بورصة دمشق بين الأمل والتحديات في مشهد الاقتصاد السوري 

بعد توقف دام نحو ستة أشهر، استأنفت سوق دمشق للأوراق المالية نشاطها مجدداً، في حدث وصفه المسؤولون بأنه “يوم تاريخي” يحمل في طياته إشارات أولى لتعافي الاقتصاد السوري. ومع حضور رسمي واسع ومشاركة كبار الشخصيات الاقتصادية والاستثمارية، تبرز أمامنا صورة جديدة تحاول من خلالها دمشق أن تستعيد موقعها كمنصة مالية حيوية على مستوى المنطقة. لكن هل تعكس هذه الخطوة واقعاً اقتصادياً قوياً، أم أنها رسالة رمزية في خضم تحديات جسيمة تواجهها البلاد؟

توقف بورصة دمشق عن العمل ليس ظاهرة فريدة بل هو إجراء متبع في العديد من الأسواق العالمية في أوقات الأزمات أو الأحداث غير المتوقعة. غير أن طبيعة الأزمة السورية، التي تسببت في هروب رأس النظام وتدهور مؤسسات الدولة، جعلت من هذا التوقف حدثاً استثنائياً لأكثر من سبب. فإجراء الإغلاق كان له أهداف أمنية واقتصادية استراتيجية، مثل حماية الأموال والبيانات، منع المضاربات القاتلة على سوق الأسهم وسعر الصرف، ووقف هروب رؤوس الأموال إلى الخارج، لا سيما أموال رموز النظام السابق. هذه الخطوة جاءت كدرع وقائي حافظ على ما تبقى من النظام المالي السوري في ظل فوضى اقتصادية خانقة.

مؤشرات أولية:

مع إعادة الافتتاح، شهدت السوق حجم تداول بلغ 60,790 سهماً بقيمة تجاوزت 1.7 مليار ليرة سورية، عبر 104 صفقات. وترافق ذلك مع ارتفاع سعر الصرف في السوق السوداء من 8,700 ليرة قبل يومين إلى ما بين 9,000 و9,400 ليرة، بينما ظل السعر الرسمي المركزي ثابتاً تقريباً بين 11,000 و11,100 ليرة. هذه المؤشرات تشير إلى تنشيط ملحوظ في الحركة المالية، إلا أنها تبقى بعيدة عن تحقيق استقرار مالي حقيقي، حيث لا تزال الفجوة بين سعر الصرف الرسمي والسوق السوداء كبيرة، ما يعكس استمرار ضغوط على الاقتصاد السوري، حسب رأي الخبير الاقتصادي محمد السلوم .

تفاؤل رسمي:

كما جاء في تصرح وزير المالية  يسر برنية بأن إعادة افتتاح البورصة “تمثل رسالة واضحة بأن الاقتصاد بدأ يتحرك وينتعش”، وهذا يشير الى أن البورصة ستكون شركة خاصة مركزية لتطوير الاقتصاد الوطني. أما رئيس مجلس إدارة السوق فادي جليلاتي، فقد أكد على أن البورصة لن تكون مجرد منصة لتداول الأسهم والسندات، بل ستكون لاعباً محورياً في دعم إعادة الإعمار والنمو الاقتصادي وجذب الاستثمارات، محققًا بذلك استقرار العملة الوطنية. من جهته، وصف المدير التنفيذي للسوق باسل أسعد الحدث بـ”اليوم التاريخي”، فيما شدد رئيس مجلس مفوضي هيئة الأوراق والأسواق المالية عبد الرزاق القاسم على أن “سوريا أرض خصبة للفرص الاستثمارية”.

بين الطموح والواقع

رغم الأجواء التفاؤلية، فإن التحليل الموضوعي يُظهر أن تصريحات المسؤولين لا تخلو من طموحات مبالغ فيها مقارنة بالواقع الاقتصادي المتردي. فالبورصة، رغم استئناف نشاطها، لا تزال تعاني من ضعف السيولة، قلة الشركات المدرجة، وعدم وجود بيئة تشريعية وتنظيمية كافية لجذب الاستثمارات الأجنبية والمحلية بثقة. كما أن السوق تواجه تحديات حقيقية في استقرار سعر الصرف، والشفافية، وحماية المستثمرين حسب كلام الخبير الاقتصادي السلوم .

تصريح أن البورصة ستكون مركزًا فاعلًا لإعادة الإعمار ونمو الاقتصاد لا يعكس مستوى التطور الحقيقي للبنية التحتية المالية في سورية، كما أن وصف البلاد بـ”أرض خصبة للفرص” يفتقر إلى بناء قاعدة متينة من الإصلاحات الاقتصادية والسياسية اللازمة لجذب استثمارات ذات جودة ومستوى عال.

فجوة يجب ردمها

مقارنة سوق دمشق بسوق الأوراق المالية في السعودية ومصر تظهر فجوة كبيرة من حيث حجم التداول، عدد الشركات المدرجة، وعمق السوق. الأسواق السعودية والمصرية تتمتعان ببنى تحتية متطورة، أنظمة تنظيمية متقدمة، وأطر قانونية شفافة تحمي المستثمرين، ما يجعل منهما أسواقاً جاذبة لرؤوس الأموال الأجنبية والإقليمية.

في المقابل، سوق دمشق لا يزال يعاني من ضعف البنية التقنية، نقص التنوع المالي، وحالة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي التي تعيق تطوره. ولللحاق بهذه الأسواق، يحتاج الاقتصاد السوري إلى إصلاحات شاملة تعزز من بيئة الأعمال وتحفز الشركات على الدخول إلى السوق.

تشير التطورات الأخيرة على الصعيد الدولي إلى بوادر إيجابية يمكن أن تعزز من فرص تعافي السوق المالية السورية. إعلان الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الأوروبي، وعدد من الدول عن رفع العقوبات تدريجياً، واقتراب سورية من العودة إلى نظام “سويفت” الدولي، من شأنه تسهيل حركة الأموال وتحويلات المستثمرين، ويزيد من ثقة الأسواق الأجنبية والمحلية.

إضافة إلى ذلك، توقيع عقود شراكة دولية كبرى في قطاعات الطاقة والبنية التحتية والموانئ، واستثمارات خليجية وسعودية متوقعة في مجالات متعددة، يخلق آفاقاً واعدة لتدفق رؤوس الأموال الأجنبية إلى السوق المالية السورية، وهو ما يمكن أن ينعكس إيجاباً على حجم التداول وقوة السوق.

رغم هذه العوامل المحفزة، يبقى الطريق نحو سوق أوراق مالية ناضجة ومستقرة في سورية محفوفًا بالتحديات. عدم الاستقرار السياسي والأمني، ضعف الحوكمة، التضخم المستمر، والتقلبات الحادة في سعر الصرف، كلها عوامل تعيق الاستثمارات وتثبط ثقة المستثمرين.

كذلك، الحاجة إلى بناء مؤسسات مالية وتنظيمية قوية وشفافة، تطوير التشريعات المالية، وتوفير حماية قانونية للمستثمرين، لا يمكن تجاهلها كشرط أساسي لنجاح البورصة ودورها في إعادة إعمار الاقتصاد السوري.

بين الأمل والواقعية

إن إعادة افتتاح سوق دمشق للأوراق المالية يحمل في طياته بوادر أمل مهم، خاصة في ظل التحولات الدولية والإقليمية الأخيرة التي قد تساهم في خلق بيئة استثمارية أكثر ملاءمة. ومع ذلك، يبقى النجاح الحقيقي مرهوناً بقدرة الدولة على تنفيذ إصلاحات جذرية، تحقيق الاستقرار السياسي، وإرساء بنية تحتية قانونية ومالية متطورة.

مؤقت؟ الوقت والتطورات الاقتصادية القادمة وحدها قادرة على الإجابة.

شارك