلى مظلة التأمين الصحي، وهذا تأكيد أنّ كل المواطنين سواسية لنيل الخدمات الصحية، وفي سداد أقساط التأمين. كذلك توجد مراعاة لمستوى شرائح المجتمع بالقدرات المالية، بحيث تلبّي احتياجات الناس الأكثر هشاشة والأكثر حاجة للدعم، فالبعض منهم ليسوا بحاجة، والبعض الآخر يدفع قسط التأمين كاملاً .
د. محمد: تتم إعادة النظر في توزيع إيرادات التأمين للفئات الأكثر استحقاقاً، لكن هذا الدعم يحتاج إلى موارد إضافية.
وأضاف: يتم العمل بإعادة النظر في توزيع إيرادات التأمين للفئات الأكثر استحقاقاً ولكافة أهداف تطوير منظومة التأمين الخاصة والحكومية، لكن هذا الدعم يحتاج إلى إيرادات إضافية لتحقق أهدافاً نبيلة ومجتمعية، وهذا ما تقوم به هيئة الإشراف من دراسة للمقترحات والدراسات اللازمة. قدمنا ونقدم ما يطلب منا لجهة دورنا في مشاريع قرارات وصكوك تشريعية لتطوير الخدمة الصحية المجتمعية الصحيحة.
رغم موجات التضخم
ولفت د. محمد، إلى أن المؤسسة العامة السورية للتأمين تمكنت من تقديم الخدمة الصحية لموظفي القطاع الإداري رغم موجات التضخم الكبيرة التي حصلت في عامي 2022- 2023، إذ ارتفعت التكاليف الطبية مرات عدة وبشكل كبير، خاصة الأدوية، وكذلك ارتفاع تكلفة المعاينات والعمليات الجراحية والتحاليل، وهذا ما يمثل عبئاً كبيراً على ملف التأمين الصحي في مؤسسات التأمين كافة الخاصة والعامة. وبموازاة ذلك يتم العمل لإيجاد الطرق اللازمة لاستمرار خدمة التأمين، وذلك من خلال ضغط النفقات وضبط الموارد لتوجيهها لمستحقيها الفعليين، والعمل على توجيه هذه الإيرادات حسب الأولويات منها، مثلاً للعمليات الجراحية والأكثر تكلفة والأكثر ألماً مادياً ومعنوياً، ومحاربة استخدام بطاقات التأمين لأغراض غير مرضية.
إجراءات
لم يغفل د. محمد اتخاذ الإجراءات الضرورية لاستمرارية تقديم الخدمات، وخاصة في ظل هذه الظروف الضاغطة. وكشف أنه يوجد توجه نحو، أولاً رفع الحدّ المالي لبطاقة التأمين داخل المشافي الحكومية، وقد تصل إلى عشرة ملايين، وفي المشافي الخاصة إلى ثلاثة ملايين ليرة، من ضمنها البدائل الصناعية من “شبكات قلبية وأسياخ و براغٍ”.
خبراء: التحدي الأكبر تأمين موارد إضافية… مشاريع قوانين وخطط لتطبيق التأمين الصحي، تتوقف على عبارة “من أين يتم التمويل”؟!…
الحالة الثانية هم مرضى الأمراض المزمنة، مبيناً أنَّ أي مريض مزمن هو أولوية “للتأمين”، كما تم تخصيص رصيد إضافي إلى قيمة الوصفات الطبية العادية والتحاليل والمعاينات الطبية.
يعزو د. محمد الاستمرارية في تقديم الخدمات، وخاصة في هذه الظروف الضاغظة، إلى استيعاب التضخم وحسن التدبير باستمرار تقديم الخدمات وفق الأولويات، وأن يحصل كل ذي حقٍّ على حقه، كما أن هذا الأمر ينطبق على قائمة مزوّدي الخدمة من خلال إيصال حقوقهم بأقصى سرعة ممكنة، إضافة إلى متابعة قانون الأطباء الجراحيين، حيث تصل مستحقاتهم كاملة من دون أي تأخير، كما تجري المؤسسة تقييماً دائماً عبر الخيارات التي تطرح بأقل الأعباء على حامل البطاقة.
البحث عن موارد
إذاً يبدو التحدّي الأبرز أمام هذا الوضع، تأمين الموارد التي تفي بالحاجة. ومن المؤكد أن تأمين الموارد المالية يشكل عقبة كبيرة أمام تأمين صحي شامل لمواطني الجمهورية العربية السورية، وقد وضعت مشاريع قوانين عدة وخططاً لتطبيق التأمين الصحي، وكانت كلّها تتوقف على عبارة ” من أين يتم التمويل”؟.
وحسب د. هشام الديواني، “مستشار تأمين صحي” ، توجد عدة مقترحات مالية تزيد من موازنة الوزارات المعنية بالصحة، ولاسيما أنه يمكن إضافة الموازنات الخاصة المدفوعة للقطاع الاقتصادي وبعض المطارح الأخرى للتحصيل، وهذا كله قابل لوضعه كأرقام، مشيراً إلى أنه عند دراسة مشروع التأمين الصحي عام 2002 و2003 تم الاقتراح أن تدفع المؤسسة عن كل عامل أو موظف (6%) تأميناً صحياً لهيئة الضمان الصحي، بينما يدفع العامل أو الموظف (3%) ليصبح المجموع (9%)،وهذا مبلغ كافٍ، يعفي وزارة المالية والمؤسسة العامة السورية “التي تدفع من أموال التأمين الإلزامي للسيارات وهو حق كامل للمؤسسة” من الدفع للقطاع الإداري والاقتصادي، على أنه يمكن أن تذهب المبالغ المدفوعة من المالية للغرض نفسه، لتصبح المبالغ كافية لتغطية العامل وأسرته.
ومن المقترحات المالية التي يمكن أن ترفد الموازنة -حسب ديواني- الاشتراكات المقتطعة شهرياً من المشتركين العاملين في القطاع العام والمشترك، والمتقاعدين والعاملين في القطاع الخاص المسجلين لدى التأمينات الاجتماعية، وفق الأسس والنسب التي يعتمدها مجلس الإدارة بما لا يتجاوز (3%) من الراتب أو الأجر الشهري المقطوع أو المعاش التقاعدي أو المعاش المنتقل والموافق عليها من قبل رئاسة مجلس الوزراء، والحصة المناظرة التي تدفعها الدولة أو أرباب العمل ومقدارها (6%) من الراتب أو الأجر المقطوع المعرف وفق القوانين والأنظمة النافذة من موازنة التأمينات الاجتماعية، أما الحصة المناظرة للمستفيدين من أصحاب المعاشات التقاعدية والمعاش المنتقل وأصحاب معاش العجز الطبيعي وعجز الإصابة وفق القوانين والأنظمة النافذة.
والنقطة الأهم التي تحدث عنها د. الديواني أيضاً، اشتراكات “الأفراد وعمال القطاع الخاص والفلاحين…إلخ”، غير المشمولين بالتأمينات الاجتماعية وفقاً للعقود المبرمة معهم. وكذلك اشتراكات “المنظمات الشعبية والنقابات المهنية إلخ….”، وفقاً للعقود المبرمة معهم.
اقتراحات لرفد الإيرادات كفرض ضرائب على مستهلكي رفاهية التبغ والكحول
بالإضافة إلى الإعانات والهبات والتبرعات والوصايا والهدايا التي يقرر مجلس الإدارة قبولها وفق القوانين والأنظمة النافذة.
وتتحمل الدولة نفقات واشتراكات المواطنين التي تقدم لهم الرعاية الصحية مجاناً وفقاً لصناديق الفقراء.
ووضع رسم على الفواتير المصدرة من جهات القطاع العام والخاص والوثائق التي تصدر عن الجهات الرسمية، رسم على الدخان و”الأراكيل” والمشروبات الكحولية وتحدّد بقرار يصدر من رئاسة مجلس الوزراء.
إضافة إلى (50%) من قيمة الطوابع الصحية ومكافحة السل واللصاقات الطبية الدوائية.
وذكر الديواني الوفر المدور من موازنة السنة المالية السابقة، وصناديق الزكاة والمنظمات غير الحكومية.
عقبات
من وجهة نظر الباحث الاقتصادي د. عمار ناصر آغا، فإنّ القدرة على توسيع مظلة التأمين الصحي تعترضها عقبتان أساسيتان، الأولى: عدم الثقة بقطاع التأمين وشركاته بشكل أو بآخر، وخاصة قطاع التأمين الصحي الإداري، ويبين د. آغا أننا ما زلنا بعيدين بعض الشيء عن قدرة التأمين بتوسيع المظلة لأسباب عديدة، أهمها عدم الوعي الكافي بأهمية التأمين، ولو أنه تطور في الآونة الأخيرة، نتيجة ما نشهده من تطورات.
الثانية: هي مدى إمكانية توفر القسط التأميني الكافي لتقديم تغطية تأمينية بجودة مرتفعة، واستشهد بنموذج التأمين الصحي الإداري الذي لا يزال قسط التأمين فيه منخفضاً (123) ألف ليرة تقريباً، مقابل تغطيات تستوجب قسطاً أعلى من ذلك بكثير، فالأمر غير متاح حالياً من وجهة نظره، خاصة في ظل الانخفاض الواضح للرواتب والأجور، ما يجعل مقدمي الخدمة يحاولون التنصل أحياناً من تقديم الخدمة كما يجب الأمر، الذي ينعكس سلباً أيضاً على جودة هذه الخدمة.
وأضاف الباحث الاقتصادي: إنَّ القدرة على توسيع مظلة التأمين الصحي مرتبطة بشكل كبير بالوضع الاقتصادي في البلد، وليس فقط بقطاع التأمين.
إذاً، في ظل هذه الظروف الاقتصادية لا بدّ من البحث عن مصادر تمويل جديدة، فما هو الحل، وما السبل لترميم الثغرات أو النقص؟ لا بدَّ من محاور عدة تمكن من ذلك، وفق د. ناصر آغا، أولها أن رفع الأجور والرواتب، سينعكس إيجاباً على قسط التأمين، وخاصة “الصحي الإداري”، إذ إنه مرتبط بنسبة من الأجر في هذا القطاع.
وثانياً: يمكن الاستئناس بتجارب الدول الأوربية التي تقتطع جزءاً من الضرائب المفروضة على المستهلكات المضرة بالصحة، كـ”التبغ والمشروبات الكحولية” لتمويل أقساط التأمين، إضافة إلى أهمية توجيه جزء من الغرامات المفروضة على المركبات لتمويل هذا القسط، وخاصة المخالفات المتعلقة بالظروف البيئية كمخالفات العوادم والدخان المتصاعد من السيارة.
وأضاف د. ناصر آغا: يمكن الاعتماد ولو على جزء من الضرائب المفروضة على المنشآت الصناعية التي تسبب ضرراً بيئياً “دخان أو مواد كيميائية”، وكذلك تخصيص جزء من إيرادات المنشآت الحيّة والطبية لتمويل التأمين الصحي، إضافة إلى إمكانية الاستفادة من جزء من إيرادات الاستثمار في الصناديق، أبرزها إيرادات استثمار أموال مؤسسة التأمينات الاجتماعية.
وبموازاة ذلك، العمل على توجيه جزء من أرباح التأمين الإلزامي في المؤسسة السورية للتأمين لتمويل التأمين الصحي أيضاً، وفرض تمويل التأمين الصحي الإداري من نتائج أعمال التأمين الصحي الخاص في الشركات الخاصة أو المؤسسة.
إذاً ما هو المطلوب للنهوض بالعمل، بما يحقق العدالة الطبية؟ يؤكد د.ناصر آغا أنه لا بدّ من العمل على دعم قسط التأمين، وخاصة في القطاع الإداري، من خلال أوجه التمويل المقترحة أو غيرها.
ويمكن العمل على:
تأسيس وإنشاء شبكة خدمات صحية “طبية” خاصة بالتأمين”الإداري في المرحلة الأولى”، بحيث تكون إدارة هذه الشبكة للحكومة وتدوير إيراداتها لدعم التأمين الصحي نفسه من جهة وتوسيع هذه الشبكة من جهة أخرى.
والعمل من خلال الجهات الإشرافية على خفض نسب سوء الاستخدام، كما يمكن لهذه الجهات أن تخصص جزءاً من إيراداتها لدعم التأمين الصحي الإداري.
كذلك، التسويق بشكل أكبر للاستفادة القصوى من الميزات الممنوحة للمؤمّن عليهم حين مراجعة المشافي الحكومية والعسكرية، إذ إن سقف التعويضات والحدود المالية فيها أكبر من بقية المشافي في الشبكة الخاصة بالتأمين الصحي للقطاع الإداري.
ويبقى تحسين قسط التأمين هو العامل والمؤثر الأكبر الذي ينعكس إيجاباً في جودة التأمين الصحي وعدالته.