الزراعة تودع جيلها الذهبي.. أرض الأجداد تتحول إلى “بور” بتزايد هجرة الشباب للعمل في المدينة!

ارتفعت وتيرة هجرة الشباب من الريف إلى المدن، خلال فترة الحرب، ما يستدعي دقّ ناقوس الخطر بغية التفات الجهات المعنية إلى الشقّ الزراعي وإيلائه كلّ الاهتمام للحدّ من هذه الهجرة، وإحياء الأرض بعد أن تحوّل معظمها إلى أراضٍ “بور”، لأسباب لا تخفى على أحد، أبرزها ضعف الدعم لمستلزمات الإنتاج، بدءاً من حراثة الأرض وصولاً إلى الإنتاج وتسويقه، وهي سلسلة مليئة بالمعاناة أجبرت عشرات الفلاحين على هجر أرضهم، وهذا ما ساهم بدوره في زيادة هجرة الأيدي العاملة الشابة، الأمر الذي يهدّد بانحسار المساحات المزروعة التي أفنى الأجداد حياتهم في الحفاظ عليها، والسؤال هنا: كيف نوقف هذا النزيف الحاد؟!.

هجرة كبيرة!

استشاري التدريب والتطوير عبد الرحمن تيشوري أشار إلى وجود هجرة كبيرة من الشباب في الريف إلى المدينة، وأغلبهم من الذين تمرّسوا في العمل الزراعي، وألقى تيشوري باللوم على الجهات التنفيذية المعنية بشؤون الزراعة، إذ كان الأجدى بها أن تدعم الزراعة باعتبار أن سورية بلد زراعي، وتعمل على توطين اليد العاملة من الشباب وتوفير كلّ مستلزماتهم، داعياً إلى ضرورة التوسّع الرأسي بزراعة الأشجار المثمرة في الريف، وبيع الأسمدة للفلاحين نقداً بدون وثائق، وتسهيل القروض الزراعية طويلة الأجل والمتوسطة بفوائد لا تزيد عن 2-3 بالمائة، ضارباً مثالاً ما تقوم به أوروبا وأمريكا من دعم الإنتاج والفلاحين، مشدداً على أهمية إدخال زراعات جديدة مثل فول الصويا واستزراع الأسماك وتشجيع زراعة النباتات الطبية باعتبارها مصدر إيراد مهماً، وتشجيع التربية المكثّفة للأبقار وعجول التسمين، ورسم خارطة حراجية بالتصوير الجوي لسورية، ومحاكاة تجارب بعض الدول كما تفعل الآن السعودية عبر محاولتها زرع مليار شجرة، لتلطيف الجو خلال عامين أو ثلاثة، كما أكّد ضرورة إقامة معامل في محاولة لمنع إتلاف الفائض من الخضار والفواكه في أسواق الهال كما يحصل اليوم، مشيراً إلى إمكانية إنتاج البذور والشتول محلياً عوضاً عن شرائها بملايين الدولارات، وتربية الأغنام والماعز والدواجن ودعم مربّيها.

قرى تنموية

في وزارة الزراعة يقولون إن لديهم إجراءات عديدة لتثبيت الفلاحين في أراضيهم، ودعم اليد العاملة الشابة، وفق ما ذكر الدكتور فايز المقداد، معاون الوزير، ويأتي في مقدمتها: برنامج القرى التنموية الذي يقوم على الاستخدام الأمثل والمستدام للموارد الطبيعية والبشرية، من خلال تدريب وتأهيل المزارعين ليكونوا قادرين على إدارة عملية التنمية بأنفسهم، مشيراً إلى إطلاق مبادرة 100 قرية تنموية على مدار 5 سنوات، 22 قرية منها خلال العام الحالي، بالإضافة إلى العمل على برنامج دعم المنتج الريفي وتطويره من خلال إطلاق نموذج متكامل في جميع المراحل (إنتاج، تصنيع، جودة، مواصفة، تعبئة، تغليف وترويج، تسعير، إعلان… الخ)، وتأسيس وحدات إنتاجية متعدّدة الأغراض للتصنيع الغذائي (مشاريع جماعية)، حيث توفّر الوزارة وحدة تصنيع غذائي لتكون بمثابة حاضنة لمشروع جماعي تستفيد منه أسر القرية الأكثر هشاشة، ويرافق ذلك تدريب فني ومالي وإداري للأسر، وتعمل الوحدات على مدار العام حسب المواسم الزراعية بالقرية، حيث بلغ عددها إلى الآن /33/ وحدة تصنيع، إضافة إلى تسويق منتجات الأسر الريفية (صالات بيع)، وهو استكمال لحلقات تصنيع المنتجات الزراعية بالوحدات التصنيعية لمنتجات الأسر الريفية، إذ تمّ ربط المخرجات بصالات بيع متخصّصة لتعود بالنهاية كفائدة نقدية مباشرة على الأسر المنتجة، تتوزع هذه الصالات على مستوى المناطق والمدن، وعددها حالياً /16/ صالة.

تحوّل إلى الري الحديث

كما تقوم الوزارة، وفق المقداد، بالتنسيق مع وزارة الموارد المائية لإعادة تأهيل السدود وشبكات الري والتوسّع بها، إضافة إلى التحوّل إلى الري الحديث لضمان الاستخدام الأمثل للموارد المائية وكفايتها للري الزراعي في ظل التغيّرات المناخية.

وقال المقداد: تمّ دعم أسعار السماد الموزّع للفلاحين من قبل المصرف الزراعي التعاوني بمبلغ 22 مليار ليرة من صندوق دعم الإنتاج الزراعي لتخفيض سعره خلال موسم 2023، واستبدال بساتين الحمضيات الهرمة بتقديم غراس بشكل مجاني، ودعم أسعار الشعير والذرة الصفراء المستلمة من الفلاحين، والسماح بالتوسّع بزراعة محصول القمح والاكتفاء بالكشف الحسيّ واستمراره على المحاصيل والخضار والأشجار المثمرة من قبل اللجان المكانية لمنح التنظيم الزراعي للفلاحين الذين لم يتمكّنوا من تأمين وثائق الملكية، ويعتبر هذا الكشف وثيقة للحصول على مستلزمات الإنتاج نقداً ومنح شهادات المنشأ للمحاصيل فقط، كما تعمل الوزارة -وفق المقداد- على تأمين مستلزمات الإنتاج الزراعي من خلال خطّة التنسيق والتكامل بين وزارات الزراعة والصناعة والتجارة الخارجية والداخلية والموارد المائية والصناعة والنفط المعتمدة وفق برنامج زمني محدّد، ومنها تشميل قروض شراء جرارات زراعية ضمن برنامج دعم أسعار الفائدة على القروض المنفّذة من قبل هيئة دعم وتنمية الإنتاج المحلي والصادرات لشراء الجرّارات والعزّاقات الزراعية الجديدة بكافة أحجامها وملحقاتها.

توطين مربي الثروة الحيوانية

أمّا في إطار التوجّه الحكومي لإعادة توطين واستقرار مربي الثروة الحيوانية (الأغنام) في التجمعات السكانية على امتداد البادية، فقد بيّن المقداد أن الهيئة العامة لإدارة وتنمية وحماية البادية تقوم ضمن خططها السنوية بإعادة تأهيل وتشغيل الآبار لتوفير مياه الشرب للثروة الحيوانية وتخفيف العبء عن المربّين، إضافة إلى تحسين حالة المراعي من خلال إنتاج الغراس والبذور الرعوية ونشرها وزراعتها، والعمل على إعادة تأهيل واستزراع بعض المحميّات الرعوية، لتأمين الأعلاف الخضراء لقطعان الماشية وتخفيف العبء المادي عن المربّين باستجرار الأعلاف على محدوديتها، وتشجيع المستثمرين على إقامة مجفّفات الذرة الصفراء من خلال تشميل هذه المشاريع بقانون الاستثمار رقم 18 واستثنائها من البلاغات ذات الصلة التي تمنع إقامتها خارج المدن الصناعية ضمن شروط ومحدّدات، والسماح باستثمار المداجن غير المرخّصة، الأمر الذي ساعد الكثير من المربين على تشغيل منشآتهم والعودة للإنتاج.

دعم المقنن العلفي

وتعمل الوزارة -حسب المقداد- على خفض كلف الإنتاج الباهظة من خلال دعم البذار المحسّن، والغراس المثمرة وبيعها بأسعار التكلفة، ورسوم الري على شبكات الري الحكومية التي لا تشكل أكثر من 5% من تكلفة التشغيل، وتقديم مبيدات المكافحة العامة والحيوية مجاناً، وتقديم خدمات استصلاح الأراضي بشكل مأجور وبأسعار مدعومة، وكذلك عمليات تحليل التربة ليتمكّن الفلاح من إضافة السماد حسب الحاجة دون هدر في الكمية وبالتالي زيادة في التكلفة، ودعم حوامل الطاقة من مازوت وكهرباء، ودعم المقنّن العلفي من خلال أسعار تقلّ عن السوق بنسب مختلفة حسب المادة وحالة العرض والطلب في السوق، وتقديم اللقاحات وحملات التحصين الوقائية والفحوصات البيطرية وخدماتها للثروة الحيوانية بشكل مجاني.

إعفاء من الضرائب

كما تقوم الوزارة بدعم أسعار المنتج النهائي لبعض السلع المهمّة التي ترى الدولة ضرورة دعمها لغرض تحقيق أهداف إستراتيجية كالأمن الغذائي أو غيره، وخاصة (القمح والقطن)، وزيادة غلّة المحاصيل بهدف خفض التكاليف وزيادة العائدية باستنباط أصناف عالية الإنتاجية والغلّة في وحدة المساحة التي تساهم في خفض تكلفة الإنتاج، والإعفاءات الكاملة للنشاط الزراعي من الضرائب، وتعويض صندوق التخفيف من آثار الجفاف والكوارث الطبيعية جزئياً على مزارعي المحاصيل والخضراوات والأشجار المثمرة والزراعات المحمية ومربي الثروة الحيوانية الذين تصاب مزروعاتهم أو حيواناتهم بأضرار جسيمة نتيجة الكوارث.

محفّزات وإعفاءات

وأشار المقداد إلى وجود الكثير من المحفّزات والإعفاءات والميّزات التفضيلية الممنوحة للاستثمارات الزراعية بموجب القوانين الصادرة في هذا الشأن، كالقانون 40 لعام 2023 حول الشركات الزراعية المشتركة، ومشاركة الدولة مع القطاع الخاص في هذه الاستثمارات، كما يوجد مزايا وحوافز تضمّنتها أحكام قانون الاستثمار /18/ لعام 2021، عبارة عن حوافز جمركية وحوافز ضريبية وحوافز غير ضريبية، والمعنيّ بالشق الزراعي هي الحوافز الضريبية وغير الضريبية.

مشاريع تنموية

وحول تنفيذ قانون الإدارة المحلية الذي أعطى للبلديات صلاحيات إطلاق مشاريع تنموية تعود بالدخل للبلدية وللمجتمع المحلي، والتعويل على هذا الأمر في دعم الفلاحين وتثبيت اليد العاملة الشابة، أوضحت الدكتورة آلاء الشيخ عضو المكتب التنفيذي بمحافظة ريف دمشق أن الوزارة عملت على تقديم الدعم اللازم من خلال تخصيص الوحدات الإدارية بالاعتمادات اللازمة للقيام بالمشاريع التنموية، وكان آخرها ما ورد في كتاب وزارة الإدارة المحلية بتاريخ 11/ 7/ 2024 حيث خصّصت مبلغ مليار و250 مليوناً لمصلحة الوحدات الإدارية: معضمية القلمون، الزبداني، حينة، العتيبة، القاسمية، الناصرية، وتنوعت المشاريع بين: مخبر تحاليل طبية بيطرية، تأهيل مطاعم، مشاريع تربية وتسمين خراف، إنشاء ملاعب ومشاريع كبس مخلّفات طبيعية تستخدم لتوليد الطاقة، إضافة إلى وجود عدد من المجالس التي نفّذت مشاريع تنموية من موازنتها الخاصة، كصالات الأفراح ومحلات تجارية وملاعب، وهي الحالة الطبيعية التي من المفترض أن تقوم بها الوحدات الإدارية لدعم موازناتها لتصل إلى مرحلة قادرة على القيام بمشاريعها دون طلب الإعانات من المحافظة أو الوزارة، وبالتالي يمكن أن يساهم ذلك في تثبيت اليد العاملة الشابة للعمل بالزراعة.

شارك