لم يكن ما وصل إليه قطاع النقل البحري في سوريا خلال السنوات العشر الماضية من تردٍّ وتراجع في المؤشرات والأداء سببه العقوبات الخارجية فقط، وإنما أيضاً النظام البائد فرض عقوبات إضافية على هذا القطاع، منها على سبيل المثال لا الحصر فرض رسوم مالية كبيرة على البواخر والسفن الداخلة إلى المرافئ السورية لدى تزويدها بمادة المياه، ولاسيما أن تزويد السفن بالمياه يمنح بالمجان في كل مرافئ العالم، عدا عن حالات التأخير في عمليات التفريع، الأمر الذي تترتب عليه رسوم إضافية على الناقل.
معطيات مخيفة
وحسب المعطيات التي تم رصدها خلال السنوات الماضية، فإن أهمها تراجع أعداد السفن التي تتردد إلى المرافئ السورية، مع إحجام شركات النقل البحري عن العمل ضمن الخطوط البحرية السورية، والسبب هو مخاطر الحرب والعقوبات المفروضة على البلاد، إضافة إلى القيود والإجراءات التي فرضتها الحكومات السورية المتعاقبة على تلك البواخر، مثل حرية المخالطة وتفتيش غير معتاد وإلى غير ذلك.
وبالتالي أدى ذلك إلى تراجع في الحركة الملاحية في كلا المرفأين “طرطوس– اللاذقية”، من 25 مليون طن إلى 4 ملايين طن سنوياً.
بالمقابل مرافئ دول الجوار قدمت العديد من التسهيلات لتلك البواخر، الأمر الذي أدى إلى استقطابها لدرجة كبيرة.
كما تشير المعطيات أيضاً إلى خروج أكثر من 300 باخرة كانت تحمل الراية السورية، وانتقالها للعمل تحت رايات دول أخرى، حتى أصبح الملّاك السوريون يسجلون سفنهم في دول أخرى.
وللمفارقة إنه في العام الفائت لم تعد أي سفينة مسجلة تحت راية العلم السوري. بالتأكيد عملية عودة هذه البواخر للعمل تحت الراية السورية تحتاج إلى جهد كبير من خلال تقديم بعض المحفزات والتسهيلات، ولعل الأمر المحزن هو هجرة أعداد كبيرة من العاملين في هذا القطاع للعمل في الخارج، وخاصة أفراد الركب المبحر، لاسيما وأعداد العاملين لهذا القطاع في الخارج يصل إلى 15 ألف عامل بمختلف الاختصاصات، وذلك حسب إحصاءات غرفة الملاحة البحرية.
تأثيرات مباشرة
الخبير البحري المهندس حسام الدوماني أشار إلى أن رفع العقوبات عن سوريا سيكون له تأثير مباشر على قطاع النقل البحري، حيث ستتمكن المرافئ السورية من استئناف عمليات الشحن والتجارة الدولية من دون قيود، ما يعزز حركة الاستيراد والتصدير ويخفض تكاليف النقل البحري، وبالتأكيد سيدعم تجارة الترانزيت عبر سورية، ما يسهل انسياب البضائع ويقلل كلف الشحن، وخاصة عبر المرافئ السورية التي كانت تعاني قيوداً صارمة على التعاملات التجارية.
كما أن استقرار الأوضاع التجارية واللوجستية مع الدول المجاورة، مثل الأردن ولبنان وتركيا، سيسهم في تحسين حركة التجارة الإقليمية، ما يعزز دور سوريا بوصفها ممراً تجارياً مهماً في المنطقة، وأن إزالة القيود المفروضة على شركات النقل البحري السورية سيسمح لها بتحديث أساطيلها، وإبرام عقود جديدة مع شركات الشحن العالمية، ما يعيد الحيوية إلى قطاع الخدمات اللوجستية ويزيد من تنافسية المرافئ السورية في المنطقة.
تراجع في الحركة الملاحية
وأوضح الدوماني في تصريح لصحيفة “الحرية” أن البنوك المرتبطة بالمنظمة البحرية الدولية ومنظمة الهيدروغرافيا الدولية رفضت خلال السنوات الماضية استلام تحويل مساهمات القطر في المنظمتين بسبب العقوبات المفروضة على النظام البائد، وقد عزف الكثير من ملاك السفن تسجيل سفنهم تحت العلم السوري.
وبخصوص الشركة العامة لمرفأ اللاذقية والشركة العامة لمرفأ طرطوس، فإن الحركة الملاحية انخفضت في كليهما، نتيجة عزوف الكثير من التجار عن العمل في المرافئ السورية، وبالتالي تراجع في إيرادات كلا المرفأين، فضلاً عن صعوبة تأمين القطع التبديلية، ما انعكس سلباً على جاهزية الآليات، حيث تناقصت الحركة الملاحية في كلا المرفأين من 25 مليون طن سنوياً إلى 4 ملايين طن سنوياً.
ونوه الدوماني بأن العقوبات المفروضة على مؤسسة النقل البحري، تمثلت في التأمين على البضائع، والتأمين على سفن المؤسسة العامة السورية للنقل البحري، حيث لا تستطيع هذه السفن الإبحار من دون الحصول على شهادة تأمين. كما كان التأثير على أندية الحماية ومكاتب التصنيف، وعلى البنوك والتمويلات المصرفية، والصيانات وتأمين قطع التبديل وخبراء الشركات الصانعة، والصعوبات أيضاً في تأمين مستلزمات السفن من وقود وزيوت وغيره من الخارج.
تكاليف مضاعفة
يذكر أن وزارة المالية الأمريكية فرضت بتاريخ 3/8/2015 عقوبات اقتصادية ضد /7/ شركات أجنبية، تعمل على مد القطر بالغاز وإجراءات عقابية فرضت على /6/ هيئات حكومية سورية وتزويد الموانئ والنقل البحري وعلى /3/ سفن تابعة لها، هذا أدى إلى وقف الشحن المباشر للبضائع والبواخر من الولايات المتحدة والدول التي تلتزم بقراراتها، وخاصة دول الاتحاد الأوروبي والشركات العالمية التي يملكها أمريكيون بشكل كامل أو جزئي في أي دولة، وبالتالي اضطرت الشركات التجارية والملاحية إلى شحن تلك البضائع إلى دول أخرى لا تلتزم بقرارات المقاطعة. حيث يعاد شحنها بحراً إلى المرافئ السورية، وبالتالي زادت من تكاليف النقل البحري غير المباشر، وهنا تكمن الأضرار والخسائر الحقيقية، الأمر الذي أدى إلى مضاعفة كلفة النقل البحري، إضافة إلى أضرار أخرى تتمثل في زيادة أسعار السلع المستوردة والمتضمنة كلفة التفريغ والهدر والوقت مرتين.