القروض معاكسات سلبية تواجه البنوك.. خبير مصرفي : معالجتها تتطلب مزيجاً من الحوكمة

تُعد القروض المصرفية المتعثرة من أبرز التحديات التي تواجه القطاع المصرفي في العديد من الدول، ولاسيما في الاقتصادات الناشئة والبلدان التي تمر بأزمات اقتصادية أو سياسية.. إذ تؤثر هذه القروض بشكل مباشر على كفاءة البنوك وربحيتها واستقرار النظام المالي ككل، ويتطلب التصدي لهذه الظاهرة فهماً معمقاً لأسبابها وآثارها والآليات الممكنة لمعالجتها، تقارير عديدة صدرت عن مصرف سوريا المركزي بالنشرات الاقتصادية والمصرفية بين عامي 2016-2022، وكذلك برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP حول تقييم الأثر الاقتصادي للأزمة السورية والهيئة الناظمة للمصارف (2022)، وتقارير النظام المصرفي السوري، هذه التقارير أوضحت أنه في سوريا، شهد القطاع المصرفي السوري منذ عام 2011 تحديات غير مسبوقة نتيجة الأزمة السياسية والاقتصادية والأمنية التي عصفت بالبلاد، وقد كانت القروض المصرفية المتعثرة من أبرز الانعكاسات السلبية التي واجهت البنوك، وخاصة في ظل التدهور الاقتصادي، وتراجع النشاط الاستثماري، وضعف القدرة على السداد، كما يستدعي تحليل هذه الظاهرة فهم السياق السوري والبيئة المصرفية.

خصائص القطاع المصرفي

ومن أبرز خصائص القطاع المصرفي السوري خلال الفترة من 2011 حتى 2024، انخفاض الناتج المحلي الإجمالي وفقدان الثقة بالسوق، وكذلك العقوبات الاقتصادية المفروضة على المصارف وتراجع سعر صرف الليرة السورية بشكل حاد، إضافةً إلى ضعف الاستقرار الأمني ما حدّ من القدرة على تحصيل الديون، وهجرة عدد كبير من رجال الأعمال والشركات الصغيرة، وقد أدى ذلك إلى ارتفاع ملحوظ في نسبة القروض المتعثرة في المصارف السورية، ولاسيما في البنوك الخاصة التي كانت تعتمد على تمويل قطاعات اقتصادية حيوية تضررت بفعل الأزمة، وتدل مؤشرات تعثر القروض في المصارف السورية- وبحسب التقارير الدورية – لمصرف سوريا المركزي وبعض البيانات المالية المنشورة من البنوك الخاصة، بأن نسبة القروض المتعثرة في بعض المصارف الخاصة تجاوزت الـ 40 بالمئة من إجمالي محفظة القروض خلال الأعوام 2013-2016، كما تراوحت نسب التغطية بالمخصصات بين 50 بالمئة إلى 80 بالمئة، حسب سياسة كل بنك، فلجأت المصارف إلى إعادة هيكلة عدد كبير من القروض المتعثرة، أو شطب بعضها نتيجة استحالة التحصيل.

ثلاث مجموعات

حول هذه القضية الشائكة يقول الدكتور في العلوم المالية والمصرفية في جامعة القلمون نهاد حيدر لـ(الثورة): يمكن تصنيف أهم أسباب تعثر القروض في المصارف السورية إلى ثلاث مجموعات رئيسة، منها أسباب متعلقة بالمقترضين بما في ذلك ضعف الإدارة المالية للمؤسسات المقترضة، والإفراط في الاقتراض دون خطط سداد واضحة، وكذلك تراجع الإيرادات أو الأرباح نتيجة عوامل داخلية أو خارجية. وتابع: هناك أسباب تتعلق بالمصارف كضعف عمليات التقييم الائتماني قبل منح القرض، وغياب المتابعة الدورية للمدينين، ومنح القروض لأغراض استهلاكية دون ضمانات كافية، أما عن الأسباب فهي اقتصادية وسياسية ترجع- بحسب الدكتور حيدر- إلى الركود الاقتصادي أو التضخم المفرط، والأزمات السياسية والأمنية وتغيّر أسعار الصرف أو معدلات الفائدة بشكل حاد. وعن أهم أسباب تعثر القروض في البيئة السورية يشير دكتور العلوم المالية والمصرفية بأن الظروف الأمنية والسياسية لعبت دوراً في ذلك، فلم تعد بعض المناطق تحت إمكانية متابعة المصرف، وتضرر عدد كبير من المنشآت الصناعية والتجارية، وتدهور سعر الصرف ما أدى إلى صعوبة تسديد القروض الممنوحة بالدولار أو المرتبطة بسعر الصرف، وأيضاً ضعف القوة الشرائية وتراجع الطلب الداخلي، وتوقف المشاريع الاستثمارية الصغيرة والمتوسطة نتيجة ضعف التمويل والمخاطر.

أزمة مصرفية

ويرى الدكتور حيدر أن هناك آثاراً لتعثر القروض على القطاع المصرفي منها انخفاض الربحية حيث تؤدي القروض المتعثرة إلى تآكل أرباح البنوك نتيجة تراجع الايرادات وزيادة مخصصات الديون المتعثرة.

وكذلك ضعف الثقة في النظام المصرفي تؤثر سلبًا على ثقة المودعين والمستثمرين، إضافة إلى أن ارتفاع تكلفة التمويل تتسبب في زيادة أسعار الفائدة على القروض الجديدة لتعويض الخسائر، ومن الآثار أيضاً تهديد الاستقرار المالي في حال تفشي الظاهرة، قد تؤدي إلى أزمة مصرفية. ورداً على سؤالنا عن سبل معالجة القروض المتعثرة؟ بين أنها تتمثل في تعزيز وتحسين جودة إدارة المخاطر الائتمانية، من خلال تحسين آليات التقييم الائتماني، وتحليل الجدارة الائتمانية للمقترضين بدقة، ودعم المصارف بمرونة تنظيمية لمعالجة القروض القديمة، من خلال إعادة جدولة القروض أو تسويتها من خلال منح فترات سماح أو تقسيط مريح للمدينين القادرين على السداد، وإعدام الديون التي يتعذر نهائيا تحصيلها.

وكذلك إنشاء شركات إدارة الأصول الرديئة، ويتم نقل القروض المتعثرة إلى شركات متخصصة لإعادة هيكلتها أو تصفيتها، إضافةً إلى التشريعات والتنظيم من خلال تفعيل قوانين الإفلاس واسترداد الديون، وفقاً للدكتور حيدر، ويتطرق إلى ضرورة إجراء إصلاحات تشريعية لدعم التنفيذ القضائي ودعم القضاء المتخصص بالنزاعات المالية والمصرفية.

التحفيز الاقتصادي

من خلال دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة لتقليل احتمالات التعثر، إضافة إلى العمل على استقرار سعر الصرف وتحفيز النشاط الاقتصادي.

إدارةالمخاطر

ويمكن القول: إن القروض المتعثرة تمثل تحدياً متجدداً للقطاع المصرفي، وتتطلب معالجتها -برأي حيدر- مزيجاً من الحوكمة السليمة، والإدارة الفعالة للمخاطر، والدعم المؤسسي والتشريعي، ويكمن النجاح في تحقيق التوازن بين تحفيز الإقراض الإنتاجي وضمان الاسترداد الفعلي للديون، من أجل الحفاظ على استقرار القطاع المصرفي وتعزيز دوره في التنمية الاقتصادية. أخيراً.. لابد من الإشارة إلى أن القروض المتعثرة تعرف على أنها القروض التي يتوقف العميل عن سداد فوائدها أو أقساطها لمدة زمنية محددة غالباً 90 يوماً أو أكثر، أو عندما يصبح من غير المحتمل استرداد كامل المبلغ من المقترض، وتُدرج هذه القروض ضمن الفئة ذات المخاطر العالية التي تستدعي اتخاذ إجراءات تصحيحية.

شارك