هل نستقدمها من الخارج؟.. أجور العمالة لقلّتها تشكّل عبئاً ثقيلاً على إعادة البناء

يتحكم المهنيون والحرفيون وحتى العمال العاديون بفرض أجور باهظة على سوق العمل، حيث يستغلون قلة وجودهم مع ضغط الطلب على خدماتهم، وخاصةً بعد التحرير، حيث أخذت تنشط حركة البناء والترميم للمنازل، والملاحظ أن تلك الأجور قد تعادل قيمة المواد الداخلة في العمل، ما يضاعف الكلف ويحد من قدرة الكثيرين على القيام بالبناء أو الترميم، وغلاء الأجور لا يقتصر على الجانب العمراني فقط، بل يشمل جوانب أخرى مثل أعمال ميكانيك وكهرباء وتصويح السيارات، فهي لاتزال مرتفعة وتسن بالمزاج، وكذلك أداء العمليات الزراعية من فلاحة وتعشيب ومكافحة وقطاف وتحميل وتنزيل ونقل وغيرها، إذ تتم بأجور عالية ترفع من تكلفة الإنتاج على الفلاح والمستهلك في آنٍ معاً، والسؤال الملح هنا والذي طرح بكثرة خلال لقاءات صحيفتنا “الحرية” مع أطراف عدة ذات علاقة، فحواه: هل يستمر الحال على ما هو عليه، أم إن الحل وخاصة مع بدء دوران عجلة البناء على شتى الصعد بعد التحرير، لن يكون إلا باستقدام عمالة خارجية من مثل الهند وباكستان وغيرها حتى تسد الحاجة ويتم لجم جموح الأجور؟

رغم تحسن قيمة الليرة الشرائية.. أجور العمال تمترست على ارتفاعها

تعادل ثمن المواد

أحد المواطنين لديه منزل متضرر في حي طريق السد ضمن مدينة درعا، ذكر لصحيفة “الحرية” أنه بدأ بترميم منزله المتضرر للعودة إليه والتخلص من عبء الإيجارات المضني، لكنه فوجئ بأجور العمال، سواء لأداء بعض أعمال بناء البلوك والطينة وتركيب السيراميك، وكذلك لجهة أعمال التمديدات الكهربائية والصحية والنوافذ والأبواب وحتى الدهان، وهنا عرض مثلاً أنه اشترى مواد للطلاء بقيمة ١٥٠٠ دولار قابلها طلب أجور لتنفيذ أعمال الطلاء ١٥٠٠ دولار، معبراً عن فداحة مثل هذا الأجر الذي يقاس على بقية الأعمال وإن بنسب أقل أو أكثر حسب نوع العمل.

أهالٍ: من أكبر عقبات ترميم المنازل أجور اليد العاملة.. حيث تعادل أحياناً قيم المواد

خارج طاقة التحمل

مواطن آخر، ذكر أنه احتاج لإصلاح مجرور الصرف الصحي الخاص بمنزله فجلب عمالاً للحفر وكشف الخطوط والريكارات، وكانت المفاجأة عندما طلب ثلاثة عمال أجراً لعملهم ليومين 1.5 مليون ليرة سورية مع ٢٠٠ ألف ثمناً للطعام، من دون أجور المهني الذي سيقوم بأعمال صيانة ومد المجرور الجديد، وبعد جدال وأخذ ورد اتفق معهم على أجر مع ثمن طعام بقيمة ١.٢ مليون ليرة، وبإضافة أجر المهني ٦٠٠ ألف ليرة لعمل يوم واحد مع العامل الذي يساعده (فتى بعمر ١٦ عاماً) يصبح إجمالي الأجور ١.٨ مليون ليرة، وهي تقارب ثمن المواد من بواري وبراميل ورمل وبحص وأسمنت احتاجها العمل، والتي بلغت قيمتها ٢.٥ مليون ليرة، وعبّر عن غصته لأنه تورط مع عمال الحفر، وذكر أنه لو يعرف بطبيعة العمل البسيطة بعد أن شاهدها لكان قام بالحفر بنفسه مع أفراد أسرته ووفر المبلغ الذي لا يحصله إلا بشق النفس في ظل ظروفنا المعيشية الصعبة، وخاصةً أنه موظف.

هل نستورد عمالاً؟

وفي لقاء صحيفتنا “الحرية” مع أحد مقاولي البناء، أسهب في الحديث عن ارتفاع أجور العمالة والارتباك الذي يحصل لدى تأمينهم، حيث إن هناك قلة في أعدادهم نتيجة الهجرة خارج البلاد، وضرب مثلاً أن لديه تعهداً تنفيذ أعمال طلاء الآن بأحد المشاريع، والأجور تعادل ٧٠٪ من قيمة المواد، وفصل أكثر أن الأجر قد يزيد أو ينقص حسب مفردات أعمال الطلاء، وبشكل عام قد يتقاضى المهني على الدهان (طراشة) ٥ آلاف ليرة على المتر المربع الواحد، وعلى الدهان الزيتي ٧ آلاف ليرة، وإذا تطلب العمل (حف وتلقيط ومعجونة ولكر) فإن أجر المتر يتحدد حسب حجم تلك الأعمال ونوع الطلاء، ويتراوح بين ٨ و١٢ ألف ليرة، وتساءل كيف سيكون الوضع عليه عند انطلاقة عملية إعادة البناء، فهل نستورد عمالة من الخارج حتى نغطي حجم العمل الكبير المطلوب حينها؟

مقاولون: إرباك في تأمين العمالة وأجورها تزيد التكاليف كثيراً

التعهدات أقل من المنازل

وأشار مقاول آخر إلى أن أجور العمالة قد تكون في التعهدات الكبيرة أقل منها في الورشات الصغيرة مثل المنازل، وعلى سبيل المثال المقاول يتفق على أجر طينة المتر المربع الواحد بقيمة ١٠ آلاف ليرة بينما في المنازل يترواح من ١٥ إلى ٢٠ ألف، وبناء البلوك مماثل لذلك، وتقاس أجور باقي الأعمال وإن بنسب متفاوتة على ذلك.
وكشف أن أجر (الطوبرجي) عن تنفيذ أعمال صب الأسطح متضمنة الكفراج الخشبي والحديد ٢٥٠ ألف ليرة يضاف لها أجر صب المتر المكعب من البيتون (جبالة وعمال) بقيمة ١٥٠ ألفاً، أما أجور تركيب السيراميك فتبدأ حسب نوعه وحجمه من ٨ إلى ١٤ ألف ليرة، والحال يقاس على تلبيس الحجر والرخام، وإذا كان العمل من الخارج للواجهات والجوانب في الطوابق العليا يصبح مضاعفاً سواء للطينة أو الرشة أو التلبيس.

السيارات بالمثل

إن ابتعدنا عن أعمال البناء واتجهنا لأعمال صيانة وإصلاح السيارات، تجد فلتاناً كبيراً في سن الأجور، والفوارق لا يمكن تخيلها أحياناً بين مهني وآخر، وأقل عمل قد لا يتعدى فتح غطاء محرك وتفقده وشد برغي أو تحريك سلك يتم تقاضي ١٠٠ ألف ليرة أو أكثر، وفي حال تنزيل المحرك أجرة العمل مليون ليرة وأكثر، وحال التصويج والطلاء على نفس الشاكلة، ومجمل الأجور في هذا القطاع بقيت على حالها حسب متابعين بالرغم من تحسن قيمة الليرة.

قطاع الزراعة يعاني!

وفي قطاع الزراعة تشكل أجور العمالة عبئاً ثقيلاً، حيث تزيد من تكاليف الإنتاج على الفلاح والمستهلك معاً، وذكر أحد الفلاحين أن بعض العمال لا يقبلون بأقل من ١٥٠ ألف ليرة أجراً في اليوم، وغيرهم يأخذ في الساعة ١٥ ألف ليرة، ولأجور نقل المحصول حصتها أيضاً فهي باهظة جداً ولا معايير محددة لها.

متابعون: لا معايير تحكم أتعاب المهنيين.. ووضع معايير استرشادية لها ضرورة ملحة

بحاجة مخرجات مهنية

رئيس اتحاد حرفيي درعا شكري بجبوج ذكر في تصريح لصحيفتنا “الحرية”، أن أسباب بقاء تكاليف بعض الأعمال الحرفية مرتفعة، مثل منجور الألمنيوم والخشب والحديد، وكذلك إنتاج البلوك والقساطل أو أعمال مكانيك وكهرباء وتصويج السيارات والدهان والبناء وغيرها من الأعمال، سببه استمرار ارتفاع أجور اليد العاملة، فمثلاً اليد الفنية المتخصصة تتقاضى نحو ٥٠٠ ألف ليرة أجراً في اليوم، بينما العامل العادي يتقاضى ١٥٠ ألف ليرة، حتى أن بعض الحرفيين أصبحوا يرفضون أخذ الأجر بالدولار لاحتمال انخفاض قيمته، ويطلبونه بالليرة السورية، وأكد أن أسعار المواد انخفضت وبات ذلك ملموساً للجميع، وخاصة بالنسبة للمستورد منها، وذلك لتحسن قيمة الليرة السورية أمام الدولار، لكن المشكلة في بقاء الأجور مرتفعة وعدم انخفاضها، مبيناً أن الذي يساهم باستمرار مثل هذا الوضع على حاله، هو قلة اليد الفنية المتخصصة في الكثير من المجالات الحرفية.

وعبّر عن أمله في أن يرفد التعليم المهني سوق العمل بأعداد جيدة من الخريجين، وخاصةً أننا مقبولون بعد التحرير على مرحلة عنوانها إعادة البناء، وهو ما يساعد في سد جزء جيد من النقص الحاصل ويساهم بإتقان العمل وخفض الأجور، علماً أن اتحاد الحرفيين في حال ورود شكوى إليه حول الأجور أو جودة العمل يتم النظر فيها من لجان مشكلة ضمن كل جمعية حرفية والخروج بقرارات تنصف الطرفين.

الحرية

شارك