شهدت البلاد على مدار الحرب في أعوامها هجرة كبيرة للعقول والخبرات السورية باتت نتائجها ترمي بثقل ظلها على الكثير من المجالات الاقتصادية والخدمية ربما يأتي على رأسها القطاع الصحي الذي عانى استنزاف خيرة خبراته أمام أبواب الإغراءات الغربية التي فُتحت أمام تميزهم وإبداعهم.
الدكتور في كلية الاقتصاد جامعة دمشق إبراهيم العدي رأى أن الحكومة السورية تعلّم أبناءها ثمّ تُصدّرهم إلى الخارج، وأشار إلى أن المشكلة الأكبر اليوم أننا نعلم الأطباء والمهندسين والخبرات الشبابية السورية ونقدمهم للسوق الأوروبية جاهزين.
وحمّل العدي مسؤولية ذلك على إخفاق السياسات الحكومية، واعتمادها سياسة تطفيش الخبرات والكفاءات الشبابية، وقال: الدول الأوروبية ترمم الهرم الديموغرافي لديها بالاعتماد على الخبرات السورية، ونتيجة ذلك تشوه الهرم الديموغرافي لدينا.
ووصف العدي العلم والخبرة البشرية بالسلعة التي تحتاج إلى سوق، وقال: ليس لدينا سوق عمل يحتضن خبراتنا والسبب عدم وجود فريق اقتصادي يضع خططاً واضحة لاستثمار هذه النخبة، واصفاً سوق العمل بأنها مرتبطة بالاقتصاد ولأن الاقتصاد السوري اليوم «اقتصاد ريعي» هو لا يحتاج إلى خبرات وكوادر بشرية مؤهلة، وهذا ما يدفع خبراتنا السورية للبحث عن مكان آخر يحتضنها، ويقدم لها دخلاً ومستقبلاً أفضل.
ورأى العدي أن أغلب الطلاب الذين يهاجرون اليوم لن تعود إلى البلد، وبعض الشباب السوري يمتهنون في دول عربية أعمالاً دون المستوى بحثاً عن دخل أفضل يلبي متطلباتهم الحياتية.
من جهته قال الدكتور في كلية الاقتصاد جامعة حماة عبد الرحمن شعبان: إن الدول الأوروبية استقبلت ما يزيد على 5 ملايين طالب سوري خلال الحرب، عبر تكلفها ضمان الحد الأدنى للحياة الكريمة للكفاءات والخبرات السورية، إلى جانب تقديم ضمان صحي كامل، ومساعدة مالية تتناسب ومقاييس هذه الدول؛ إلى جانب تمتع هذه الخبرات بعد حصولها على الإقامة بكل حقوق المواطن الأوروبي.
ورأى أن تلك المزايا التي قدمتها الدول الأوروبية تعود لأسباب اقتصادية بحتة، ولأن مصلحتها القومية الاقتصادية باستقطاب هذه العقول واستثمارها، وبالأخص ألمانيا باعتبارها أكثر الدول حماساً باستقبال أكبر عدد من المتميزين السوريين؛ لتجديد دمائها، ولحاجتها لليد العاملة الشابة السورية المدربة والخبيرة؛ مستشهداً بالإحصائية التي تؤكد تدني مستويات النمو السكاني في أوروبا الغربية عموماً، وارتفاع نسبة الأوروبيين ممن هم في سن التقاعد أو الشيخوخة، مضيفاً: وبالتالي حصلت أوروبا على خبرات شابة مدربة كفؤة على طبق من ذهب بعد أن كلفت اقتصادياً الكثير، ونشّطت استثماراتها وأسواقها وإنتاجها.
ولفت إلى أن استمرار حركة الهجرة وخاصة للكفاءات وبشكل يومي، وهذا بحد ذاته يشكل نزيفاً، يؤدي إلى تردي العلوم والصناعة في سورية له منعكسات خطيرة على سوق العمل محلياً والذي كان يتمتع بعنصر عمل مدّرب وفتي وكفؤ، بدأ يتحول إلى سوق عمل مترهل.
وقال: من الملاحظ اليوم غياب الكفاءات العلمية الحقيقية عن هذه السوق في المجالات كافة تقريباً، ناهيك عن تراجع كبير في عدد العمالة الذكورية بسبب الهجرة ودليل ذلك أن أغلبية العنصر البشري من القوة العاملة في أسواقنا من الإناث، معتبراً أنه لابد من إجراءات صحيحة تسهم بعودة الخبرات العلمية والشباب الكفوئين المهاجرين، وتقديم الحلول اللازمة للمحافظة على القوة البشرية المتبقية من الهجرة.