المشاريع الصغيرة والمتوسطة في كل دول العالم كانت الأساس لبناء اقتصادات هامة وقوية، كونها تتمتع بسهولة التأسيس نظراً لعدم حاجتها إلى رأسمال كبير وقدرتها على توليد فرص عمل، لذلك عملت الحكومة على جعلها في سلم أولوياتها واليوم بعد محاولات إزالة معوقات تأسيس تلك المشاريع لجهة التمويل، وضمانة وتسهيل وتبسيط الإجراءات عند الترخيص.
مدت السوق بالسلع
الباحثة الاقتصادية الدكتورة رشا سيروب وفي حديث خاص لـ”الثورة” قالت: لطالما كانت المشروعات الصغيرة والمتوسطة حجر الأساس للاقتصاد المحلي قبل الحرب العدوانية على بلدنا، وتعزّزَ دورها خلال سنوات الحرب التي كشفت حقيقة مفادها أن من أسباب “صمود الاقتصاد المحلي” هو هذه المشروعات، وهي استطاعت مد السوق بالعديد من السلع بأسعار مقبولة نسبياً مقارنة بمنتجات المنشآت الكبرى، واستطاعت تشغيل يد عاملة أكبر في الوقت الذي لجأت الشركات والمعامل الكبرى إلى تقليص حجم عمالتها وعدم مواكبة أجور موظفيها مع تغيرات مستوى المعيشة.
110% لمصلحة الاستهلاك
وتابعت: إنه نتج عن الحرب، العديد من الاختلالات البنيوية التي أصبحت متجذرة في الهيكل الاقتصادي، وشكل الاستهلاك أكثر من 110% من الناتج المحلي الإجمالي، اعتمد على تلبية الطلب المحلي من خلال الاستيراد الذي استنزف ما يقارب 50% من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي الذي انعكس على تراجع سعر الصرف وارتفاع معدلات التضخم، وبلغت معدلات البطالة قيماً مرتفعة كان أشدها لدى الشريحة العمرية (20-24) عاماً التي وصلت إلى ما يقارب 60% وهو ما ساهم في زيادة ظاهرة هجرة الكفاءات والشباب.
هذه الاختلالات الاقتصادية- بحسب سيروب- لديها عامل مشترك وهو تراجع الإنتاج، لذا يجب على السياسة الاقتصادية في المرحلة المقبلة أن تحوّل جلّ اهتمامها إلى زيادة المعروض من السلع والخدمات المنتجة محلياً وزيادة الإنتاجية، وأمام التحديات التي تعاني منها الموازنة العامة للدولة وعدم قدرة رأس المال الكبير على سد العجز في فجوة الإنتاج (الفرق بين احتياجات السوق المحلي والإنتاج الفعلي)، وفي ظل العقوبات الدولية والتقييد على حركة الأموال الدولية إلى داخل سورية، فإن الاقتصاد السوري بحاجة ماسّة إلى مساهمة كل منتِج وكل منشئ لفرص العمل، وهنا تكمن أهمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وبشكل أكثر تحديداً “المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر”، وهذا ما يدفع إلى رفع شعار المرحلة المقبلة “دعه ينتج… دعه يمر”.
وأضافت : إن لها دوراً مؤثراً من الناحية الاقتصادية، فهي تسهم في تحسين سبل عيش الناس من خلال الدخل الناشئ عن توليد فرص العمل وتوفير السلع والخدمات الضرورية مثل الغذاء والتعليم والنقل والصحة، والتالي المساهمة في تعزيز قدرة السكان المحليين على الصمود والتعافي، ومن ناحية أخرى، تستطيع هذه المشروعات أن تلعب دوراً إيجابياً من خلال المساهمات غير الاقتصادية، حيث تؤدي زيادة فرص العمل والتبادل التجاري إلى توليد تأثيرات خارجية اجتماعية إيجابية، مما يزيد من مستوى الثقة في المجتمع، وبالتالي المساهمة في أسس الاستقرار الاجتماعي وتعزيز التماسك المجتمعي.
وحول تجاوز الصعوبات التي تعترض عمل المشروعات الصغيرة والمتوسط، تقول سيروب: رغم ما حققته المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر من دور إيجابي في الاقتصاد خلال سنوات الحرب وما قبلها، لكن كان بالإمكان أن تحقق نتائج أفضل ضمن اعتبارات وشروط معينة، لذلك وخلافاً للمفهوم التقليدي السائد حول “دعه يعمل.. دعه يمر”، يجب أن تكون الحوافز والتسهيلات المقدمة لهذه المشروعات مشروطة بالقيمة الاجتماعية أي بما يمكن أن تسهم به هذه المشروعات في حل المشكلات الاجتماعية (مثل الفقر والهجرة)، وتوفير الاحتياجات المحلية للسكان من السلع والخدمات، وقدرتها على المساهمة في تعزيز التنمية.
ووفقاً لرؤية الخبيرة الاقتصادية، إن تنامي هذه الأعمال بشكل عشوائي قائم على تحقيق المصلحة الذاتية لصاحب المشروع، تحقيق الدخل أو تعظيم الربح، بعيداً عن أولويات التنمية والأهداف الاجتماعية ذات الأولوية في المرحلة المقبلة سيفقد الاقتصاد الكثير من المزايا، بل وقد عرّضه في مواقع أخرى إلى نكسات.
ونوهت بأنه بناء على ما سبق، في حالة تبني الحكومة القادمة استراتيجية النمو المدفوع بالإنتاجية القائمة على المشروعات الصغيرة والمتوسطة، فإن ذلك يتطلب بداية الفصل بين المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر عن المشروعات المتوسطة والكبيرة من حيث الإجراءات الإدارية، وشروط الترخيص والتسهيلات وطرق ووسائل التمويل والمؤسسات الإشرافية عليها.