أعوام ليست بالقليلة مضت على الصك التشريعي المتعلق بتعديل القانون الأساسي للعاملين في الدولة رقم /50/ لعام 2004، وتعاقبت حكومات، وعقدت اجتماعات ونقاشات وملتقيات ومنتديات في الفنادق الفخمة، وتم استقطاب حشود من الخبراء لإبداء الرأي، وصنف بعض المسؤولين هذا التعديل للقانون بـ”المهم للغاية”، لكن كل ما سبق لم يكن كافياً للخروج بقانون جديد يخدم العامل والقطاع العام، رغم استغراب كثيرين أسباب استغراق التعديل كل هذا الوقت مطلقين تحذيرات بأن ذلك يهدد بانهيار القطاع العام وعدم تحقيق العدالة الاجتماعية.
رحلة الألف ميل
في البداية كانت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل هي المعني الأول بتعديل القانون، لكن رئاسة مجلس الوزراء ارتأت فيما بعد أن تكون وزارة التنمية الإدارية هي الجهة التي تتولى التشريعات المتعلقة بالقطاع العام وأن تكون وزارة الشؤون رديفاً وداعماً للوصول إلى مسودة هذا القانون بما يتوافق مع الفكر المتقدم لمشروع الإصلاح الإداري الذي أطلقه السيد الرئيس بشار الأسد.
“واحد بأربعة “
قدمت وزارة التنمية الإدارية رؤيتها لتطوير الوظيفة العامة، وتحديث القوانين الناظمة عبر الاستعاضة عن قانون العاملين الأساسي بأربعةِ قوانين: قانون الخدمة العامة الذي يحدد نوع الوظيفة العامة، ويتضمن: نظام المراتب الوظيفية والقواعد العامة في القطاع الإداري، ومبادئ وأسس أنظمة العمل والعاملين بالقطاع الاقتصادي، إضافة إلى تحديث سلالم الأجور والحوافز والتعويضات، وقانون إدارة الموارد البشرية من التعيين إلى التقاعد، وحقوق وواجبات العاملين الوظيفية، ومعايير تقييم الأداء الوظيفي، وقواعد التوصيف الوظيفي، إضافة إلى أسس ومبادئ التدريب، وقانون التنظيم المؤسساتي، ويتضمن: إحداث الجهات العامة وقواعد التنظيم المؤسساتي، وقانون مبادئ وقيم الوظيفة العامة، وواجبات الموظف السلوكية ومسؤولياته العامة.
تيشوري: الإسراع بتعديل قانون العاملين ضرورة لمنع انهيار القطاع العام ومنع تسرب المزيد من الكفاءات
جوهر التعديلات
الاتحاد العام لنقابات العمال كان حاضراً في أغلب النقاشات والحوارات التي دارت، وطرح رؤيته حول القانون الجديد، فقد أكد عضو المكتب التنفيذي للاتحاد العام لنقابات العمال طلال عليوي خلال أحد الملتقيات أنه تم الاتفاق على تغيير اسمه من قانون الخدمة العامة إلى قانون الوظيفة العامة، مبيناً أن من أبرز النقاط التي تمت مناقشتها، ربط الترقية بالأجر، بحيث يكون لكل مرتبة وظيفية حد أدنى من الأجر، وكذلك تحديد عدد الفئات الوظيفية بثلاث فئات الأولى جامعية، والثانية تضم المعاهد والشهادة الثانوية، والثالثة شهادة التعليم الأساسي أو أقل، وأن القانون الجديد سيقسم الفئة الأولى إلى ثماني مراتب وظيفية: المرتبة الأولى لحاملي الشهادة الجامعية الذين تجاوزت خدمتهم ٢٧ عاماً برتبة مستشار، والفئة الأخيرة متمرن أو بدء التعيين من سنة إلى سنتين.
وفيما يتعلق بموضوع تقييم أداء العاملين في الدولة أكد عضو المكتب التنفيذي للاتحاد العام لنقابات العمال أن المقترحات النهائية تضمنت إعداد نظام تقييم نموذجي من وزارة التنمية الإدارية يراعي خصوصية عمال الفئات التي وردت في القانون وتأييد رأي الجهاز المركزي للرقابة المالية بأن يكون التقييم دورياً، والربط بين الأنظمة المقرة للتعيين والترشح لشغل مراكز عمل في مستويات الإدارة العليا والوسطى، مشيراً إلى علنية تقييم أداء العاملين بحيث يتم نشرها لدى الجهة العامة بعد الانتهاء منها.
وبخصوص العمال المؤقتين أكد عليوي أنه إذا صدر قانون الوظيفة العامة فسيصدر معه بالتوازي قانون جديد للتأمينات الاجتماعية بحيث يتم تشميل كل العمال المؤقتين بالتأمينات الاجتماعية مهما قلت مدة عملهم في الجهة العامة، وبالتالي يصبح للعامل عمر تأميني كامل أينما انتقل هذا العامل ودمج ملفه التأميني إذا كان يعمل في جهات مختلفة خلال حياته المهنية وهذا يضمن له راتب الشيخوخة.
وأوضح أن قانون الوظيفة العامة المزمع صياغته يتجه إلى الوظيفة المفتوحة أي التعاقد، والانتهاء من الوظيفة المغلقة أي التثبيت، مشدداً على أنه عند صدور القانون سيطبق النظام المختلط، أي الوظيفة المفتوحة والمغلقة إلى حين إنهاء العاملين الدائمين خدمتهم، لافتاً إلى أن الجهات العامة لا تعاني من نقص العمالة أو فائضاً فيها ولكن هناك سوء توزيع في العمالة.
ضرورة لا رفاهية
يطلق الخبير الإداري عبد الرحمن تيشوري تحذيرات حول أهمية الإسراع بإصدار التعديلات الجذرية لقانون العاملين ليتماشى مع التطورات الجديدة للعمل والحالة الاجتماعية والأسرية وخاصة مع الغلاء المعيشي والتضخم، لأن الرواتب أصبحت ضئيلة والفجوة كبيرة ووضع قانون جديد يهدف إلى تحسين واقع العاملين في القطاع العام ويمنح العمال مزايا جديدة تنعكس إيجاباً على وضعهم الوظيفي والمعيشي، وتسهم في الحفاظ على حقوق العاملين وبقاء القطاع العام، لأن الرواتب الضعيفة إذا استمرت على هذه الحال فستؤدي إلى انهيار القطاع العام
ويكمل: هناك الكثير من التفاصيل والمواد والأحكام بحاجة إلى تعديل وخاصة ما يتعلق بعلاوات الترفيع، فأعلى علاوة ترفيع وفق القانون الحالي هي ٩%، ودعا أن تكون هذه العلاوات بين ١٥-٢٠%، أيضاً رفع سقوف الرواتب لأنها سقوف على الإبداع والإنتاج والعمل، ويجب إعادة النظر بموضوع التعويضات والحوافز وطبيعة العمل وتعويض الإقامة والسفر والإجهاد الجسماني والفكري فهي اليوم لا تساوي قروشاً بالنسبة للرواتب الحالية.
تيشوري: المسار الزمني يطبق في أغلبية النظم الإدارية في العالم لكن يجب أن يقترن بقياس الأداء والإنجاز
ودعا أيضاً إلى وضع مادة جديدة في القانون الجديد هي مد الخدمة لموظفي الفئة الأولى إلى سن ٦٥ حتى ٧٠، لأن القطاع العام أفرغ من الكوادر التي أنفقت عليها الدولة الكثير، لذا يجب أن نجدد لها العمل للحفاظ على الخبرات.
صفر نتائج
وعما حققته وزارة التنمية الإدارية المتخصصة بهذه التعديلات قال: كل ما صدر عن وزارة التنمية الإدارية من ورشات عمل وإجراءات ومشروعات قوانين كلها تصب في إطار مشروع الإصلاح الإداري والوظيفة العامة، كما أن الوزارة أصدرت القانون ٢٨ الناظم لعمل الوزارة وأهدافها، وبدلت مرسوم إحداث الوزارة، لكن لم يطبق من هذا القانون شيء على أرض الواقع، كذلك الأمر بالنسبة لمشروع إقرار الذمة المالية الذي يأتي في إطار إصلاح الإدارة ومكافحة الفساد لم يطبق ولم يتعد حدود النظريات التي أطلقت خلال الورشات والتصريحات الإعلامية، واليوم كل من يدخل ويخرج من المنصب لا يطلب منه إقرار ذمة مالية، كذلك الأمر بالنسبة لقانون التحفيز الوظيفي لم يطبق بعد أن صرفت أموال طائلة تقدر بـ٢ – ٣ مليارات ليرة على الاجتماعات واللجان والنقاشات وبجرة قلم تم إيقافه، وشعر العاملون في القطاع العام بالخيبة والإحباط من جراء إيقافه، واصفاً هذه الإجراءات بأنها هدر للمال العام ويجب محاسبة المسؤول.
وأضاف: تم تطبيق المسار الوظيفي وهو فكرة جيدة ومطبقة في عدد من النظم الإدارية في العالم، لكن يجب ألا تكون متحررة من القياس والتقييم، على سبيل المثال إذا كانت الولاية الإدارية لمدير ما أربع سنوات فما يحدث هو أننا نترك المدير خلال فترة المسار الوظيفي من دون قياس نتائجه، وهنا مكمن الخطأ ويجب أن يكون هناك تقييم دوري، وإن كان هذا المدير لا يحقق إنجازاً فيجب إعفاؤه، لافتاً إلى أن كل ما قدمته الوزارة غير مكتمل الرؤيا على مبدأ (سيري فعين الله ترعاك) من دون سياسات واضحة، حيث لا تزال آلية عمل الوزارة ضبابية وعشوائية، ويجب أن تكون هناك سياسات تمتد لما يقارب ٥ سنوات، وأن تكون هذه السياسات جزءاً من استراتيجيات عمرها ١٠ سنوات، وضمن هذه السياسات والاستراتيجيات يجب أن تكون هناك خطط تنفيذ وسياسات سنوية تتكامل فيما بينها بهدف إصلاح الوظيفة العامة خلال أمد محدد، لكن خلال كل السنوات السابقة لم نتقدم خطوة في هذا الإطار.
ويحتاج الإصلاح الإداري -حسب الخبير الإداري – إلى حكماء ورجال يملكون الخبرة بتجاعيد الإدارة السورية ومرونة لسماع كل الآراء، وهذا ليس حكراً على وزير بل هو مسؤولية كل الجهات، ويجب أن تكون هناك مجالس إصلاح تضم خبراء وأساتذة جامعات وممثلي قطاع خاص وعام ونقابات عمال ليكون هناك قرار جماعي تشاركي، فلا يعقل أن يمضي أكثر ٧ سنوات في مناقشة تعديل القانون الأساسي للعاملين، خاصة أننا في حالة حرب وحصار اقتصادي جائر أدى إلى تدني الأجور وتسرب الكفاءات، ونحن لانزال في مرحلة النقاش! يجب أن نتناول هذه القضايا في الإعلام السوري بكل شفافية ليتحمل كل طرف مسؤوليته والتركيز على ما تم إنجازه ونشير إلى مواضع التقصير بكل جرأة.
تيشوري: التحفيز الوظيفي وإقرار الذمة المالية مشروعات قرارات بقيت ضمن ورشات وحوارات ولم يطبق منها شيء
لعله خير
في الجلسة الأولى للحكومة الحالية اعتبر رئيس مجلس الوزراء الدكتور محمد غازي الجلالي أن وجود بعض التناقض وضعف الكفاءة في بعض القرارات والتوجهات الخاصة بالبنية الإدارية والوظيفية، سببه الرئيس عدم وضوح السياسة العامة للوظيفة العامة، ما يتطلب مراجعة دقيقة لمثل هذه القرارات والتوجهات وقياس أثرها بشكل فعلي من خلال قراءة انعكاساتها على الوزارات والجهات العامة، وذلك انطلاقاً من الحرص على ألا يتم الوصول إلى العدالة في شغل الوظيفة العامة والقيادات الإدارية على حساب الكفاءة والإنتاجية الوظيفية على قاعدة أن رأس المال البشري هو من أهم ثروات البلد التي يجب الحفاظ عليها، وتقرر خلال الجلسة تشكيل لجنة وزارية مختصة بهدف مراجعة بعض القرارات والأنظمة الخاصة بشغل مراكز عمل القيادات الإدارية، والضوابط الخاصة بذوي القربى في الجهات العامة، وأحكام قبول الاستقالات وتمديد الخدمة وغير ذلك.
كلام رئيس الحكومة لقي ارتياحاً لدى كل الأوساط، ووجد البعض أن إعطاء الأولوية لهذا الملف في عمل الحكومة الجديدة يعني أن ثماراً قريبة يمكن قطافها قريباً على طريق إصلاح الوظيفة العامة ورؤية تعديل قريب لقانون عمل كلما أسرعنا به أنقذنا كوادرنا البشرية وحصّنا القطاع العام، على أمل ألا يطول الانتظار هذه المرة .
يذكر أن اللجنة المكلفة مراجعة بعض القرارات والإجراءات الخاصة بشروط شغل مراكز عمل القيادات الإدارية ناقشت عدة مقترحات تتعلق بسنوات تحديد المسار الوظيفي لمعاون الوزير بـ/8/ سنوات قابلة للتمديد لمرتين اثنتين مدة كل منهما سنتان، واقتراح الموافقة على أن يحدد المسار الزمني للمدير العام والمدير الفرعي في المحافظات، بـ/6/ سنوات، ولرئيس الهيئة المستقلة والأمين العام للمحافظة بـ/7/ سنوات قابلة كذلك للتمديد لمرتين اثنتين مدة كل تمديد منها سنتان بناءً على مذكرة تبريرية يقدمها الوزير المختص، غير أن هذه المقترحات لقيت انتقاداً إذ إن التمديد يجب أن يقترن بأداء وإنجاز.
تشرين _ منال صافي