وبالرغم من ذلك ما زال بعض السوريين ينظرون بعين الترقب، وما زال الركود الاقتصادي الغامض الأسباب- حسب تعبيرهم، يلقي بآثاره الثقيلة عليهم، بين الوضع المعيشي الصعب، وضعف الرواتب التي لا تغطي إلا جزءاً يسيراً من تكاليف المعيشة.
قبل التحرير وبعده
“أصبح الناس أقل إقبالاً من السابق، رغم كثرة المواد ورخصها..” هذا ما قاله صالح- بائع الخضار في منطقة قدسيا، وأضاف: “ليس هناك بيع بشكل كبير، فالناس يشترون الضروريات بكميات قليلة، ما كنا نبيعه بيومين أو ثلاثة بات يحتاج أسبوعاً أو أكثر”.
أما سوزان المصري، المتخصصة بالطبخ المنزلي والحلويات، ومسؤولة عن صفحة على الفيسبوك، فقالت: الوضع الاقتصادي بات مريحاً بشكل واضح، ويكفي أن السلع متوافرة بعد أن كانت شحيحة وباهظة الثمن جداً، مثل الرز وزيت الزيتون الذي وصل سعر اللتر منه إلى 100 ألف ليرة!، وبالنسبة لعملي أصبح هامش الربح الآن أفضل من سابقه، ولكن بالرغم من ذلك فقد شهد عملي حالة ركود أدت لتراجع دخلي الشهري، الذي أنفق منه على أسرتي، وأضافت: للأسف باتت الزبائن أقل إقبالاً بشكل لافت عن السابق.
وترجح أن أسباب هذا الركود في حركة البيع والشراء، يعود إلى تحكم رجال النظام المخلوع بالعرض والطلب والسلع، فعند التحرير هرب غالبية من كانوا قائمين على الحركة الاقتصادية، في المدن السورية، ما أدى لقلة فرص العمل وإغلاق بعض المؤسسات التي تعود ملكيتها لهم بشكل كامل، بالإضافة لحالة الترقب والحذر من قبل التجار والحرفيين، بسبب تذبذب سعر صرف الليرة مقابل الدولار.
راتب قليل ومصروف كبير
تقول أمل شموط- ربة منزل: لم أشعر بالفرق لسوء وضعي المعيشي، مع أملي الكبير بتحسن الواقع المعيشي، ليس لي فقط بل لكثير ممن يعانون ضعف القدرة الشرائية، مضيفة: كان الوضع صعباً جداً قبل التحرير على جميع الصعد وليس فقط الصعيد الاقتصادي، إلا أن وضعي ووضع عائلتي المادي لم يتغير.
وتابعت: كانت المواد الأساسية، نادرة وغالية جداً، فأسطوانة الغاز كلّ ثلاثة شهور، كانت عبر البطاقة الذكية بـ 20 ألف ليرة، إلا أننا كنّا مجبرين على شراء أسطوانتين أو ثلاث أسطوانات خارج البطاقة، وختمت كلامها: رغم توافر كل السلع، لكن المردود ما زال قليلاً جداً ولا يتناسب مع حاجة الأسرة على الإطلاق.
أما ولاء السيد عبيد، فقالت: إن كل شيء بات متوافراً، فطبق البيض الذي كان ممنوعاً على أسرتي، إلا بشرائه بالمفرق، كبيضة أو اثنتين، بات موجوداً بـ 20 ألفاً، بينما كان سعره السابق 75 ألفاً، ولم نكن نقدر على شرائه لعدم وجود أي وارد، إلا من مساعدات خجولة من بعض الأقرباء خارج البلاد.
وفي مقارنة بين حال الناس قبل التحرير وبعده، فكانت الحالة الاقتصادية سابقاً- وبحسب خبراء- كارثية على جميع الصعد، كان المتحكمون بأعمدة الاقتصاد ومفاصل الدولة فاسدين، ما أسهم بخلق حالة من الركود الاقتصادي وتردي الوضع العام للناس، فعلى سبيل المثال لا الحصر، كانت هناك مواد غذائية بعيدة المنال بالنسبة للغالبية العظمى من السوريين، كالفواكه، بينما كانت اللحوم حلماً غير قابل للتحقق، إذ زاد ثمن الكيلو غرام الواحد على 200 ألف ليرة في فترة من الفترات، في وقت لم يكن يتجاوز فيه راتب الموظف 30 دولاراً، ويحتاج شراء السلع وتكاليف الطبابة والمحروقات وغيرها من التكاليف اللازمة أضعاف أضعاف هذا المبلغ.
الخروج من عنق الزجاجة
في حديث خاص لصحيفة الثورة مع الباحث الاقتصادي الدكتور فراس شعبو أوضح أن المثل الذي يقول: “الجمل بفرنك وما في فرنك”، يعبر عن وضع المواطن حقيقة، فهناك حالة تخبط اقتصادي مترافقة مع عدم خروج أي جهة رسمية لشرح ما يجري، مع انعدام أي إحصائيات رسمية أو أرقام حقيقية للوضع الاقتصادي الحالي.
وأضاف: هناك فارق كبير بين التسعير وبين سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار، فالناس يصرفون الدولار بين 9 – 11 ألف ليرة، بينما سعر شراء المواد والسلع يناهز الـ 18 ألف ليرة سورية!.
مشيراً إلى أنه توجد فجوة كبيرة بين التحسن السطحي غير الملموس، واستمرار الأسعار في الانخفاض وضعف القدرة الشرائية.
دعم كاذب
الأسعار، الذي كان يتبدل بين ليلة وضحاها، ناهيك عن انهيار سعر الليرة مقابل الدولار.
وأوضح أنه أصبح الآن نشاط تجاري غير مسبوق، ودعم حكومي ملحوظ للحركة الاقتصادية، ومنافسة تجارية إيجابية في حركة الاستيراد، خاصة بعد فتح المعابر مع الدول الأخرى، ومع رفع الحواجز وفتح المدن على بعضها في الشمال والجنوب، ما أدى لانتشار المواد والسلع المتنوعة وإغراق السوق التجارية بها.
وأضاف: قد تعتبر حركة إغراق السوق بالمنتجات المستوردة حلاً مؤقتاً، ولكن هذا قد لا يشكّل نقطة انطلاق جيدة وقوية لمصلحة الاقتصاد السوري بشكل كاف، وحذر من جعل سوريا مكب نفايات للسلع من الخارج، ويجب التصدي لذلك، وتفعيل أنشطة اقتصادية محلية لرفع الوضع الاقتصادي بشكل فاعل، و ضبط جودة المنتجات المستوردة.
لا للتنظير
وفي ظلّ التحديات التي تواجهها الحكومة السورية بعد التحرير، أوضح الدكتور شعبو أنه “يجب أن لا نكون تنظيريين ومثاليين، فهناك عبء كبير جداً على الحكومة الحالية، خاصة مع الكم الهائل من الفساد الذي لا تزال آثاره واضحة، يترافق مع ضغط خارجي وداخلي ومطالب كبيرة مع محدودية قدرة الدولة، إلا أن هذا لا يمنع وجود الكثير من الحلول والخطوات التي تسرع في عملية تحسين الاقتصاد السوري.
وختم الدكتور شعبو: إن ثمة إجراءات عديدة يمكن للحكومة اتباعها لتحسين الاقتصاد السوري، ورفع القدرة الشرائية لدى المواطنين، ألا وهي تحسين جوهر العدالة الاجتماعية ككل ورفع سوية المواطن المعيشية، ومن ضمن الإجراءات الإيجابية: الدعم النقدي المباشر، وتقديم المساعدات للأسر التي تعاني من هشاشة، بالإضافة لفرض الضرائب على السلع الكمالية، وتقديم الدعم للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، ودعم برامج الأغذية العالمي، وإيجاد قوانين تسهل العمل بشكل خاص الأعمال الصغيرة والمتناهية الصغر، أيضا تحسين الخدمات، ومن أهمها تحسين أسعار الوقود، كلّ هذا يقلص العبء على المواطن ويسرع عملية التعافي الاقتصادي”.
وفي حالة الترقب يبقى هناك تحدّ كبير للحكومة والمواطن على حد سواء، وحسب خبراء، فالحكومة مطالبة بتقديم خطّة سريعة وحقيقية لإنقاذ الوضع الاقتصادي والاجتماعي، أما المواطن فهو مطالب بالصبر والتريث وعدم الحكم المباشر على الفترة الانتقالية التي تعيشها سوريا، والعمل الحثيث على بناء سوريا الغد، فالطرفان في خندق واحد، والحقيقة التي يتفق عليها الجميع، هي رؤية الاقتصاد السوري في مصاف الاقتصاد العربي والعالمي.