لكن ثمة أسئلة كثيرة خرجت إلى العلن، وغالبية المواطنين يرددونها، بأحاديثهم، في مقدمتها: ماذا نريد من اقتصاد السوق الحر ..؟.
وهل فتح الأسواق على مصراعيها أمام التجارة من وإلى سوريا يحقق الغاية المطلوبة..؟.
والسؤال الأهم كيف نحمي اقتصادنا الوطني، ومنتجاتنا المحلية من انفتاح الأسواق، وبالتالي ما فرص النجاح أمام المنتجات الوطنية لمواكبة تطورات انفتاح الأسواق والتغيرات الجديدة للحالة الاقتصادية العامة..؟
لدى أهل الخبرة والاختصاص الكثير من المعلومات والآراء التي تغني أسئلتنا، ونبحث من خلالها عن الإجابة النافعة لكل ما ورد من استفسارات سابقة حول اقتصاد السوق الحر، وماذا نريد منه..؟!
قرنفلة: اقتصاد السوق الحرة يمكنه التكيف بسرعة مع التغيرات في العرض والطلب وتشجيع الاستثمار وهذه بيئة جاذبة للمستثمرين لقلة القيود الحكومية..!
أهل الخبرة
في حديثه عن اقتصاد السوق الحر أكد المهندس “عبد الرحمن قرنفلة” الخبير في الشؤون الزراعية، أن اقتصاد السوق الحر، يتيح حرية المشاركة لجميع أفراد المجتمع في الأنشطة التجارية والاقتصادية، حيث يمكن لأي شخص الانخراط في العملية الاقتصادية بشكل طوعي، وبفضل هذه الحرية، يمكن للشركات والأفراد تحديد مستوى الإنتاج، أو الاستهلاك الذي يناسبهم من دون تدخل حكومي، ما يعزز الديمقراطية الاقتصادية، كما يسهم اقتصاد السوق في تشجيع المنافسة، وتحفيز الابتكار، حيث يُتيح للأفراد والشركات تحديد مسارهم الاقتصادي بحرية، واتخاذ القرارات الاقتصادية، وتحديد أسعار السلع والخدمات، بناءً على قوى العرض والطلب، ويسهم في ازدهار الأسواق المالية، حيث تعد المؤسسات المالية أحد العوامل الرئيسية لنجاح اقتصاد السوق الحر، فهي توفر وسائل تبادل السلع والخدمات للأفراد والشركات، بالإضافة إلى خدمات الاستثمار.
شعيب: من عيوب اقتصاد السوق حدوث أزمات كساد كبيرة واتساع رقعة البطالة وتراجع مستويات الدخل والأخطر ركود الأسواق..!
حرية التداول
وهنا يرى الخبير الاقتصادي المهندس جمال شعيب أن اقتصاد السوق الحر يعتمد على زيادة قوى السوق وتنظيماتها، ويتميز بحرية التداول والملكية الخاصة للشركات والموارد، ما يمنح الأفراد حرية اتخاذ القرارات الاقتصادية، يعكس هذا النظام الفلسفة الاقتصادية التي تعتبر حرية العمل والمنافسة أساساً لتحقيق التوازن وتعزيز الابتكار.
مضيفاً: نحن مع الاقتصاد السوري الحر، وفتح الأسواق أمام حرية تداول السلع، الأمر الذي يؤدي إلى منافسة شريفة وقوية، ومن ثم ثبات للأسعار وانخفاضها بصورة تدريجية، وتصبح السلعة في متناول يد الجميع.
ميزات هذه الأسواق الحرة ألأنها غير مركزية، أي إنها لا تعتمد على المركزية في اتخاذ القرارات، وهنا التاجر له حرية الاختيار، وعقد الصفقات التجارية، ووضع الأسعار وفق قوانين السوق، والتي تتماشى مع القوة الشرائية والمنافسة في السوق، دون تدخل الدولة بالصورة المباشرة فيها.
سنجر: الانتقال بالاقتصاد السوري من اللاهوية الاقتصادية إلى هوية اقتصادية واضحة تلغي منهجية الصح والخطأ وحسابات المنفعة الخاصة المتعلقة بأشخاص..
غايات متنوعة
وضمن الإطار ذاته يرى الخبير الاقتصادي ماهر سنجر أنه في حقيقة الأمر هناك عدة غايات، أهمها من وجهة نظري، هي الغايات غير الملموسة للأكثرية من الناس، حيث إن الغاية الأولى غير الملموسة من طرح نموذج اقتصاد السوق الحر، هو أولاً الانتقال بالاقتصاد السوري من اللاهوية الاقتصادية واتباع منهجية الصح والخطأ، والتجريب المطبقة سابقاً، والارتكاز لمنهجية المنفعة الخاصة، لجملة محددة من الأشخاص، إلى هوية اقتصادية واضحة، خاصة ليتم وفقاً لها بناء الاستراتيجيات الاقتصادية والمالية، والنقدية الرئيسية والتخطيط، والتنفيذ والتطوير وليتم التشبيك بين هذه الخطط والنهج السياسي العام لسوريا.
أما الغاية الثانية فهي التماهي العام بين النموذج الاقتصادي السوري، والنماذج الاقتصادية لدول الإقليم، حيث يطغى نظام السوق الحر في المنطقة، ما يجعل سوريا مرنة تجاه التغيرات الحاصلة في الدول القريبة، والتي تتشارك معها معظم المزايا التنافسية المتعلقة بالجغرافية والموارد، والبيئة والثقافة وتجعلها أكثر استعداداً للتشبيك الاقتصادي.
مزايا مشجعة
أما فيما يتعلق بالمزايا التي يحققها اقتصاد السوق الحر حددها “قرنفلة” في عدة نقاط أساسية تجعله نظاماً اقتصادياً متفوقاً، تعتبر تعزيز الكفاءة الاقتصادية أولى هذه المزايا، والمنافسة تشجع على تحسين جودة السلع والخدمات واستخدام الموارد بشكل أمثل، والابتكار وهنا تسعى الشركات دائماً لتقديم منتجات وخدمات جديدة لزيادة أرباحها، ما يعزز الحالة الابتكارية المستمرة، والاختيار الواسع، حيث يوفر هذا النموذج تنوعاً كبيراً في السلع والخدمات للمستهلكين.
بالإضافة إلى المرونة: فاقتصاد السوق الحر، يمكنه التكيف بسرعة مع التغيرات في العرض والطلب، وتشجيع الاستثمار، وهنا يوفر نموذج السوق الحر بيئة جاذبة للمستثمرين بسبب قلة القيود الحكومية.
فرص عمل وانخفاض بالأسعار
لكن هناك جانب مهم يتعلق بفتح الأسواق، أمام التجارة من وإلى سوريا ومدى تحقيقه للغايات المقررة من قبل الحكومة أكد المهندس قرنفلة أن اقتصاد السوق الحر يوفر العديد من الفوائد، بما في ذلك زيادة المنافسة، خفض الأسعار، تحسين جودة المنتجات، زيادة الابتكار، وتوسيع الخيارات للمستهلكين.
كما يسهم في تعزيز النمو الاقتصادي، وتوفير فرص عمل، وجذب الاستثمارات الأجنبية، ودخول المزيد من الشركات والموردين، ما يؤدي إلى منافسة أكبر بين الشركات، ويقلل من تكلفة السلع والخدمات ويزيد من جودتها. ويمكن للمبتكرين ورجال الأعمال إطلاق منتجات وخدمات جديدة، والتفاعل مع تطور احتياجات المستهلكين، ويسمح بتوسيع الأسواق وبشكل كبير.
الحكومة واستقرار الأسواق
وبالعودة إلى كيفية حماية اقتصادنا ومنتجاتنا المحلية من انفتاح السوق، يؤكد المهندس “قرنفلة” إلى أن هذا النظام على الرغم من أنه يعمل على تقليل التدخل الحكومي، إلا أن الحكومة قد تلعب أدواراً مهمة لضمان استقراره، حيث قد يكون عليها دور في تنظيم السوق لمنع الاحتكار، وحماية حقوق المستهلك، إضافة إلى ضمان سلامة المنتجات، فضلاً عن فرض ضرائب لتحصيل الإيرادات، على أن يتم تحقيق العدالة الضريبية، واتباع أسلوب الشفافية في التعامل مع التجار، وتعزيز الثقة بين الدولة وقطاع الأعمال، ونظراً لأن نظام السوق المفتوح قد يواجه تحديات مثل التفاوت الاجتماعي، وفشل السوق، فهذا يستدعي تدخل الحكومة لضمان التوازن والعدالة.
فعاليات مرافقة
وبوضوح أكثر حتى ينجح هذا النظام يرى “قرنفلة” أنه يتوجب على قطاع الأعمال وغرف الزراعة، والتجارة والصناعة، العمل على عقد اجتماعات وندوات فنية موسعة، بالتعاون مع كفاءات علمية واقتصادية، لتوضيح الآليات المطلوب من العاملين في المجالات الاقتصادية، وتبنيها واتباعها للانسجام مع النظام الاقتصادي الجديد، ومن المفيد أن تعمل الجامعات السورية على تعديل بعض المناهج التدريسية وخاصة في كليات الاقتصاد والتجارة للانسجام مع التحول المقرر.
كذلك مطلوب من أصحاب المصانع والمتاجر، تطوير وسائل وخطوط الإنتاج، لتحقيق قدرة تنافسية، وقد يكون من المفيد في المرحلة الأولى، إقامة شراكات بين الشركات المحلية الوطنية، وشركات أجنبية معروفة في مجالات الصناعة المختلفة، للاستفادة من خبرة تلك الشركات.
ومطلوب أيضاً العمل على إعادة دراسة القوانين، واللوائح والتشريعات المعمول فيها والتي تعوق التحول نحو اقتصاد السوق الحر، والأهم من ذلك قيام الدولة بإعادة دراسة العقد الاجتماعي، وتوفير مظلة حماية اجتماعية للشرائح الأكثر فقراً أو الأشد احتياجاً.
معوقات التحول
ومن جانب آخر أشار “قرنفلة” إلى وجود معوقات قد تبطئ سرعة التحول نحو اقتصاد السوق الحر، حيث إن تذبذب سعر صرف العملة المحلية، تجاه سلة العملات الأجنبية، وتفاوت أسعار السع، وتعرض البنية التحتية في البلاد للتخريب، والتراجع الكبير في النشاط الزراعي والصناعي، أي تراجع الإنتاج من السلع والمنتجات قد يكون عاملاً محدداً، لتطبيق نظام اقتصاد السوق الحر، لذلك لا بد من ترسيخ الاستقرار السياسي، وإعادة الإعمار وتأهيل وتحديث عمل مؤسسات الدولة، وتأكيد الاهتمام بالقطاعات الإنتاجية، وتهيئة مناخ الاستثمار إلى جانب تأمين الدعم المالي من المنظمات التمويلية العربية و الدولية، ويجب أن ندرك بأن عملية النمو الاقتصادي، هي بناء تراكمي من العمل والإنتاج، وصياغة سياسات اقتصادية واستثمارات مباشرة وغير مباشرة.
شعيب: الانفتاح غير المنظم يمكن أن يتحول “من نعمة إلى نقمة” وحدوث انعكاسات سلبية بسبب إغراق السوق المحلية بالمنتجات المنافسة للمنتجات الوطنية..!
عيوب واضحة
ويشاطره الرأي المهندس “شعيب” مع التوضيح بأنه من عيوب اقتصاد السوق الحر، حدوث أزمات كساد كبيرة نذكر منها على سبيل المثال: الانهيار الكبير الذي أصاب سوق العقارات العام 2008 إلى جانب البطء الشديد فيها، والأهم اتساع رقعة البطالة، وتراجع مستويات الدخل، دون تجاهل ما يحدث من حالة ركود في الأسواق، أي يمكن حدوث خلل في ميزان العرض والطلب، وتصبح الكميات التي تضخ في الأسواق أكثر من الحاجة إليها.
ويحاول هنا “شعيب” توضيح كيفية حماية المنتجات المحلية، في ظل الانفتاح الاقتصادي الذي نشهده اليوم، والذي يحمل صورة إيجابية متكاملة تفتح آفاقاً اقتصادية جديدة، يشعر من خلالها المواطن بالارتياح من توافر السلع والمنتجات، ويسهم إلى حد بعيد في توفير القطع الأجنبي من جهة، وإيجاد أسواق خارجية من جهة أخرى.
نعمة أم نقمة
إلا أن الانفتاح غير المنظم في رأي “شعيب” يمكن أن يتحول “من نعمة إلى نقمة” وحدوث انعكاسات سلبية بسبب إغراق السوق المحلية بالمنتجات المنافسة للمنتجات الوطنية، الأمر الذي يؤدي إلى إغلاق الكثير من الشركات والمصانع الوطنية، نتيجة فقدان الحماية واعتماد التجارة على حالة الانفتاح على الأسواق.
لذلك من الضروري جداً، الأخذ بعين الاعتبار حماية منتجاتنا الوطنية، وتشجيع الصناعة المحلية، من خلال مجموعة من المحفزات المالية والإجرائية، في مقدمتها فرض رسوم جمركية على المستوردات، وفرض ضميمة على المنتجات المستوردة، وخاصة المماثلة ولدينا فائض منها محلياً، بقصد حماية المنتج والحفاظ على العمالة الموجودة، لدى القطاع الخاص ومنع حدوث البطالة.
أيضاً لا بد من عملية تنسيق واضحة، مع غرف التجارة والصناعة الوطنية، والجهات الاقتصادية الأخرى، والمعنية باستقرار الأسواق، من أجل إيجاد آلية صحيحة لحساب التكاليف الفعلية للإنتاج، وذلك بقصد توفير مقومات المنافسة الشريفة للمنتج الوطني، من جانبي السعر والجودة للمنتجات المستوردة، إضافة لتنظيم عمل الرقابة المستمرة الصحي منها وحماية المستهلك من جهة أخرى.
والجانب المهم أيضاً دراسة تكاليف حوامل الطاقة، وتقديم الدعم للمنتجات المحلية، والتي تشكل العنصر الأكبر في حساب تكاليف الإنتاج، وترشيد عملية الاستيراد، وخاصة لجهة المواد والسلع المتوافرة محلياً، والتي تغطي حاجة الأسواق المحلية.
إلى جانب السعي المستمر لإيجاد أسواق خارجية، لتصريف المنتجات مع تقديم محفزات ودعم لزيادة فاعلية هذا الاتجاه نحو الأسواق العالمية، وإعادة الألق للسلعة السورية، التي غزت أكثر من 85 بلداً خلال الفترات الماضية، منها مواد غذائية وزراعية ونسيجية وأدوية وغير ذلك كثير.
كسر الاحتكار
وضمن الإطار ذاته “الدكتور ماهر سنجر خبير إدارة المخاطر” يقول في كيفية حماية اقتصادنا الوطني ومنتجاتنا المحلية من انفتاح الأسواق: إن مكافحة واحتواء التضخم ومكافحة الفقر، وضمان استمرارية الأعمال، والإسهام برفع عدد فرص العمل المتاحة (القضاء الفعلي على البطالة) وسهولة ترخيص الأعمال وتحسين الناتج المحلي الإجمالي، وتوفير البنى التحتية الملائمة، وتأمين روافد الصناعة، كحوامل الطاقة بأسعار مخفضة، هو البوابة الرئيسية لحماية الاقتصاد الوطني، كما أن كسر الاحتكار هو أحد أبواب هذه الحماية، إضافة إلى ما سبق يستوجب توجيه المناهج التعليمية نحو الريادة والابتكار، ونحو تخصصات أكثر في الإدارة، إضافة إلى رفع الرواتب، وتفعيل المؤسسات المالية بالشكل الأمثل، وفتح ورفع سقوف الإقراض للمشاريع، وعلى الأخص المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
منهجية طويلة الأمد
من هنا يرى الدكتور “سنجر” أن موضوع فتح التجارة على مصراعيها لا يحقق الغاية المطلوبة فوراً، بل هي منهجية طويلة الأمد، لذا كان من الجيد الانتظار لحين استقرار المؤسسات والهيئات، ولحين إصدار القوانين التي تؤكد على خلق حالة من التوازن، واجب تحقيقها ما بين الحرية الاقتصادية ومسؤولياتها، والحرية الاجتماعية ومسؤولياتها، كما أن موضوع ارتفاع معدلات الفقر والإرث الاقتصادي السابق، يعد تحدياً يضاف لجملة من التحديات الأخرى، كالتضخم المرتفع وضعف القوة الشرائية واستنزاف الموارد والهدر والفساد.
فرصة حقيقية
أما فيما يتعلق بفرص النجاح أمام المنتجات الوطنية لمواكبة تطورات انفتاح الأسواق والتغيرات الجديدة للحالة الاقتصادية يرى “سنجر” أنه هناك فرصة حقيقية، لكن أولاً على الشركات العمل على تهيئة نفسها من جديد، لمستوى عالٍ من المنافسة، كما عليها الاستثمار في الأشخاص الأكثر كفاءة، واللجوء إلى الدمج ما بين التكنولوجيا، وبين العمل التقليدي، وعليهم أولاً الإيمان بأن المنافسة هي حالة صحية لكل من المنتج والمستهلك، وبأن الجودة والسعر المناسب ثنائية واجبة التطبيق، وبأن الدمج بين التجارة التقليدية والإلكترونية، أصبح حقيقة واجب العمل عليها، كما أن حالة الاستجابة السريعة للمتغيرات الحاصلة، يتوجب أن تكون من أسس العمل التجاري والصناعي.
ببساطة وواقعية
ببساطة يمكن القول: الدخول إلى عالم الاقتصاد الحر، يتطلب إعادة نظر كلية للحالة الاقتصادية العامة في سوريا، ومرجعة القوانين والإجراءات، ومعالجة كل الثغرات المؤثرة في عملية الانتقال إلى الاقتصاد الجديد التي تتجه الدولة لاعتماده كحل للخلاص من المشكلات التي خلفها النظام السابق، إلى جانب تحقيق قضايا غاية في الأهمية، في مقدمتها تحسين مستويات الدخل، وتحقيق استقرار الأسعار، لكن يبقى السؤال هنا هل تستطيع الحكومة تنفيذ ذلك في ظل ظروف، أقل ما نسميها صعبة للغاية..؟!