يشهد قطاع الطيران المدني في سوريا انتعاشاً تدريجياً، مع عودة عدد من شركات الطيران العربية والأجنبية إلى تسيير رحلات منتظمة نحو العاصمة دمشق، بعد سنوات من الانكماش والعزلة نتيجة الحرب والعقوبات.
ويُنظر إلى هذا الحراك الجوي المتسارع بوصفه خطوة محورية على طريق استعادة موقع سوريا ضمن خارطة النقل الجوي الإقليمي والدولي، في ظلّ جهود حكومية لتأهيل المطارات، وتحديث البنية التحتية، وتدريب الكوادر العاملة في هذا القطاع الحيوي.
وفي سياق متصل، أكد مدير عام الخطوط الجوية السورية، سامح عرابي، أن عملية تسديد الرديات المالية العالقة للمسافرين عن الحجوزات القديمة ستُستكمل بالكامل خلال مدة أقصاها 60 يوماً، موضحاً أن المؤسسة أعادت حتى الآن أكثر من 6 مليارات ليرة سورية، وهو ما يمثل 22 بالمئة من إجمالي الرديات، على أن يُعاد نحو 4.8 مليارات ليرة إضافية قريباً.
وأشار عرابي إلى أن الخطوط السورية تعمل على رفع عدد الطائرات الجاهزة للخدمة إلى خمس طائرات خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، لافتاً إلى أن المؤسسة تُسير حالياً أربع رحلات يومية تغطي وجهات عربية رئيسية: منها الشارقة، دبي، أبو ظبي، الرياض، جدة، الدمام، الدوحة، والكويت، إلى جانب التحضير لإطلاق رحلات إلى ليبيا، في حين يجري التباحث لإعادة تسيير الرحلات إلى مصر رغم وجود عوائق خارجة عن إرادة المؤسسة.
وكانت شركة “فلاي دبي” الإماراتية قد أعلنت في 22 أيار 2025 استئناف رحلاتها المباشرة إلى دمشق اعتباراً من شهر حزيران، بعد توقف دام أكثر من 12 عاماً.
وأوضح الرئيس التنفيذي للشركة، غيث الغيث، أن دمشق تحتل موقعاً مهماً في شبكة فلاي دبي باعتبارها وجهة تاريخية وثقافية بارزة منذ انطلاق الشركة عام 2009، مؤكداً أن هذا القرار تم بالتنسيق مع هيئة الطيران المدني الإماراتية ضمن خطة لإعادة ربط سوريا جوياً بالتجارة والتنقل الإقليمي.
من جهتها، كشفت شركة “دان إير” الرومانية عن بدء تشغيل رحلات مباشرة إلى دمشق اعتباراً من 15 حزيران، عبر مسارات تربط العاصمة السورية بمدن أوروبية منها بوخارست، فرانكفورت، برلين، وستوكهولم، وذلك استناداً إلى اتفاقيات ثنائية موقعة حديثاً مع الحكومة السورية.
وفي تطور لافت على الصعيد الأوروبي، أجرت بعثة فنية تابعة لشركة “لوفتهانزا” الألمانية جولة ميدانية في مطار دمشق الدولي بتاريخ 21 أيار 2025، لتقييم الجاهزية الفنية والتشغيلية للمطار، إضافة إلى فحص معايير السلامة والخدمات الأرضية، تخللها اجتماع موسّع مع مسؤولي هيئة الطيران المدني السورية لبحث إمكانية استئناف الرحلات المباشرة بين ألمانيا وسوريا وفق الأطر الأوروبية.
وعلى المستوى الإقليمي، شهدت الأجواء السورية عودة تدريجية لشركات عربية كبرى، من بينها الخطوط الجوية القطرية، التي بادرت إلى استئناف رحلاتها في مطلع العام الجاري، تبعتها الخطوط التركية، والملكية الأردنية، في مؤشّر واضح على انفتاح متدرج تجاه السوق السورية، مدفوعاً باستقرار نسبي في الأوضاع ورفع جزئي لبعض العقوبات.
وفي هذا السياق، أعلنت الخطوط الجوية السورية زيادة عدد رحلاتها إلى دبي والشارقة اعتباراً من الأول من حزيران، استجابةً للطلب المتزايد من الجاليات السورية والمسافرين، بما يعكس توجهاً نحو توسيع الشبكة الجوية وتفعيل الوجهات المتوقفة.
ويُذكر أن قطاع الطيران المدني السوري كان من أكثر القطاعات تضرراً خلال سنوات الحرب التي بدأت عام 2011 تحت حكم نظام الأسد، حيث أدى الصراع إلى تدمير واسع في البنية التحتية للمطارات، وتجميد نشاط الطيران التجاري.
كما فرضت العقوبات الدولية، لا سيما من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، قيوداً صارمة على حركة الطيران السوري، شملت حظر الطيران في الأجواء الأوروبية والأمريكية، إلى جانب عقوبات اقتصادية طالت شركات النقل الجوي والمطارات ومزودي الخدمات، ويشكل رفع العقوبات فرصة كبيرة لاستعادة نشاط الحركة الجوية.
ورغم هذه التحديات، يشير المراقبون إلى أن التحركات الأخيرة تمثل بداية تحول تدريجي في واقع الطيران السوري، مدفوعة بانفتاح إقليمي متزايد، وتحسينات جارية على البنية التشغيلية للمطارات، وسط آمال بأن يستعيد هذا القطاع موقعه بوصفه أحد أهم روافع الاقتصاد الوطني في مرحلة إعادة الإعمار القادمة.