هذا ليس حلماً بل هو الواقع الجديد.. فرصٌ استثمارية بقيمة 400 مليار دولار تلوح بالأفق لدولة عانت من وطأة العقوبات والصراع

تفتح أبواب استثمارات الغرب والشرق أمام سوريا الجديدة التي وصفها الرئيس أحمد الشرع فرصة الشرق في زمن الخراب وفرصة الاستقرار في زمن الأزمات والحروب، فدعونا نستثمر الفرصة السانحة ونأخذ واجبنا بحقه.

بدء عملية الإنعاش الاقتصادي الذي يُشكل بوابة ضرورية للاستقرار.. أكثر من 500 شركة تقدمت بطلبات لفتح فروع لها داخل سوريا

وذلك خلال الفعالية الجماهيرية “حلب مفتاح النصر” على مدرج قلعة حلب.
كلمات الرئيس الشرع رغم أنها كانت موجهة للسوريين وتحثهم في قادم الأيام على العمل بحدية واتقان بعد أن تغيرت الظروف المحلية والاقليمية والدولية.. إلا أنها كانت إعلاناً واضحاً عن بدء عملية الإنعاش الاقتصادي الذي يُشكل بوابة ضرورية للاستقرار.

أكثر من 500 شركة

منذ بداية العام الجاري تقدمت أكثر من 500 شركة بطلبات لفتح فروع لها داخل سوريا.
وباتت تلوح في الأفق فرصٌ استثمارية ضخمة ورغم وجود بعض المخاطر إلا أن المكاسب الكبيرة والاستثمارات المفتوحة تجعل الجميع يتجاوز المخاطر وفعلياً فإن مليار دولار تلوح في الأفق لدولة عانت لسنوات من وطأة العقوبات والصراع.. هذا ليس حلماً، بل هو الواقع الجديد الذي يبدأ في التشكل أمام سوريا بعد رفع العقوبات الأميركية والأوروبية.
وفيما يضع حدوداً للتنمر الاسرائيلي أعلنت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية تامي بروس أنّ الولايات المتحدة تتعاون مع شركائها الإقليميين والدوليين لفتح باب الاستثمار في سوريا، مشيرة إلى أن قرار رفع العقوبات يعزز هذا التوجه.
وفي تصريح صحفي نشر على موقع الخارجية الأمريكية، قالت بروس: “اتخذنا خطوات رئيسية لتنفيذ رؤية الرئيس دونالد ترامب بشأن شرق أوسط مزدهر وسوريا مستقرة، ونحن نتعاون مع شركائنا لفتح باب الاستثمار في سوريا”.
ونوهت بروس بالإجراءات التي اتخذتها الإدارة الأمريكية مؤخراً، بما فيها الإعفاء لمدة 180 يوماً من العقوبات المفروضة على سوريا بموجب قانون قيصر، وذلك لضمان عدم إعاقتها للاستثمارات، وتعيين السفير الأمريكي لدى تركيا توماس باراك كمبعوث خاص إلى سوريا.

250 مليار دولار مخصصة لإعادة الإعمار و40 مليار دولار لإعادة تأهيل قطاع الكهرباء.. الأرقام تتحدث عن نفسها معلنة قرب عودة سوريا كلاعب اقتصادي قوي بالمنطقة

تأهيل قطاعات حيوية

فمن إعادة الإعمار إلى تأهيل قطاعات حيوية كالكهرباء والنفط والسياحة، بدأت الأرقام تتحدث عن نفسها، معلنة عن قرب عودة سوريا كلاعب اقتصادي قوي في المنطقة.
ومنذ رفع العقوبات.. يفتح الباب أمام استثمارات ضخمة في سوريا تقدّر بـ 400 مليار دولار، منها 250 مليار دولار مخصصة لإعادة الإعمار، و40 مليار دولار لإعادة تأهيل قطاع الكهرباء وبناء محطات جديدة.
قرابة 100 مليار دولار ستوجه لتأهيل قطاعات حيوية مثل النفط والغاز، السياحة، الصناعة، والزراعة.
وخلال أسبوعين فقط من رفع العقوبات، أعلنت موانئ دبي العالمية عن أكبر استثمار في سوريا حتى الآن بقيمة 800 مليون دولار لتطوير ميناء طرطوس.
كما أعلنت شركة CMA CGM الفرنسية عن استثمار بقيمة 262 مليون دولار لتطوير ميناء اللاذقية.
وتم توقيع مذكرة تفاهم مع شركة فيدو للمقاولات الصينية لاستثمار مناطق حرة بمساحة تتجاوز المليون متر مربع.

سوريا أمام عصر ذهبي واستثمارات ضخمة بانتظار من يقتنصها .. والحكومة الجديدة تعيد رسم -من الصفر- مقدرات الاقتصاد السوري بشكل جديد وواضح

موانئ سوريا.. بوابة جديدة للاستثمارات الأجنبية

للحديث عن الفرص الاقتصادية الهائلة التي تنتظر سوريا بعد رفع العقوبات الأميركية والأوروبية قال الرئيس التنفيذي لشركة ويكو للاستشارات الاقتصادية الدكتور باسم شقفة، في تصريح إعلامي أن الاقتصاد السوري قبل سقوط النظام البائد لم يكن يمتلك ملامح حقيقية، بل كان “مسخاً”، والمؤسسات كانت غير فاعلة بشكل احترافي. وبعد سنوات الصراع، تدهورت البنية التحتية بشكل كامل.
ويؤكد أن أولوية الأولويات الآن هي البنية التحتية، لافتاً إلى أزمات الكهرباء والمياه بشكل خاص ويقترح خصخصة القطاعين، سواء بالكامل أو عبر شراكات مع الحكومة، لتسريع عملية إعادة البناء.

المخاطر وجاذبية الاستثمار

وحول مخاوف البعض من أن الاستثمار في سوريا لا يزال يحمل مخاطر عالية، حتى بالنسبة للشركات الكبرى مثل موانئ دبي العالمية وCMA CGM الفرنسية، يرى الدكتور شقفة أن حجم الفرص غير المستغلة في سوريا كبير جداً، وهذا ما يدفع المستثمرين لأخذ المخاطر.
وعن السر في أن تكون الموانئ هي باكورة الاستثمارات الأجنبية؟ يوضح أن الموقع الجغرافي لسوريا استراتيجي للغاية “بوابة على أوروبا من البر والبحر شمالًا وغربًا”، ومن جهة الشرق والجنوب تربطها بالشرق الأوسط والشرق الأقصى. وهذا يفسر جاذبيتها. بالإضافة إلى ذلك، تشغيل الموانئ أسرع، وهي تعمل الآن، وإن لم تكن بكامل طاقتها وبشكل احترافي. وبالتالي فإن دخول شركات عالمية مثل موانئ دبي العالمية -أحد أهم مشغلي الموانئ في العالم- يمثل نقلة نوعية وبداية جيدة.

فرص ذهبية للاستثمار في سوريا

وقعت الحكومة السورية اتفاقيات استثمارية بقيمة مليار و60 مليون دولار لتطوير وتشغيل اثنين من أهم موانئها، والهدف من هذه الاستثمارات ليس مجرد إعادة تشغيل، بل رفع الطاقة الاستيعابية لميناء اللاذقية من نصف مليون حاوية إلى ثلاثة ملايين حاوية سنويًا!

مفتاح النجاح

ويقول الخبير الاقتصادي هشام خياط قبل عام 2011، كانت الموانئ السورية تحقق إيرادات سنوية تتراوح بين 100 و150 مليون دولار. لكن بسبب الحرب، انخفضت إلى أقل من 40 مليون دولار.
السوريون يمتلكون 4273 سفينة تجوب بحار العالم! ومعظم هذه السفن توقفت عن العمل في الموانئ السورية، وهي اليوم ترفع أعلاماً غير سورية!
ويؤكد خياط أن العلاقات الدولية والإقليمية هي أحد المحاور الأساسية للنهضة الاقتصادية، لافتاً إلى أن عودة سوريا إلى الحضن العربي كانت خطوة محورية، حيث لعبت المملكة العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة، وقطر دوراً فاعلاً في إعادة بناء الثقة بين سوريا والولايات المتحدة والمجتمع الأوروبي. وسوريا، التي تبنت الفكر الاشتراكي لعقود، بحاجة اليوم إلى إعادة بناء هذه الثقة.
ويرى أن الحكومة الانتقالية تستثمر بقوة في هذا المجال، وهناك دعم عربي واسع للنهضة الاقتصادية السورية. مردفاً: “لا أعتقد بأن هناك أية دولة عربية اليوم عندها أي مشكلة مع النهضة الاقتصادية لسوريا… يجتمع عليها العرب هذا بكل تأكيد”.

استلهام التجربتين الإماراتية والسنغافورية

مفتاح نجاح المرحلة القادمة هو “الوقوف على مسافة واحدة من الجميع. والعلاقات الدولية التي كانت متهالكة وغير موجودة بسبب “شعارات شعبوية ” قد ولت.
المرحلة الجديدة تتطلب شعاراً واحداً: التنمية الاقتصادية. كل ما عدا ذلك هو “مضيعة للوقت”.
وعلى المستوى الداخلي، فإن هناك تعطلاً في مؤسسات الدولة، لكنه مؤقتٌ و الحكومة السورية تعمل “بمنطق خلية النحل” وتسابق الزمن لإعادة بناء هذه المؤسسات من “تحت الصفر”.
ويمكن الاستفادة من تجارب دول مثل سنغافورة والإمارات العربية المتحدة في بناء المؤسسات والحوكمة. فالتجربة الإماراتية، على سبيل المثال، تقدم نموذجاً رائعاً في الحوكمة وتقييم أداء المؤسسات، وهذا “يسرع العملية”.
وسوريا أمام عصر ذهبي.. واستثمارات ضخمة بانتظار من يقتنصها

قطاعات واعدة

بالإضافة إلى الموانئ، يرى خبراء أن قطاع السياحة سيكون له دور كبير، حيث تتمتع سوريا بطبيعة خلابة. كما يتوقع عودة المصانع والمنشآت السورية التي هاجرت خلال الـ 15 عاماً الماضية.
أما عن أداء الحكومة الانتقالية، فثمة ضرورة أن تكون هناك آليات لتقييم الأداء والحوكمة. ومن المتوقع أن نلمس بوادر التغيير في هذا الصدد “خلال عام” واحد.
وبشأن القطاعات الأخرى التي ستشهد استثمارات بعد الموانئ، كالنفط والغاز، فيبدو أن هذا القطاع “إشكالي نوعاً ما” ويتداخل مع تعقيدات تتطلب حلولًا شاملة.

تعيد الرسم من الصفر

ويرى خبراء اقتصاديون أن أهمية قطاع السياحة مقوماته أن سوريا “حباها الله بطبيعة خلابة جداً”. لكن البنية التحتية لهذا القطاع، حتى قبل الأزمة، كانت “غير مؤهلة” بشكلها السابق. هذا يعني أن الحكومة الجديدة “تعيد الرسم من الصفر” لخارطة هذا القطاع، وتعمل على بناء “مقدرات الاقتصاد السوري” بشكل جديد وواضح.
وبالنسبة للقطاع الصناعي، يرى الدكتور شقفة أن (عودة رؤوس الأموال والمصانع المهاجرة) أمر حتمي. فكثير من المصانع والمنشآت السورية هاجرت خارج سوريا خلال الخمسة عشر عامًا الماضية، وتأسست في دول الجوار ودول عربية وأجنبية. عودة هذه المصانع والاستثمارات تشكل رافداً مهماً جداً للنمو الاقتصادي.

البداية في القطاعات الحيوية تدريجياً.

في “خلال عام” واحد، يجب أن نلمس بوادر التغيير في موضوع التقييم والحوكمة.
التغيير حتماً سيكون تدريجياً، لكن يجب أن تكون هناك مؤشرات واضحة للتقدم.
الوقت قد حان لسوريا للانطلاق، ويجب أن تكون التنمية الاقتصادية هي الأولوية القصوى للحكومة والمجتمع معاً.

شارك