ما يميز أعضاء الحكومة الجدد هو أنهم من أصحاب الاختصاص والخبرة، وجلهم عمل في اختصاصه لدى شركات عالمية أو منظمات دولية، هم خلاصة ولقاءات عدة استمرت نحو ثلاثة أشهر جمعتهم مع الرئيس أحمد الشرع، وعلى إثر ذلك نالوا الثقة.
تعويل كبير
بالتأكيد المجتمع السوري يعول على هذه الحكومة الكثير، ولاسيما في مجال الخدمات، كالصحة والتعليم، وفي المجال الاقتصادي لجهة دوران عجلة الإنتاج وعودة المعامل والشركات إلى العمل وحماية المنتج الوطني، وفي الجانب المعيشي وهو الجانب الأهم بالنسبة لكثيرين من محدودي الدخل، والضرورة المُلحة في تأمين المستلزمات الأساسية لحياة المواطنين لجهة الكهرباء والمياه ورغيف الخبز وبقية المستلزمات الأخرى، مع إعطاء الأولوية لدعم الدخل وتعزيز القدرة الشرائية.
ولكن يقابل ذلك ما هو قائم على الأرض”كما يقال”، فهناك انهيار شبه كامل للمؤسسات والقطاعات الحكومية، نتيجة التركة الثقيلة التي خلفها النظام البائد، والمتمثلة في تشريعات بالية لا تخدم سوى مصالح فئات معينة، وبنى تحتية شبه منهارة واقتصاد غير معروف الهوية، وليس هناك استقرار مالي مستدام، إضافة لشح في الموارد النفطية، إلى غير ذلك.. إضافة الى هروب غالبية المنظمات الدولية الأممية من تقديم المساندة والدعم، فضلاً عن العقوبات والإجراءات أحادية الجانب الظالمة والحصار الجائر والذي يعوق أي إمكانية للبدء الفعلي بإعادة البناء والإعمار.
إرث ثقيل الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة حمص الدكتور محمد ياسين زكريا، أشار إلى أن المشكلة تكمن في الإرث الثقيل الذي تركه النظام البائد، حيث البنى التحتية منهارة، و نظام اقتصادي غير واضح المعالم، وبالتالي يقع على الحكومة الجديدة التعامل مع الواقع الاقتصادي المتردي الحالي بطريقة تمكنه من النهوض، وهذا يتطلب جهوداً حكومية مضاعفة، وضرورة تقديم الدعم لبعض الصناعات، حيث الكثير من الصناعات وحتى التقليدية لا تلقى الدعم المطلوب ولا الحماية التي تضمن أسواقاً طبيعية لتصريف منتجاتها، فالسوق الاجتماعي القائم الحالي هو نمط اقتصادي جديد لم يعتد عليه التجار ولا حتى المستهلكون، الأمر الذي أدخلهم في دوامة اسمها “الدولار”، هذه السلعة لها سعران، السعر المركزي وهو معلق “لا بيع ولا شراء ” وسعر آخر في السوق السوداء المتقلب حسب مزاج الصرافين، وهذا يؤثر على أسعار السلع والخدمات صعوداً وهبوطاً، وفي كل يوم وربما في اليوم الواحد أكثر من مرة.
عدالة ضريبية
وحسب زكريا، فإنه يقع على عاتق الحكومة الجديدة عملية إصلاح في السياسات النقدية والمالية وإيجاد نظام ضرائب جديد يحتوي على العدالة الضريبية والشفافية، فقانون الضرائب المعمول به حالياً فيه ضرائب عديدة على الأرباح بمختلف مسمياتها، والتي قد تفوق أحياناً الأرباح الحقيقية بمجموعها، ما يشكل عبئاً مقيتاً، فالاقتصاد التضخمي يعني تخفيضاً أو إعفاءات ضريبية ولا يعني بأي منطق اقتصادي زيادة العبء الضريبي على الفعاليات الاقتصادية الوطنية.
مجد الزراعات
وفي الشق الزراعي، أوضح زكريا أن الزراعة نالت من الضرر الكثير، فمنها خروج مساحات كبيرة عن الزراعة، ولم تقدم الحكومات السابقة الدعم اللازم لها.. لا مخصصات مازوت ولا أسمدة ولا مستلزمات إنتاج، كما لم تستطع تلك الحكومات الانتقال إلى الزراعة الذكية وبقيت مستخدمة الأساليب الزراعية التقليدية، والتي لم تعد تجدي نفعاً، وبالتالي الانطلاق نحو التوسع بالمساحات الزراعية وتوفير الدعم الحكومي لذلك، وتطوير البنى التحتية، وتبني النهج التشاركي مع القطاع الخاص والعمل على رفع المستوى التكنولوجي والابتكار واعتماد البرامج البحثية المتكاملة، وإن تحقق ذلك، فيمكن أن يعاد من جديد مجد الزراعات السورية التي كانت في الصدارة على مستوى العالم في بعض الزراعات.
الاستثمار الفردي
ولفت زكريا في تصريح خاص لصحيفة الحرية إلى ضرورة إيجاد إصلاحات إدارية في ظل الدمج والإحداث الجديد لبعض الوزارات لجهة الهياكل التنظيمية والموارد البشرية، مع الدفع نحو إصدار نظم تشريعية جديدة تناسب حال وواقع المؤسسات الحكومية، وتبسيط الإجراءات في القطاعات الحكومية من خلال تعميق تجارب النافذة الواحدة.
كما طرح زكريا فكرة تشجيع مبادرات الاستثمار الفردية المحلية والتي تحد وتقلل من حالات الإفلاس والفقر، مع تقوية ودعم المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر كمرحلة أولى.