منذ تسعينيات القرن الماضي.. لا تزال “الحكومات المتعاقبة” تدرس خطط تسويق الحمضيات!

البعث: علي عبود

ومع أنه ما من حكومة سابقة إلا وأكدت مع بداية كلّ موسم أنها تدرس الخطط اللازمة لتصدير الحمضيات، وجزمت مراراً أنها وضعت الخطط الكفيلة بتصدير الفائض منها، فإننا سرعان ما نكتشف أن الكميات المصدّرة هزيلة مقارنة بحجم الإنتاج، وهذا التقصير يسبّب الخسائر للفلاحين عاماً بعد عام.

وقد سبق للجنة في مجلس الشعب أن وضعت في تقرير أقرّه المجلس في تسعينيات القرن الماضي قائمة توصيات تتيح في حال تبنّتها الحكومات المتعاقبة تصدير موسم الحمضيات دون أي إشكاليات، لكن التقرير مع التوصيات كان مصيره الإهمال ووضعه في أرشيف مجلس الوزراء!

الخطر القادم

والجديد في هذه القضية العصيّة على الحلّ خطر جداً، فهو يُهدّد زراعة الحمضيات، وقد يحولنا خلال السنوات القليلة القادمة إلى مستوردين لها كما حصل مع محاصيل أخرى كالقمح والعدس والذرة الصفراء.. إلخ.

ويتجسّد هذا الخطر بقيام عدد كبير من الفلاحين بقلع أشجار الحمضيات واستبدالها بزراعات استوائية وعطرية سريعة المردود والتصدير، ما أدّى إلى تراجع حجم إنتاج الحمضيات في الأعوام الأخيرة، والملفت أن هذا التحوّل لم يُقلق الحكومة، وتحديداً وزارة الزراعة.

السؤال المهمّ الآن: هل ستنجح الحكومة الجديدة بتذليل المعوقات وتقديم الدعم الكافي لتصدير موسم الحمضيات الذي انخفض إنتاجه كثيراً عن المواسم الماضية، وتزيل بالتالي أسباب تحوّل الفلاحين إلى الزراعات الاستوائية والعطرية؟

الصادرات هزيلة جداً، وإذا كان التنظيم الفلاحي وصف تسويق 100 ألف طن من حمضيات الموسم الماضي بالأمر الجيد، فهو مقارنة بحجم الفائض يعدّ هزيلاً جداً وبالكاد يصل إلى 11% من حجم الإنتاج، ولا يقارن بصادرات دول إنتاجها أقلّ من سورية، ولا يُمكن التعويل على الأمنيات بزيادة الصادرات في موسم 2025 دون تأمين المستلزمات التي تجعل حمضياتنا منافسة بأسعارها لمثيلاتها في أسواق روسيا والخليج والعراق، وبما أن “السورية للتجارة” بالكاد اشترت 5 آلاف طن من الفلاحين سوّقت منها ألف طن فقط للعراق كمقايضة من إجمالي خطتها التسويقية البالغة 20 ألف طن، فهذا يؤكد أنه ما من خطط حكومية ولا آليات فعّالة لتسويق الحمضيات، على الرغم من الاستنفار “الإعلامي” الذي لم يُترجم إلى قرارات وإعفاءات ودعم وتسهيلات، ولا التدخل المباشر مع الدول الصديقة لزيادة وارداتها من الحمضيات السورية أو لتسهيل دخول البرادات إليها دون عوائق أو رسوم عالية، أو إلزام التّجار السوريين بتصدير كميات محدّدة من الحمضيات مقابل التسهيلات الممنوحة لمستورداتهم.. إلخ.

تسويق الصناعة والسياحة

وعند الحديث عن تسويق الحمضيات، لا يمكن إغفال دور وزارات الاقتصاد والصناعة والسياحة، فمن الضروري مثلاً أن تمنع وزارة الاقتصاد خلال أشهر التسويق استيراد “أسانسات” الحمضيات لإرغام الشركات والمنشآت والمحال على استخدام العصير الطبيعي، كما أن استجرار وزارة الصناعة من الحمضيات لا يزال هزيلاً جداً وأقلّ من احتياجاتها، أما وزارة السياحة فبإمكانها أن تمارس دوراً مهماً بتسويق الحمضيات بإلزام كلّ المنشآت السياحية على اختلاف مسمياتها ودرجاتها أو تصنيفاتها بتقديم عصائر البرتقال الطبيعية لزبائنها، وأن تكون الحمضيات في مقدمة الفواكه على موائدها وقوائم زبائنها، ولا ننسى بطبيعة الحال دور السورية للتجارة، إذ يفترض بالحكومة أن تقدّم لها دعماً كي تبيع الحمضيات لزبائنها بسعر منافس للسوق وبما يناسب دخل غالبية العاملين بأجر؟

وعود بتلافي أيّ تقصير!

اللافت في الاجتماع الأخير للوزراء المعنيين بتسويق موسم الحمضيات (الاقتصاد والصناعة والتجارة الداخلية والزراعة.. إلخ) أنهم سيتلافون أيّ تقصير قد يحدث بتسويق الحمضيات للموسم 2024 – 2025 وبأن “يكون التسويق سواء خارجياً أم داخلياً مختلفاً عن المواسم السابقة”.. فهل سيلتزمون بوعدهم؟!

نظرياً، يجب أن تكون مهمّتهم سهلة جداً، ليس بفعل القرارات والإجراءات والتسهيلات والدعم (.. إلخ) الذي يجب أن يسبق عمليات التسويق فقط، وإنما أيضاً لأن إنتاج الحمضيات انخفض من 850 ألف طن الموسم الماضي إلى 650 ألف طن الموسم القادم أيّ أن الوزراء المعنيين مكلفون بتسهيل تصدير أقلّ من 350 ألفاً وليس 600 ألف طن كما كانت الحال في المواسم السابقة باعتبار أن السوق السورية كفيلة باستيعاب أكثر من 300 ألف طن.

حمضياتنا مرغوبة.. ولكن!!

وفي كلّ موسم نسمع إشادات بمواصفات الحمضيات السورية، وبأنها تفوق مثيلاتها المصرية والتركية والإيرانية؛ وهذا صحيح باعتراف الخبراء الأوربيين، ولكن التصريحات الرسمية التي تؤكد أن حمضياتنا مرغوبة جداً في الأسواق الخارجية وتحديداً العراقية والخليجية والروسية لا تكفي إن لم تدعم بقرارات تتيح لها الوصول إلى هذه الأسواق بأسعار منافسة دون أي عوائق، بدليل أن لجنة تجار ومصدّري الخضار والفواكه بدمشق غير متفائلة بتحسّن تسويق الحمضيات خلال الموسم القادم كما وعد المعنيون في الحكومة خلال الاجتماع الذي عقد مؤخراً، لأن هناك عوائق في كلّ موسم لتسويق الحمضيات، وأن كل عام هناك تراجع بالتسويق بدلاً من التقدم!

أبرز عوائق التصدير

لقد أكدت اللجنة مراراً خلال مواسم التسويق السابقة أن أبرز ما يعيق عملية التسويق هي أجور البرادات المرتفعة وعدم القدرة على منافسة دول الجوار، مثل لبنان وتركيا وإيران ومصر، لانخفاض أسعارها مقارنة بالحمضيات السورية، وكمثال فإن أجرة البراد من سورية إلى العراق بحدود 13 ألف دولار مقابل 3 آلاف دولار لأجرة البراد من إيران أو تركيا، والسؤال: لماذا هذا الفارق الكبير جداً بأجور البرادات بين سورية وغيرها من الدول؟ والسؤال الأهم: هل تعجز الحكومة عن تخفيض أجور برادات تصدير الحمضيات؟

عام استثنائي بقرار من؟

قد لا يختلف موسم حمضيات 2025 عن المواسم السابقة سوى بانخفاض الإنتاج سواء بفعل المناخ أم نقص المستلزمات أم التحول إلى زراعات أخرى، ومع ذلك يطالب الفلاحون وقبل أسابيع من بدء عمليات القطاف والتسويق بأن يكون عام 2025 استثنائياً بالتصدير الخارجي والتسويق الداخلي لينعش زراعة الحمضيات مجدداً وليعود حجم الإنتاج إلى أكثر من مليون طن في المواسم القادمة، والسؤال: هل استعدت الحكومة مع التّجار ليكون موسم الحمضيات الحالي وخلافاً للمواسم السابقة استثنائياً؟.

لجنة تصدير الخضار والفواكه غير متفائلة ما لم تحلّ الحكومة مشكلة أجور البرادات وتخفيض تكلفة صادرات الحمضيات لتنافس مثيلاتها، وبالتالي نسأل: هل ناقش الاجتماع الأخير للوزراء المعنيين تذليل صعوبات التصدير التي يحب أن تصدّر بقرارات لتنفيذها؟.

بالنسبة للفلاحين فهم يؤكدون على “ضرورة فتح باب التصدير منذ الأيام الأولى للتسويق وتصريف المنتج بشكل أكبر ما يسهم في تحسين السعر من جهة ومنع وجود فائض بالسوق المحلية من جهة أخرى”.

ويبقى السؤال: هل ستصدر الحكومة الجديدة القرارات اللازمة لتجعل من عام 2025 استثنائياً بتصدير الحمضيات إلى الأسواق الخارجية وتسويقها داخلياً بتدخل فعّال من الوزارات المعنية وتحديداً وزارات الاقتصاد والصناعة والتجارة والسياحة؟

شارك