مع تزايد التوترات والأزمات والمحن التي تعانيها المنطقة يستمر الارتفاع في أسعار المعدن الأصفر الذي أوشك أن يصل إلى المليون ليرة للغرام الواحد عيار 21، وتطالعنا التقارير الاقتصادية العالمية بأخبار شبه يومية عن تراجع أسعار الصرف للكثير من العملات الدولية، وندقق في الإجراءات المتخذة؛ فنجد أن بعض الدول الأوروبية التي تشهد صراعات دولية وحروباً حاولت تجاوز انهيار عملاتها بطريقين؛ إما التحول نحو العملات الإلكترونية كالبيتكوين أو الذهب, وتأتي أهمية الذهب من كونه قادراً على التبادل مع أي عملة أو سلعة، لكنه أيضاً عالي المخاطر من حيث الاحتفاظ به أو نقله . ويكون الخيار الثاني هو العملات المشفرة والتي شهد سوقها رواجاً كبيراً .
هذه التغيرات المهمة في أصول الثروات أحدثت حسب صناديق النقد الدولية ثورة رقمية في أصول الثروات.. لكن ما يثير التساؤل هذا التغير المفاجئ في تقييم الثروات، والتي كان ينظر إليها على أنها لا تمثل القيمة الحقيقية والوظائف الأساسية للنقود كمخزن للقيمة.. لأسباب عديدة أبرزها أنها شديدة التقلب في قيمتها ..
لكن تراكم الأزمات وترجيح البعض استمرارها لسنوات.. غيرت الكثير من المفاهيم، حيث لجأ الأغلبية ممن يتعرضون لمخاطر أو عقوبات أو أزمات.. إلى تحويل أموالهم عبر الهواتف النقالة إلى العملات المشفرة ليتم التعامل معها من أي مكان في العالم وبذلك ظهرت العملات المشفرة كخيار أقوى وأقل مخاطرة من الذهب.. وتلا ذلك تحول سريع في قناعات المصارف المركزية التي بدأ بعضها كالصين بإصدار عملاتها المشفرة الخاصة بها .
إن التحول الرقمي بات يسيطر على أغلبية مفاصل الحياة، ولعل المستقبل هو من سيظهر مدى صوابية التحول نحو الذهب أو العملات المشفرة.. وهذا الحماس المفاجئ بالعالم تجاه الذهب والعملات الرقمية التي تشير إلى تغير كبير في الاقتصاد العالمي ..لقد أظهرت الشهور الماضية أن نظام العملات المشفرة تجاوز الأنظمة المالية التقليدية التي يمكن حصارها وتجميد حركتها مقابل تحرك وحرية كاملة للعملات الرقمية في الفضاء السيبراني …
في المقابل بينما تواصل أسعار الذهب تسجيل ارتفاعات قياسية، إذ عزز تصاعد التوتر في الشرق الأوسط شهية الإقبال على المعدن النفيس الذي يعد ملاذاً آمناً، فيما تكثر التساؤلات من الأفراد بشأن إمكانية شراء الذهب في ظل تلك الارتفاعات.
وارتفعت أسعار الذهب بنحو 15% حتى الآن هذا العام بدفعة من عمليات شراء قوية من بنوك مركزية والإقبال على الملاذ الآمن مع استمرار المخاطر الجيوسياسية والطلب المرتفع من الصناديق التي تواكب اتجاهات السوق.
ومع ارتفاع شهية الإقبال على الذهب، قال الشريك المؤسس والرئيس التنفيذي NeoVision لإدارة الثروات، الدكتور ريان ليمند: إن تساؤل “هل نشتري ذهباً”؟ يتكرر كثيراً في الآونة الأخيرة، مضيفاً: “الجواب نعم؛ ومحفظتي الشخصية التي تضم أموالي فيها نسبة 40 % ذهباً، وذلك لأنه بالنظر إلى فترة استثمار طويلة، لأنه صاعد على مدار 10 و20 سنة”، لاسيما خلال فترة التوترات الجيوسياسية الحالية المتوقع استمرارها لمدة 10 سنوات مقبلة.
أسواق المال
سعر الذهب يصعد مع زيادة الطلب بفعل التوتر في الشرق الأوسط
وأضاف ليمند في مقابلة مع ” Business”، أنه في حال كانت المحفظة 60 % منها سندات، و40 % أسهماً، فعند استبدال السندات بالذهب سيسجل الذهب الأداء نفسه وبتذبذب أقل.
وتوقع ليمند وصول الذهب إلى مستوى 2500 دولار للأونصة، رغم عمليات جني أرباح وهبوط متوقع، مشيراً إلى أن جميع البنوك المركزية ومنها الصين والهند تشتري بكميات قياسية منذ 2022 حتى 2024.
وبالمثل، توقع كبير محللي الأسواق في XTB هاني أبو عاقلة، وصول أسعار الذهب إلى مستويات قرب 2500 دولار للأونصة مدعوماً بالتوترات الجيوسياسية.
وأضاف أبو عاقلة أن ارتفاع الذهب لا يأتي مدفوعاً بتوقعات تخفيض الفائدة فحسب، لكنه نتيجة العلاوة الجيوسياسية مع مشتريات قوية من البنوك المركزية، حيث سجل المركزي الصيني صافي شراء لمدة 17 شهراً متتالياً، وسجل إجمالي مشتريات البنوك المركزية صافي شراء للذهب، وتحول البنك المركزي التركي من البيع إلى الشراء، وهو ما يدلل على وجود طلب قوي على الذهب.
وسط تباين مع الآراء السابقة، توقع رئيس شركة تارجت للاستثمار، نور الدين محمد، ارتفاع أسعار الذهب خلال الأسبوع الجاري، ولكن إذا ظلت الأمور هادئة ولم يحدث مزيد من التطورات على الصعيد الجيوسياسي، فإن الأسعار ستتجه إلى التراجع وهو الأمر الأرجح.
وأضاف أن الأسوق تعيش حالياً دورة فائقة على أسعار السلع ويقودها الذهب، بعدما وصل إلى 2431 دولاراً للأونصة يوم الجمعة الماضي، موضحاً أن مستهدف 2700 دولار للأونصة من قبل غولدمان ساكس بنهاية العام الجاري ليس بعيداً عن المستويات القائمة، لكنه يرى أن هذا إفراط في التفاؤل بشأن أسعار الذهب.
وقال: إن مستوى 2700 دولار للأونصة قد يتحقق خلال شهرين حال تصاعد التوتر في المنطقة، متوقعاً أن يكون الذهب عند مستوى 2150 دولاراً للأونصة عند نهاية العام ويمكن أن يهبط إلى 1950 دولاراً أو أقل.
كان بنك غولدمان ساكس قد رفع توقعاته لأسعار الذهب نهاية العام الجاري إلى 2700 دولار للأونصة، فيما كان قد توقع سابقاً وصولها إلى 2300 دولار للأونصة.
بعد وصولها إلى مستويات قياسية.. من وراء ارتفاع أسعار الذهب “المفاجئ”؟
وتتوقع أبحاث “غولدمان ساكس”، أن الأسعار قد ترتفع أكثر، مدفوعة جزئياً بتوقعات تخفيضات أسعار الفائدة من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي.
تشرين