خبر ثم بيان ثم صمت فتح الباب على عشرات الأسئلة، حيث كشفت الحكومة بعد أشهر من المواربة عن أولى خطواتها في التحوّل للدعم النقدي، لكنها قدّمت “من الجمل أذنه” كما يُقال، فكل الوقت والدراسة والاجتماعات طيلة الأشهر الماضية لم يأتِ سوى ببيان مطول يكاد يخلو من المعلومات التي تهمّ المتابعين، واكتفى مجلس الوزراء بدعوة أصحاب البطاقات الإلكترونية لفتح حسابات مصرفية تمهيداً لتحويل مبالغ الدعم إليها.
بيان الحكومة، الذي يفترض أنه إيضاحي، لم يجب على أي من البديهيات التي سارع المواطنون للسؤال عنها، مستبقين الصحافة التي قوبلت بدورها بأبواب مغلقة، إذ لم نحصل من الجهات المختصة بهذا الملف سوى على التريث ريثما تكتمل الصورة! بينما نغّص فقر المعلومات والإيضاحات حالة الإيجابية المرافقة لهذا التوجّه، الذي سبق ودعا إليه الكثيرون من خبراء ومختصين ومتابعين.
عضو لجنة الموازنة والحسابات في مجلس الشعب، زهير تيناوي، أكد أن الموضوع لم يعرض على مجلس الشعب قبل إصدار القرار، رغم أن التحول للدعم النقدي هو مطلب تكرّر منذ فترة طويلة، فمنذ أكثر من سنتين هناك أصوات تدعو لاستبدال الدعم السلعي بالمادي، مضيفاً: “فوجئنا بقرار المجلس بفتح حسابات دون وضع أسس وضوابط، أو معرفة الآلية بشكل واضح”.
ورأى تيناوي أن الدعم النقدي يعالج الفساد في آلية الدعم الحالية إلى حدّ كبير، لأنه سيصل إلى حساب المستحق بشكل شخصي، وسيحدّد تماماً المستحقين الحقيقيين لهذا الدعم، وننتهي من حلقة الفساد الموجودة، وذلك إن طبق وفق أسس وضوابط واضحة، فتحديد المستهدفين يحتاج دراسة، وكذلك تحديد قيمة هذا الدعم، فهل ستضاف شرائح جديدة أم تخفض نسبة المستفيدين؟.
وبيّن تيناوي أنه يوجد حالياً نوع من الفوضى والفساد الذي يطال المواد المدعومة، وبشكل خاص مادة الخبز والمواد الاستهلاكية، والتي يتمّ بيعها بأسواق مختلفة وأسعار مختلفة، وحجبها عن مستحقيها، موضحاً أن دعوة جميع أصحاب البطاقات لفتح حسابات تعني أن كلّ من يحصل على الدعم من خلال البطاقة سيحصل عليه مادياً، بينما في الواقع يجب إعادة النظر بمستحقي الدعم، فمنهم من تطوّرت حالته المادية أو العكس.
وحول تحديد قيمة هذا الدعم، أوضح تيناوي أنها مرهونة بالمبالغ المخصّصة بالموازنة لدعم المواد الاستهلاكية، آملاً أن توازي القيمة ارتفاع سعر أية مادة مدعومة، وألا يكون مجرد دعم رمزي، فارتفاع أسعار المواد المدعومة يجب أن يراقب ويتمّ المحافظة على الفارق.
وفيما حاولنا استيضاح جاهزية البنية المصرفية عبر تواصلنا مع بعض المصارف، جاء ردّ أحد مدراء المصارف العامة: “ما بعرف لسا ما شفت القرار”!، بينما أوضحت وزارة المالية أن أصحاب الحسابات أو الرواتب الموطنة ليسوا بحاجة لفتح حسابات جديدة.
بدوره عميد كلية الاقتصاد الدكتور حسين دحدوح اعتبر أن آلية الدعم النقدي أكثر جدوى من الآلية الحالية، وتمّ طرحها منذ مدة بأكثر من مناسبة، غير أن التوجّه لها يحتاج ضبطاً في البداية، لأن الكثيرين ممن يحملون بطاقة ذكية ليسوا بحاجة لها، مقابل فئة أخرى رُفع الدعم عنها لأسباب غير منطقية، أو أن ما يحصلون عليه من دعم غير كافٍ، كما يوجد كثيرون خارج البلد ومعهم بطاقات ذكية يستفيد منها أطراف أخرى، فهناك خلل بالبطاقات بحدّ ذاتها، لذلك يجب إعادة النظر بالبطاقات الممنوحة والفئات المستهدفة، وذلك عبر دراسات دقيقة، فمثلاً كلّ موظفي القطاع العام يحتاجون هذا الدعم.
وتساءل دحدوح: هل الأسعار الحالية للدعم دقيقة؟ فمن يتابع التصريحات التي تقول، رقم مختلف في كل مرة، يجد أنها لا تتسم بالدقة، إذ يقولون تارة ربطة الخبز تكلف 4000 ليرة، وتارة أخرى 5000 ليرة، وأرقام دعم المحروقات كذلك تواجه الفوضى ذاتها، لذلك يجب أن يكون هناك دراسة حقيقية لتكلفة كل سلعة مدعومة، لأن التكلفة المعلنة حالياً تحمل تكاليف الفساد إضافة لتكاليف السلع، معتبراً أن الدعم النقدي كفيل بالحدّ من الفساد بحدود 90%.
ومن الناحية المصرفية توقع دحدوح أن هذا التوجّه سيشكل عبئاً كبيراً على المصارف، فلا يوجد بنية تحتية كافية لفتح حسابات بهذا العدد الكبير أو لتسليم البدل النقدي للدعم لاحقاً، وبيئة العمل المصرفي غير متطورة وغير جاهزة، حيث يواجه طلاب التعليم الموازي اليوم أزمة حقيقية بدفع الأقساط، ومنهم من ينتظر 3 أيام على أبواب المصرف العقاري لتسديد أقساطه!!