يبدي الكثير من المواطنين تساؤلات كثيرة حول الدور الحقيقي الذي يؤديه سعر الصرف تسعير المواد في السوق، فأحيانا يشاهدون غلاء مواد معينة بفعل ارتفاع سعر الصرف، وأحيانا كثيرة ترتفع أسعار الكثير من السلع دون أن يكون هناك تغير ملحوظ في سعر الصرف، الأمر الذي يطرح بدوره تساؤلات عدة حول الناظم الحقيقي لأسعار المواد وواقع السوق السورية بشكل عام.
الخبير الاقتصادي عبد الرزاق حبزة أكد لـ “البعث” أن التحويلات المالية الكبيرة التي وصلت خلال موسم العيد بالعملة الصعبة، سواء أكان ذلك بالسعر النظامي عن طريق محلات الصرافة المرخّصة أم بالسعر الموازي في السوق السوداء بطرق خاصة غير مرخصة عن طريق أشخاص معينين، وذلك بسبب الفرق في سعر الصرف بين الجهتين، أدّت إلى ارتفاع ملحوظ في المعروض من العملة الصعبة، فصار هناك طلب على الليرة السورية من أجل تسليم الحوالات، الأمر الذي أدّى إلى ارتفاع سعرها، ورغم أنه لم يكن هناك تحسّن فعلي في سعر الصرف، إلا أن الحاجة إلى الصرف في العيد أدّت إلى زيادة الطلب على العملة السورية، الأمر الذي أدّى بدوره إلى انخفاض سعر الدولار.
وبعد انتهاء العيد – والحديث لـ”حبزة” – لم تعُد هناك حاجة للمعروض الكبير من العملة السورية، الأمر الذي أدّى إلى ارتفاع سعر الدولار مقابل الليرة مجدّداً، بعد زيادة كمية العملة السورية في السوق، لأن ذلك تابع طبعاً للعرض والطلب، الأمر الذي أدّى إلى زيادة في أسعار المواد، مع أننا لم نلمس فعلياً انخفاض سعر الصرف على أسعار المواد قبل العيد، بل بقيت محافظة على سعرها العالي، لأن هناك طلباً على السلع وحركة شراء قوية، وبالتالي لم ينعكس ذلك على أسعارها إيجابياً، وما يحدث الآن أن ارتفاع سعر الصرف يؤدّي إلى زيادة في أسعار السلع، حيث قامت أغلب شركات تعبئة المواد الغذائية بزيادة أسعارها، مثل الزيت والبن والشاي، متسائلاً لماذا لم يقم التاجر بخفض الأسعار عند انخفاض سعر الصرف، وهذا ما يشير، حسب حبزة، إلى عدم وجود قانون اقتصادي يحكم واقع السوق، فاقتصادنا يختلف عن اقتصاد العالم بكونه اقتصاداً مغلقاً، لا يخضع لقوانين اقتصادية عالمية، وعملنا الاقتصادي آنيّ يتذبذب مع تذبذب سعر الصرف، فإذا ارتفع سعر الصرف قام التاجر برفع أسعار المواد، وإذا انخفض ترك السعر مرتفعاً بحجّة أنه اشترى المواد بسعر مرتفع، فالحجة دائماً موجودة لدى التاجر، وهذا ما يؤكّد وجود خلل كبير في الواقع الاقتصادي.
وأشار حبزة إلى أن موضوع الخدمات أيضاً يتأثر بارتفاع سعر الصرف، حيث يتم تسعير الخدمة بما يقابل قيمتها بالدولار دون جدال، والأطباء أيضاً يقيسون خدماتهم للمرضى بالدولار، وهذا ينسحب على كل شيء موجود في الأسواق، مؤكداً أن هذه ظاهرة سلبية في حياتنا.
ويبدو بشكل واضح من حديث الخبير أعلاه أن السوق السورية خارجة عن قواعد الاقتصاد العالمية تماماً، وأنها تسبح في فضاء مختلف عنها، لأن التاجر للأسف هو الذي يخلق الأسباب الموجبة لرفع الأسعار، وهو ذاته الذي يقرّر خفض الأسعار متى شاء، وهو باختصار من يتحكم في كل شيء وبسعر الصرف، وبالتالي حتى سوق الصرف الموازية “السوق السوداء” ستكون بالمحصّلة من صناعة التاجر، وهو الذي يقرّر متى يرتفع سعر الصرف ومتى ينخفض، مستغلاً العجز الحكومي الواضح عن السيطرة على هذه الظاهرة.