أكثر ما يدغدغ مشاعر الموظفين في سوريا، ومعهم التجار ومترقبو ازدياد معدلات السيولة المتداولة في الأسواق، هي فكرة زيادة الرواتب والأجور.
وبالفعل كثر الحديث عن الإجراء المنتظر، وتسارعت وتيرة الآمال مع تسرّع بعض الشخصيات في الحكومة السابقة بالحديث عن نسب زيادة تصل إلى 400 بالمئة.
لكن ثمة أصوات اقتصاديين وخبراء يفضلون الحديث بالوقائع لا بالأحلام، ودوماً يحاولون الارتكاز على قرائن ثابتة في التعاطي مع المستقبل.
إعادة جدولة
هنا يرى الخبير الاقتصادي عامر ديب رئيس مجلس النهضة السوري، في تصريح لصحيفتنا “الحرية”، أنه لا يمكن الحديث عن زيادة الرواتب والأجور إلا بعد إعادة جدولتها إضافة إلى الحوافز والمكافأت والمضافات الأخرى على الرواتب، لأن نظام والرواتب والأجور اليوم لا يتناسب مع الأسعار ومستوى المعيشة بما يكفي المستلزمات الضرورية لكل شخص أو أسرة، لأن ثمة فجوة كبيرة بين الأسعار ورواتب موظفي القطاع العام، وهذا يؤدي إلى الفساد وقلة إنتاجية الموظف مما يمكن توصيفه كركود العمل، حيث تكون القيمة الفعلية للموظف أنه يتواجد في مكان عمله دون أي إنتاجية، لأنه يرى أن ما يتقاضاه لا يسد احتياجاته، ولكنه يتخذ صفة الديمومة ما يشعره فقط بالارتياح والاطمئنان النفسي.. وقد يكون هناك من يستثمر عمله لمصلحته الشخصية ولذلك لا يصح أي حديث عن زيادة الرواتب والإنتاج قبل العمل على إصلاح نظامها بشكل كامل، وما هو قائم لا يدعم أي عملية تنمية ولا يعول عليه في الإصلاح والتغيير نحو الأفضل.
* تحريك عجلة الإنتاج ودعم الاستثمار والتصدير.. مقدمات تكييف التعاطي مع بند الرواتب
ربط بنيوي
يجد ديب أنه لابدّ من ربط بنيوي لزيادة الرواتب بزيادة الإنتاج حسب كل مؤسسة وطبيعة عملها، في القطاع العام، ورأى أن أكثر وزارة لديها معامل هي وزارة الصناعة وهي الأكثر مرونة وقدرة على زيادة الإنتاج.. وبالتالي رفع رواتب موظفيها، ويمكنها أن تغذي رواتب وحوافز موظفيها من بدلات الإنتاج وبالتالي إذا زاد الإنتاج وحققت الهدف الإنتاجي وزادت المبيعات سواء في الأسواق الداخلية أو الخارجية لها، حتماً سينعكس ذلك إيجاباً على الأجور والرواتب.
ويعتبر الخبير ديب أن ذلك هو الحل الأجدى للانطلاق نحو اقتصاد متين يبنى على أسس راسخة من التعاون مع القطاع الخاص وتسهيل الإجراءات أمام المستثمرين لدفع عملية النهوض بالعمل في مؤسسات القطاع العام التي تعاني من صعوبات كبيرة.
وبدخول القطاع الخاص إلى الاستثمار في بعض مؤسسات القطاع العام سيتمكن من زيادة الإنتاج فيها وبالتالي يمكن الحديث عن زيادة الأجور ورفع كفاءة الموظف صاحب الإسهام الأول في زيادة الإنتاج.
* وزارة الصناعة أكثر قدرة على زيادة الإنتاج ومن ثم زيادة الرواتب
خريطة تنمية حقيقية
يرى ديب أن المساعدات الخارجية لا يمكن البناء عليها في إصلاح وزيادة الأجور فيما يعتبر أن تلك المساعدات يمكن إن لم يتم البناء عليها لوضع خطط إستراتيجية تنموية ستؤدي إلى وضع اقتصادي سيئ..
ويلفت إلى أن الحل الوحيد أمام الحكومة وضع خريطة تنمية حقيقية وزيادة الأجور والرواتب التعاون بين القطاع العام والخاص، يتمثّل بإيجاد بيئة استثمار مناسبة تجذب رؤوس الأموال والمستثمرين، وبالتالي تكون قادرة على زيادة الإنتاج ومن ثم زيادة الأجور .
اليوم يتم تأمين وتغطية الرواتب ومن الضرائب والرسوم والقطاع الخدمي، وفقاً لرئيس مجلس النهضة السوري، الذي يشدد على إنجاز الاتفاق مع قسد باعتباره أولوية لتأمين الثروات ليستفيد منها الشعب السوري بأكمله..
ويرى أن قطاع الزراعة والنفط هما الأهم والأولوية للاستثمار وتصبح فوائضه للتصدير ما يرفد خزينة الدولة بواردات مالية ضخمة، ما يعني القدرة على إصلاح نظام الرواتب والأجور وبالتالي زيادة الأسعار، والمواد المصدرة اليوم لا تشكل قيمة مضافة وإذا لم نقارن الإنتاج بحاجة السوق وصدرنا الفائض سنصل إلى التضخم كما حصل سابقاً.. فقد كان الحديث مثلاً عن ما قيمته 500 مليون يورو منتجات زراعية، ولكن في نفس الوقت كانت تلك المنتجات لا تسد حاجة سوى حوالي 20 إلى 30 بالمئة من حاجة السوق الداخلية، وبالتالي كان تصديرها على حساب حاجة السوق الداخلية والطلب عليها ما أدى إلى التضخم وارتفاع أسعارها في السوق المحلية وبالتالي إيجاد فجوة.
هيكلة الاقتصاد
باختصار يركز ديب باتجاه الحلول على إصلاح قطاع الرواتب، وإتاحة الاستثمار وتسهيل إجراءات الاستثمار أمام القطاع الخاص لأنه شريك في أي عملية تنمية..
وطرح تساؤلاً من قبيل.. إلى أي حد نحن قادرون على إعادة هيكلة الاقتصاد والواردات المالية للدولة؟.كي لا تكون رواتب موظفي القطاع العام عبارة عن مجرد إعانات وليست رواتب.