جرعات التعافي ورفع العقوبات تعيقها المضاربات.. أين المصرف المركزي من “الفوضى المؤذية”؟

لا يزال تفاوت أسعار صرف الليرة السورية العلامة الفارقة في السوق النقدية قبل رفع العقوبات وبعدها والتي يصفها الخبراء بـ”الفوضى المؤذية”، سواء للاقتصاد بسبب الأسعار المتقلبة التي لم تنعكس عملياً على أسعار منتجات المستهلك، أو على قطاع الأعمال الذي دفعه اختلاف سعر الصرف بين المصرف المركزي والسوق، للتريّث وتأجيل بعض الصفقات.
ويتفق اقتصاديون ومسؤولون حكوميون أن المضاربة هي أهم أسباب تذبذب سعر صرف الليرة السورية، وأن التحسن بعد رفع العقوبات كان يجب أن يتجاوز 40% وهو انخفاض حقيقي بسبب رفع العقوبات وانسياب تدفق العملات الصعبة والسماح بالحركة المالية النشطة.
وترى الكثير من الفعاليات الصناعية والتجارية أن حيادية المصرف المركزي زادت وأصبحت سلبية تجاه التدخل في السوق، والحد من المضاربات لاسيما بعد امتهان الآلاف من السوريين مهنة تصريف وتبديل العملات على قارعة الطريق، أضف إلى ذلك حبس السيولة في المصارف إلا لمبالغ محددة.

باعة العملة بالطرقات ليسوا صرافين ويستغلون حاجة السوريين الذين تصلهم حوالات من الخارج

وحول ضرورة تنظيم مهنة الصيرفة يقترح أكاديميون ومصرفيون ضرورة ضبط وترخيص شركات تحويل الأموال ووقف الفوضى، لأن باعة العملة ليسوا صرافين، ويستغلون حاجة السوريين الذين تصلهم حوالات من الخارج، أو حاجة السياح والسوريين العائدين إلى سوريا بعد تحريرها. وفي حين يزيد التخوف على سعر الليرة السورية من جراء الفوضى واختلاف الأسعار.
ويقول الاقتصادي السوري عماد الدين المصبح: إن عوامل استقرار النقد لم تحصل بشكل كامل في سوريا، لكن الجزء الأكبر من القيود والصعوبات انتهى مع قرارات رفع العقوبات بالمقابل لم يزدد التصدير ليرتفع عرض العملات الأجنبية، بل على العكس يزيد الاستيراد بدليل زيادة السلع في السوق، ولم تزد السياحة ومازال الموسم في أوله.
ويضيف المصبح: إن وقت تحرير سعر الصرف، كما يطرح البعض أو تبديل الأوراق النقدية وحذف أصفار يحتاج إلى توقيت مناسب، لأن الإقدام على خطوات كهذه، قبل دوران عجلة الإنتاج وقدوم الاستثمارات، قد تكون له مضار كبيرة على الاقتصاد والليرة.
وحول الدولرة في السوق السورية يشير أستاذ الاقتصاد إلى أنها حالة طبيعية “على ألا تستمر بهذا الشكل الفوضوي” لأن الشعب السوري الذي حُكم بمراسيم منع التعامل بغير الليرة، توّاق للتعامل وقبول العملات المتداولة جميعها، كما أن مهنة تصريف العملات إلى جانب بيع الوقود في الشوارع، هما أكثر الأعمال في سورية منذ ما بعد التحرير، لكن لا بد من تنظيمهما عبر التراخيص.

جرعات حقيقية من التعافي

تتباين التقديرات حول تقلبات سعر الصرف بعد قرار الاتحاد الأوروبي رفع العقوبات عن سورية والذي سبقه القرار الأميركي برفع العقوبات، ما أعطى الليرة السورية جرعات حقيقية من التعافي لأن رفع العقوبات يسهم بانسياب قانوني وطبيعي لتدفق العملات الصعبة وفتح المسارات أمام حركة تحويل الأموال وبمجرد الإعلان عن رفع العقوبات ارتفع سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار خلال تعاملات أمس الثلاثاء مدفوعاً بموافقة الاتحاد الأوروبي على رفع كل العقوبات المفروضة على سوريا.
كما كانت الليرة السورية قد تلقت دفعة قوية مع إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب رفع العقوبات الأميركية عن سوريا خلال زيارته إلى السعودية الأسبوع الماضي.

سعر صرف الليرة في السوق الموازي

ارتفع سعر صرف الليرة السورية في دمشق وحلب وإدلب إلى نطاق 9550- 9650 ليرة مقابل الدولار من نطاق 10 آلاف و50 ليرة إلى 10 آلاف و150 ليرة ، ونطاق 10 آلاف إلى 10 آلاف و100 ليرة المسجل مساء أمس.

مستقبل العملة المحلية

بعد رفع العقوبات عن سوريا، بات السؤال عن إمكانية استبدالها مطروحاً بقوة في الأوساط الحكومية والشعبية، خصوصاً مع تزايد الحديث عن مرحلة ما بعد العقوبات.
وقال محللون في تعليقات في وقت سابق: إن التقلبات في أسعار الصرف في الفترة الماضية ترجع إلى التأثيرات النفسية لإعلان رفع العقوبات الأميركية التي أعلنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فهذه التوقعات -وفق هؤلاء- تعني أن الطلب سيرتفع على الليرة السورية مستقبلاً مع تصاعد النشاط الاقتصادي بأشكاله المختلفة، ولاسيما مع عودة المهجّرين إلى بلدهم باستثمارات جديدة من بين روافد الاستثمار الأخرى.
وتوقع محللون أن يستمر تذبذب سعر الصرف الليرة خلال الفترة الحالية، متوقعين أن القيمة الحقيقية بعد رفع العقوبات باتت ما دون 8 آلاف ليرة مقابل الدولار في الشهور اللاحقة وترتفع أكثر مع تتدفق التحويلات المالية.
وفي ظل تقلبات الليرة وظهور عملات بديلة في بعض المناطق، تتجه بعض الأنظار إلى خيارات استبدال العملة، وما يترتب عليها من تحديات اقتصادية وسياسية.
ومنذ اندلاع الثورة عام 2011، فقدت الليرة أكثر من 98 % من قيمتها أمام الدولار، وبلغ سعر الصرف مستويات قياسية.
ورافق ذلك اعتماد مناطق واسعة، على الليرة التركية أو الدولار في التعاملات اليومية، ما قلل من مركزية العملة المحلية كمصدر نقدي.

استبدال العملة الورقية

أكّد الخبير الاقتصادي السوري أسامة قاضي في تصريحات إعلامية أن استبدال العملة الورقية أمر لا مفر منه “عاجلًا أم آجلًا” مشيراً إلى أن هذا يتطلب أولاً معرفة القيمة الحقيقية لليرة بالسوق ضمن بيئة استثمارية نشطة يدخل من خلالها مليارات الدولارات، ما ينعكس على تحريك عجلة الاقتصاد ويُفعّل آليات العرض والطلب بشكل واضح.
وقال قاضي في تصريح إعلامي: إن المصرف المركزي بحاجة إلى هذا المشهد الاقتصادي المستقر لتحديد السعر الواقعي لليرة، ما يدفعه للتريث في اتخاذ خطوة طباعة عملة جديدة، خاصة في ظل التحديات المرتبطة بتكاليف الطباعة العالية، والتقنيات المتطورة اللازمة لمنع التزوير.
وأشار قاضي إلى أن عملية الاستبدال ستتيح للمصرف المركزي تتبّع مصادر الأموال ومعرفة إن كان أصحابها يغطّون على عمليات غسل أموال أم يملكون أنشطة اقتصادية حقيقية.

استعادة الثقة

في المقابل، يحذر آخرون من أن التسرع في الإقدام على الخطوة -قبل تحقيق حالة استقرار اقتصادي وسياسي- يجعل الخطوة بلا جدوى.

شارك