رأى كبير خبراء برنامج الخليج العربي للتنمية- الخبير الاقتصادي السوداني الدكتور بدر الدين عبد الرحيم ابراهيم أن الاختلاف بين المصارف التقليدية والمصارف الإسلامية يكمن في أن المصارف التقليدية تعتمد في المقام الأول على الديون مع التركيز على نقل المخاطر للعملاء، في حين تعتمد المصارف الإسلامية على الأصول وتؤكد على تقاسم المخاطر.
قيود الدمج
وقال إبراهيم في محاضرة له تحت عنوان “النموذج التشاركي العالمي الجديد في مجال التمويل الأصغر”، عرض فيها رؤيته وخبرته في هذا المجال، والتي جاءت تلبية لدعوة من مصرف الإبداع للتمويل الأصغر- سوريا، وبرعاية من شريكه الاستراتيجي، برنامج الخليج العربي للتنمية- أجفند: إنه منذ عام 1990، كان يفكر في دمج الممارسات المالية الإسلامية في البنية الغربية، ولا تزال هناك لديه عدة تساؤلات تشغل تفكيره، يريد وضعها في كتابين، أولها: لماذا يتردد النظام المالي التقليدي في دمج النماذج الخالية من الفائدة من دون أي دلالة دينية، تحت أي تسمية مناسبة، استناداً إلى مزاياها فقط؟ وهل يرجع هذا إلى أن النظام مصنف على أنه إسلامي، وبالتالي ينبغي استخدامه حصرياً من قبل أتباع العقيدة الإسلامية؟.
وثانياً: لماذا لا يقدم العلماء والخبراء في جميع أنحاء العالم وجهات نظر حول دمج التمويل الخالي من الفائدة في التمويل التقليدي؟ وهل يرتبط هذا بتصنيف التمويل الإسلامي كنموذج تمويل ديني، ما يشير إلى أهميته لأتباع الدين الإسلامي فقط؟.. وثالثاً: لماذا لم يتم استكشاف أصول أساليب التمويل الإسلامية والارتباط بين هذه الأساليب وتلك التي تمارس في اتفاقيات الأعمال في الغرب؟.
ورابعاً: يتألف النظام المالي الإسلامي من عناصر تستند إلى الشريعة (الشراكات) وعناصر متوافقة مع الشريعة (غير قائمة على المشاركة في الأرباح والخسائر: صيغ البيع والتأجير).
وأشار إبراهيم إلى أن ذلك، لا ينبغي تصنيفه حصرياً على أنه إسلامي بسبب عيوب التنفيذ المحتملة التي قد ترتبط خطأً بالإسلام، بل يمكن مناقشة هذا من منظور مختلف.
ومن هنا طرح إبراهيم تساؤلاً إلى أي مدى تعتبر المصارف الإسلامية إسلامية بدقة وتدعم هذه الحجة حقيقة وأن التمويل الإسلامي تطور، رغم أنه لم يمر سوى بضعة عقود منذ إنشائه، ما يؤدي إلى تحديات محتملة في التنفيذ أو في إنشاء مفهوم تمويل إسلامي حقيقي حتى يتم تحقيق الفهم الشامل والتحسين.
وطرح سؤالاً جوهرياً عن أنه هل ينتقص من الإطار الإسلامي إذا تم دمجه في النظام التقليدي بدون أهمية دينية، جزئياً أو كلياً كعنصر إضافي وبدون دلالة دينية؟ وما هي المتطلبات والقيود المرتبطة بدمج نظام التمويل الإسلامي مع النظام المالي التقليدي بدون طابع إسلامي؟ ولاحظ إبراهيم أن الغرض من هذه الأسئلة ليس تغيير النظام الإسلامي القائم أو تقويض مصداقيته، ولا يوجه إلى الجمهور المسلم أو المنظمات المشاركة في التمويل الإسلامي بل يسعى إلى ترشيد أهمية توسيع قاعدة التمويل الغربي لتشمل نظام تمويل خالٍ من الفائدة دون دلالة دينية من أجل البشرية جمعاء.
أوجه مقارنة
ورأى أهمية وضرورة تطبيق النظام الخالي من الفائدة في مؤسسات التمويل التقليدية، وقال: أعتقد أن هناك فرصة لتعزيز النمو العالمي لأنظمة التمويل التي تستخدم أساليب تمويل غير معتمدة على الفائدة من خلال وسائل مختلفة، وأنه تشير النتيجة الرئيسية إلى أن مناهج العمل المصرفي المتنوعة المتجذرة في فلسفات متنوعة قد لا تؤدي في النهاية إلى تطبيقات عملية مختلفة.
وتحدث إبراهيم عن طرق عمل البنوك التقليدية والبنوك الإسلامية، مبيناً أن لا اختلاف كبيراً بينها سوى التسمية أحياناً، فمثلاً تطلق المرابحة على الفائدة، ورأى أن البنوك الخالية من أي دلالة دينية ستكون مقبولة في العالم بما في ذلك المنطقة العربية.
ولفت إلى أن الشراكة التقليدية في الأعمال التجارية تختلف عن المشاركة الإسلامية فقط في المسؤولية والمدة الزمنية، مشيراً إلى أنه في عقد المشاركة الإسلامية توزع الأرباح بحصص رأس المال والإدارة وينتهي المشروع بنهاية فترة العقد وتصفية المشروع، بينما في عقد الشراكة التقليدية توزع الأرباح أو تضاف لرأس المال بينما يستمر المشروع.
ورأى أنه في النظام المالي الإسلامي، تكون المرابحة مشابهة ومكملة للتمويل بسعر الفائدة، أما الإجارة الإسلامية فتمارس أيضاً في أوروبا وأفريقيا دون أن تكون لها صبغة دينية.
تجارب ملموسة
وتحدث إبراهيم عن تجارب عملية لمسها لممارسات التمويل غير المعتمد على الفائدة، فأشار إلى تجارب بعض البنوك التي تمارس الصيغ بدون فوائد في أفريقيا دون أن تكون مرتبطة بالدين.
وقال: خلال زيارته إلى بنك التمويل الأصغرللمرأة الكينية، KWFT، أبلغه المدير العام بأن البنك قرر شراء أبقار وتقديمها للعميل بدلاً من المال، على أن يتم السداد بالتقسيط مع إضافة سعرالفائدة إلى التكلفة الإجمالية.
هذا العمل يشبه المرابحة، والتي توفرالأصول، ولكن يجب على مقدّم التمويل الأصغر أن يقوم بذلك أولاً :تملك الأصول،
ومن ثم بيعها للعميل بهامش.
وأشار إلى أنه في زيارته لجمعيات صغار المزارعات في قرية زاريا بالقرب من كانو/ نيجيريا، وفي غياب المؤسسات التمويلية تأخذ المزارعات حوالات من منتجهن من تجارالقرية وبيعه لتمويل العمليات الفلاحية وتسديدها بعد الحصاد عينيا بنفس الكمية.
وأشار إلى أنه في أثيوبيا يمارس التمويل غير المعتمد على الفائدة في المناطق الريفية تحت مسميات محلية دون علمهم بأصولها، لافتاً إلى أن صيغ التأجير تمارس بأوروبا وإفريقيا من دون أن تكون صيغاً خالية من الفوائد، وعمليات التأجير في أثيوبيا ذات طبيعة إسلامية؛ وبدأ بعد صدور القانون المدني والقانون التجاري في العامين 1950 و1960، لذلك يمكن اشتقاق صيغ تمويل قائم على البيوع وتقاسم الأرباح والاجارة واستخدامها من قبل المقرضين التقليديين كإقراض “مكمل” لسعر الفائدة للتوسيع في التمويلات للمشروعات الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر.
التمويل الإسلامي
وقال: لا ينبغي لنا أن ننظر للصيغ الخالية من الفوائد في ظلّ التشريعات التقليدية السائدة من وجهة نظر دينية فحسب بل نظرة عملية، مما سيكون لها تطبيقات عالمية واقليمية خاصة في المنطقة العربية من دون أن يتم تحديدها على أنها إسلامية.
وبيّن أنه لا ينبغي في الدول العربية التي ليس لها تشريع للتمويل الإسلامي أن تتحرج من تطبيق الصيغ غير المعتمدة على الفائدة كنموذج تمويل أطلق عليه :(التمويل التشاركي) بعد أن أثبت جدواه لتوسيع وتنويع قاعدة التمويل للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر، كمكمل إقراضي من دون أن ترتبط بالتشريع من الجهات الرقابية.
تجربة سوريا
وضمن المداخلات، تحدث البعض عن تجربة البنوك الإسلامية في سوريا، مشيرين إلى أبرز مظاهر هذه التجربة التي لاقت قبولاً في السوق السورية، وأن هذه البنوك جاءت لتسدّ الفراغ وتكون بديلاً عن البنوك التقليدية، من أجل جذب الأموال وتوجيهها نحو المشاركة في الاستثمار بوسائل تتسق والشريعة الإسلامية، منوهاً بأن لا تتخوف البنوك من خوض التجربة الراهنة وأن البنوك الإسلامية قادرة على المنافسة وتقديم الخدمات الأساسية للسوق بفعالية أفضل لا تقل عن البنوك التقليدية.