يوماً بعد يوم تتحول الزراعات الاستوائية إلى أمر واقع في العديد من المساحات الزراعية، وتشكل تحدياً كبيراً باعتبارها تتطلب ظروفاً مناخية ونظماً بيئية مختلفة عن الزراعات المحلية، ما جعل التربة والمياه في خطر إذا لم يكن التشجيع على زراعتها مدروساً بشكل جيد، رغم إن إدخال الزراعات الاستوائية في الزراعة السورية لها إيجابيات كونها ذات قيمة اقتصادية عالية.
آثار سلبية
الباحث في الاقتصاد الزراعي الدكتور مجد نعامة حذر من أن استبدال الزراعات المحلية بالزراعات الاستوائية بشكل متسرع وغير مدروس قد ينتج عنه العديد من الآثار السلبية، حيث قد يؤدي ذلك إلى تغيير جذري في النظم الإيكولوجية والتنوع البيولوجي في المناطق المعنية، ما يسبب اختلالات بيئية خطيرة، فالزراعات الاستوائية تتطلب ظروفاً مناخية ونظماً بيئية مختلفة عن الزراعات المحلية، وإحلالها من دون دراسة يسبب انهيار التوازن البيئي المستقر، كما تؤدي زراعة محاصيل استوائية إلى تدهور التربة على المدى الطويل إذا لم تتم إدارتها بشكل مستدام، إضافة إلى أن ارتفاع الاحتياجات المائية والمواد الغذائية لهذه المحاصيل يؤثر سلباً في خصوبة التربة إذا لم يتم تعويضها، لذلك، يجب إتباع ممارسات زراعية مستدامة كالتناوب الزراعي وإضافة المواد العضوية للحفاظ على صحة التربة.
تؤدي زراعة محاصيل استوائية إلى تدهور التربة على المدى الطويل إذا لم تتم إدارتها بشكل مستدام
تأثر السيادة الغذائية
كما لفت نعامة في حديثه لـ( تشرين) إلى أن السيادة الغذائية والأمن الغذائي للسكان المحليين قد تتأثر بشكل سلبي، فاستبدال المحاصيل الأساسية بمحاصيل استوائية يجعل المجتمعات المحلية أكثر اعتماداً على الواردات الغذائية، ما يهدد قدرتهم على الحصول على الغذاء بشكل كاف وبأسعار معقولة، إضافة الى أن ذلك يتسبب في تفكك النسيج الاجتماعي والثقافي للمجتمعات الزراعية التقليدية، فالزراعات الاستوائية عادةً ما تتطلب تقنيات وممارسات جديدة قد لا تتوافق مع المعارف والخبرات المحلية، ما قد يؤدي إلى تهميش المزارعين التقليديين وفقدان الهوية الثقافية، وتترتب على ذلك تبعات اقتصادية سلبية، مثل ارتفاع تكاليف الإنتاج والاستثمارات اللازمة لتطوير البنية التحتية، وعدم قدرة المزارعين المحليين على المنافسة، وزيادة الاعتماد على السوق العالمية.
فالزراعات الاستوائية عادةً ما تتطلب تقنيات وممارسات جديدة قد لا تتوافق مع المعارف والخبرات المحلية ما قد يؤدي إلى تهميش المزارعين التقليديين وفقدان الهوية الثقافية
بناءً على ذلك، يجب الحذر الشديد عند النظر في فكرة استبدال الزراعات المحلية بالاستوائية كما يؤكد نعامة، والتأكد من إجراء دراسات شاملة وتخطيط مدروس لتجنب هذه الآثار السلبية المحتملة.
تنويع المنتجات
ولفت نعامة إلى أن الأسباب وراء إدخال الزراعات الاستوائية قد تكون محاولة تنويع المنتجات الزراعية في سورية وتقليل الاعتماد على المحاصيل التقليدية، وأيضاً الاستفادة من المناخ الدافئ في بعض المناطق لزراعة محاصيل استوائية ذات قيمة اقتصادية عالية، وتعزيز الأمن الغذائي والاعتماد على إنتاج محلي متنوع، إضافة الى الجدوى الاقتصادية، حيث إن هناك إمكانات اقتصادية كبيرة في زراعة محاصيل استوائية كالموز والأناناس والمانجو إذا تم الاستثمار بشكل جيد، وهذه المحاصيل ذات قيمة سوقية عالية وإمكانات تصديرية كبيرة، ومع ذلك تتطلب هذه الزراعات استثمارات كبيرة في البنية التحتية والري والحماية من الآفات.
وحول الآثار المستقبلية على الاقتصاد بين نعامة أنه إذا تمت زراعة هذه المحاصيل الاستوائية بشكل مستدام، فإنها قد تساهم في تعزيز الاقتصاد الزراعي السوري على المدى البعيد، ولكن سيتطلب ذلك استثمارات كبيرة في البنية التحتية والبحث العلمي والتدريب المتخصص.
إمكانات واعدة
بشكل عام، إدخال الزراعات الاستوائية في سورية له إمكانات اقتصادية واعدة، ولكن يجب الحذر من تأثيراتها على التربة على المدى الطويل والتخطيط لإدارتها بشكل مستدام. واقترح نعامة أن إجراء دراسات جدوى شاملة، عن طريق تقييم الظروف المناخية والتربوية والمائية في المناطق المستهدفة لزراعة المحاصيل الاستوائية، ودراسة الجدوى الاقتصادية والاجتماعية، بما في ذلك الطلب والأسواق المحتملة، وتحليل التأثيرات البيئية والاجتماعية المحتملة على النظم الإيكولوجية والمجتمعات المحلية، والتخطيط التدريجي والمتوازن، عن طريق إدخال المحاصيل الاستوائية تدريجياً وبكميات محدودة، بدلاً من الاستبدال الكامل للزراعات المحلية، والتوازن بين الزراعات الاستوائية والمحاصيل الأساسية التقليدية لضمان الأمن الغذائي المحلي، وتقييم النتائج والتكيف التدريجي للنظام الزراعي الجديد، مع العمل على تطوير البنية التحتية والخدمات الداعمة، عن طريق الاستثمار في نظم الري والتخزين والنقل المناسبة للزراعات الاستوائية، وتوفير البرامج الإرشادية والتدريبية للمزارعين لبناء مهاراتهم في هذه الزراعات الجديدة،
وتعزيز التسويق والربط بالأسواق المحلية والدولية.
تنويع الإنتاج الزراعي
وأوضح نعامة أنه يتم ضمان الأمن الغذائي والسيادة الغذائية، عن طريق الحفاظ على إنتاج المحاصيل الأساسية والتقليدية بما يكفي لتلبية الاحتياجات الغذائية المحلية، وتشجيع تنويع الإنتاج الزراعي بما في ذلك المحاصيل الاستوائية والتقليدية، وضمان توفر الغذاء الكافي وبأسعار معقولة للسكان المحليين، وإشراك المجتمعات المحلية والحفاظ على الهوية الثقافية عبر إشراك المجتمعات المحلية في عملية التخطيط والتنفيذ لضمان تقبلهم للتغييرات، والحفاظ على الممارسات والتقاليد الزراعية المحلية، ودراسة الآثار الاجتماعية والثقافية المحتملة واتخاذ التدابير التخفيفية.