لا شك أن أزمة الكهرباء الحادة، وعلى مدار سنوات طويلة، أرخت بثقلها على كل القطاعات الاقتصادية والحياتية، والحلول العقيمة التي كانت تلجأ إليها الحكومات المتتالية كانت تهدف إلى زيادة إيراداتها على حساب المنتج والمواطن، الأمر الذي أسهم بشكل كبير في ارتفاع التضخم وارتفاع الأسعار، وفي ضعف القدرة التنافسية للمنتج السوري في الأسواق الخارجية.
أستاذ الاقتصاد في جامعة حلب الدكتور حسن حزوري، أكد أهمية الاتفاقية التي تم توقيعها بين وزارة الطاقة السورية ومجموعة UCC العالمية بحضور الرئيس أحمد الشرع، ووصفها بالخطوة الاستراتيجية المهمة للاقتصاد السوري.
واستعرض الأستاذ الجامعي في حديثه لـ “الثورة” أهمية وآثار الاتفاقية المحتملة على عدة مستويات، معتبراً أن ضخ استثمارات ضخمة بقيمة 7 مليارات دولار يمثل دفعة قوية للاقتصاد الذي يعاني من تراجع حاد في البنية التحتية منذ سنوات الحرب، لافتاً إلى أنه سوف يجذب اهتمام المستثمرين الإقليميين والدوليين مستقبلاً.
دعم مباشر للقطاعات
وحول انعكاس زيادة إنتاج الطاقة 5000 ميغاواط على تخفيف أزمة الكهرباء الحادة، أكد أنه سوف يسهم في دعم عمليات الإنتاج في القطاعات الصناعية والزراعية والتجارية، وفي تحسين جودة الحياة للمواطنين وزيادة ساعات التغذية الكهربائية. كما أنه سيسهم في تعزيز الاكتفاء الذاتي، وتقليل الاعتماد على الواردات من الطاقة، وتوجيه الموارد الوطنية نحو تنمية مستدامة.
ونوه حزوري بأن زيادة الإنتاج ستنعكس إيجاباً على القطاع الصناعي، فتحسين استقرار الكهرباء يعزز من كفاءة المصانع ويقلل من الكلف التشغيلية، ويشجع الصناعات الثقيلة والمتوسطة على العودة أو التوسع. كما يسهم في القطاع الزراعي بزيادة إمكانية استخدام الطاقة في الري والتخزين والتبريد، ما يرفع الإنتاجية ويقلل الهدر، ويتيح إقامة مشاريع زراعية تعتمد على مصادر متجددة.
وفي القطاع التجاري والخدمي، يُشجّع استقرار الكهرباء على فتح متاجر ومراكز خدمات جديدة، ويدعم أنشطة الأعمال الصغيرة والمتوسطة (SMEs)، ولاسيما في المناطق المتضررة. كما أن مشاريع الطاقة تخلق آلاف فرص العمل وتساهم في إعادة النشاط الاقتصادي إلى المناطق المتأثرة.
وأكد حزوري أن الاتفاقية تفتح الباب أمام إدخال تقنيات حديثة صديقة للبيئة في قطاع الطاقة، ما يجعل سوريا جزءاً من التحول الإقليمي والعالمي نحو الطاقة المستدامة، مشيراً إلى أن الاتفاق يعكس إشارات لانفتاح اقتصادي إقليمي نحو سوريا، وقد يمهد الطريق لتفاهمات أوسع في ملف إعادة الإعمار، خصوصاً مع شراكة كيانات خليجية مؤثرة مثل مجموعة أورباكون القطرية.
وختم بالقول: بالنتيجة هذه الاتفاقية يمكن أن تشكل نقطة تحوّل في الاقتصاد السوري إذا تم تنفيذها بفعالية وشفافية. وآثارها لن تقتصر فقط على قطاع الطاقة، بل تمتد لتنعكس إيجاباً على كل القطاعات الحيوية، وتساعد على خلق فرص عمل وتحسين البيئة الاستثمارية، ما يعزز من استقرار الاقتصاد وتمهيد الطريق لنهضة تنموية شاملة.
عصب اقتصادي رئيسي
الأستاذ الجامعي عقبة سليمان وفي حديثه لـ”الثورة” قال: لا يخفى على غير المختصين قبل المختصين أهمية الطاقة في جميع نواحي الحياة، وخاصة الاقتصادية، كونها العصب المشغل لآلة الصناعة أولاً، والمنير الأهم لبقية القطاعات. كما لا يخفى على المختصين الأثر الكبير للاستثمار الأجنبي المباشر، الذي طالما كان أحد أهم عوامل انتعاش الاقتصادات النامية في كثير من البلدان.
وأضاف: من هنا تبرز الأهمية المزدوجة للاتفاقية الموقعة بين الجانبين القطري والسوري لاستكمال مشروع توليد 5000 ميغاواط خلال 18 شهراً، فمن جهة أولى، تعتبر باكورة جوهرية لبدء تدفق رأس المال الأجنبي المباشر إلى الاقتصاد السوري. ومن جهة أخرى، وربطاً بما يتم توفيره حالياً من الطاقة الكهربائية في سورية والبالغ حوالي 1200 ميغاواط، فمن المتوقع أن توفر هذه الاتفاقية تحسناً في نتائج المفاصل الحياتية والاقتصادية بأربعة أضعاف تقريباً.
ورأى سليمان أن الأبرز في أهمية هذه الاتفاقية يتجلى في هذا الوقت بالذات، والذي يعتبر البداية الحقيقية لإعادة الإعمار، بما توفره من دعم للاقتصاد السوري في عدد من الجوانب، أهمها ما يمكن أن توفره من قدرة تشغيلية للمعامل والورش الصغيرة والمتوسطة وحتى الكبيرة، وما لذلك من آثار كبيرة على طاقة هذه الكيانات الصناعية الإنتاجية. الأمر الذي يمثل الدفعة الأولى الأهم للاقتصاد السوري.
تأثير اجتماعي واقتصادي
وأشار أستاذ الاقتصاد أن الاستثمار المرافق لهذه الاتفاقية سيوفر فرص تشغيل واسعة لليد العاملة السورية، وهو ما ينعكس بشكل جوهري على الحالة الاجتماعية والاقتصادية للأفراد، وبالتالي على الطلب على السلع والخدمات الأخرى، وما يرتبط بذلك من تحريك للعجلة التجارية، وارتفاع معدل دوران النقد.
فضلاً عن انعكاس ذلك على تحسن الحالة الاجتماعية لعدد جيد من الأسر السورية، وبالتالي تأثيره في البدء بترميم الناتج المحلي الإجمالي تباعاً.
وأشار إلى ما يرافق هذا الاستثمار من تدفق للقطع الأجنبي، يُغذي سلة العملات الأجنبية في البنك المركزي، مما يعني دفعة أولى لعجلة التحسن النقدي، وتعزيزاً لقيمة العملة الوطنية، وبدء السيطرة على معدلات التضخم الجامحة.
ولفت إلى وجود جوانب غير مباشرة لتوفر الطاقة الكهربائية، أنها تبدأ بالحالة النفسية للمواطنين، مروراً بتشغيل عدد كبير من الحرف والأعمال القائمة على الكهرباء، وحتى شبكات الإنترنت التي تتأثر بالتغذية الكهربائية، ولكل ذلك نتائج مباشرة وغير مباشرة على الحالة الاقتصادية الفردية. ناهيك عن زيادة تشغيل البنوك والمصارف السورية، إضافة إلى فرصة كبيرة لشركات التأمين للمشاركة في تأمين مختلف المطارح التأمينية المنبثقة عن هذا الاستثمار، سواء التأمينات الشخصية أو الهندسية، فضلاً عن إمكانية المساهمة في تأمين الطاقة، ولو بنسب ضئيلة في البداية.
واعتبر سليمان أن هذه الاتفاقية تمثل الخطوة الحقيقية الأولى للاقتصاد السوري نحو الطاقة النظيفة، بحسب ما جاء في أحد بنودها حول الطاقة الشمسية، مما يعني إمكانية الاستفادة من هذه التجربة وتعزيزها باتفاقيات أخرى. وهذا يدفع بالاقتصاد السوري نحو التنمية المستدامة، التي تعتبر الطاقة البديلة إحدى أهم محدداتها.”
انفتاح دولي جديد
ونوه بالدور الإيجابي للاتفاقية بالغ الأهمية على صعيد العلاقات الدولية والتعاون الدولي، إذ تمهد الطريق لدخول شركات عربية، إقليمية، وعالمية، وحتى شركات متعددة الجنسيات، للاستثمار في السوق السورية، وما لذلك من أثر بالغ في استعادة العافية الاقتصادية بشكل سريع.
وختم سليمان حديثه بالقول: يتوقع أن يتم استثمار هذه الاتفاقية من الجانب السوري بالشكل الأمثل، بما يعزز مكانة سوريا بين الدول المكتفية ذاتياً بالطاقة الكهربائية والطاقة المتجددة، تمهيداً للانتقال في المستقبل المتوسط إلى تصدير الطاقة إلى دول الجوار وحتى الدول الأبعد، أقل ما يمكن أن يقال عن هذه الاتفاقية إنها تمثل ضوء الأمل الأول لإعادة الإعمار الحقيقية التي طال انتظارها من قبل كل السوريين.