تواجه صناعة الإسمنت تحديات كبيرة، أبرزها ارتفاع التكاليف، وتراجع التنافسية أمام المستوردات بسبب الرسوم الإضافية مثل “الضمائم”، وتشكّل هذه الصناعة قطاعاً حيوياً في الاقتصاد السوري، خاصة في ظلّ الحاجة المتزايدة لمواد البناء لإعادة الإعمار بعد سنوات الحرب.
ووفقاً لتقديرات سابقة، فإن سوريا تحتاج إلى نحو 60 إلى 80 مليون طن من الإسمنت خلال السنوات العشر المقبلة (أي بمعدل 6 إلى 8 ملايين طن سنوياً)، وكما جاء في تقرير Independent Arabia، فإن ما يقرب من مليوني وحدة سكنية مدمّرة بحاجة إلى إعادة إعمار، إضافة إلى بنى تحتية ومرافق عامة، ما يرفع من حجم الطلب على الإسمنت بشكل كبير.
وجاء قرار وزير الاقتصاد والصناعة بإلغاء قرارات فرض الضمائم لتخفيف الأعباء عن المنتجين، في خطوة لدعم الإنتاج المحلي.
خطوة جوهرية
في هذا الإطار، بيّن مدير عام الشركة العامة لصناعة وتسويق الإسمنت ومواد البناء “عمران” المهندس محمود فضيله، في تصريح خاص لصحيفة الثورة، أن الضميمة بعد أن رفعها وزير الاقتصاد والصناعة مؤخراً، وألغى بموجبها القرار السابق الصادر في زمن النظام البائد، تُعد خطوة جوهرية في إطار تصحيح السياسات الاقتصادية التي كانت تُفرض سابقاً تحت مسميات قانونية، لكنها في الحقيقة مثّلت عبئاً على القطاعات الإنتاجية.
وأوضح فضيله أن النظام السابق كان يعتمد على فرض أتاوات على القطاعات الصناعية، وهي وإن بدت قانونية شكلاً، فإنها كانت تثقل كاهل المؤسسات الإنتاجية، أما اليوم، ومع توجه الحكومة الجديدة لأن يكون لكلّ وزارة كفاءاتها المتخصصة والمهنية، فإن هذه الإجراءات تُعَدُّ مؤشراً على بدء مرحلة إصلاح حقيقي يستهدف النهوض بالصناعة الوطنية.
وأشار إلى أن القرار الأخير المتعلق بإلغاء ما يسمى “الضميمة” على الإسمنت هو بداية لسلسلة قرارات تهدف إلى إزالة الأعباء غير الضرورية، سواء أكانت أتاوات أم ضرائب غير محفزة، والتي كانت تعيق حركة الإنتاج، وأكد أن لهذا القرار أثراً معنوياً واقتصادياً كبيراً، إذ يمثل دعماً مباشراً للصناعة المحلية، لاسيما للصناعات الثقيلة مثل صناعة الإسمنت.
وأكد فضيلة أن دعم الصناعات الوطنية يعزز من العلاقة التكاملية بين الوزارات المعنية والمنتجين في القطاعين العام والخاص، الأمر الذي ينعكس إيجاباً على الناتج المحلي، ويُسهم في تخفيض التكاليف وزيادة تنافسية المنتجات في الأسواق، خصوصاً في ظل التوجه نحو اقتصاد السوق المفتوح.
وأضاف: إن تخفيض تكاليف الإنتاج يتيح للمنتج المحلي أن ينتشر ويُستهلك على نطاق أوسع، وهو ما يؤدي بدوره إلى زيادة الطلب عليه، مشيراً إلى الأثر الاجتماعي والاقتصادي لذلك، حيث تبقى الدورة الاقتصادية محصورة داخل البلاد، ما يحد من خروج العملة الصعبة إلى الخارج، ويعود بالنفع على جميع مكونات المجتمع.
وأشار فضيله إلى أن خفض الأسعار، وإعادة هيكلة التكاليف، وتوزيع الأعباء التشغيلية بصورة عادلة، كلها خطوات تصبّ في مصلحة دعم المنتج المحلي، لافتاً إلى أن صناعة الإسمنت، بحكم طبيعتها كثيفة التكاليف، تخرج من المنافسة بمجرد ارتفاع الأعباء، في حين أن تخفيف هذه الأعباء يمنحها فرصة للاستمرار والتوسع ضمن السوق الوطنية.
المواد الممنوعة
من جهته أوضح المدير العام لمجموعة “سيم تك” العاملة في مجال تجارة وخدمات الإسمنت، المهندس جبرائيل الأشهب، أن مادة الإسمنت الرمادي كانت تُستورد قبل اندلاع الأزمة في سورية عام 2011 من عدة دول، من أبرزها تركيا ولبنان ومصر، إلا أنه ومع بداية الأحداث وشحّ القطع الأجنبي، تم إدراج مادة الإسمنت الرمادي ضمن قائمة المواد الممنوعة من الاستيراد نظراً لوجود بديل محلي الصنع، بينما استمر السماح باستيراد الإسمنت الأبيض لعدم وجود مصانع سورية تنتجه.
وأشار الأشهب إلى أن سعر طن الإسمنت الرمادي في عام 2010 كان بحدود 100 دولار أميركي، واستمر في الارتفاع حتى بلغ حوالي 160 دولاراً أميركياً مع نهاية عام 2024، ليعود وينخفض تدريجياً بعد تحرير العديد من المناطق وعودة السماح بالاستيراد، ويستقر مجدداً حول 100 دولار أميركي، وذلك نتيجة عدة عوامل، منها توافر عناصر تصنيع محلية بتكاليف منخفضة مثل الأيدي العاملة والمواد الأولية.
وأضاف: إن القرار المهم الصادر عن وزير الاقتصاد والصناعة بإلغاء الضميمة عن إسمنت القطاعين العام والخاص، من شأنه تعزيز تنافسية المنتج المحلي أمام المنتجات الأجنبية، سواء أكانت عربية أو غير عربية، في السوق السورية.
وبيّن أن هناك تفاوتاً في تكاليف الإنتاج بين سوريا ودول الجوار، ولاسيما في حوامل الطاقة، ما يجعل هامش التسعير ضيقاً أمام المصنّعين المحليين.
وضرب الأشهب مثالاً عن ذلك قائلاً: إن سعر طن الإسمنت في الأردن (أرض المصنع) يبلغ وسطياً حوالي 50 دولاراً، بينما يبلغ السعر في سورية (أرض المصنع) نحو 95 دولاراً.
كما أشار إلى أن تكاليف النقل من محروقات وزيوت معدنية وشحوم وإطارات تلعب دوراً مهماً في تعزيز التنافسية، نظراً لأهمية العمليات اللوجستية في إيصال المنتج إلى المحافظات المستهدفة بسعر مناسب.
خفض التكاليف
وأكد المهندس الأشهب أن تعزيز تنافسية الإسمنت السوري، الذي يُعد من أهم مدخلات قطاع البناء سواء في عمليات الصبّ (المجابل) أو في التشطيبات، يسهم في خفض تكاليف البناء التي شهدت تضخماً كبيراً خلال السنوات السابقة، وهنا شدد على أهمية دور القطاع المصرفي المحلي، أو الأجنبي المتوقع دخوله إلى السوق السورية، في منح القروض اللازمة لتشييد مصانع إسمنت، على غرار تجربة شركة إسمنت البادية، وكذلك في تقديم القروض العقارية.
وختم بالقول :إن إلغاء الضميمة قد يحرم الدولة من بعض الإيرادات، لكنّه بالمقابل يخفف من تكاليف صناعة الإسمنت في سوريا، ما يسهم في جذب الاستثمارات من مختلف الجنسيات إلى هذه الصناعة الاستراتيجية، نتيجة زيادة الجدوى الاقتصادية، مدفوعة بباقي المحفزات، وبعيداً عن الاكتفاء بمسارالتصدير فقط.