ضريبة الإنفاق.. حين يدفع الفقير أكثر من الغني

في ظل الأزمات الاقتصادية التي تعصف بالمجتمع السوري، والتراجع المستمر في القدرة الشرائية لمعظم المواطنين، تعود السياسات الضريبية إلى الواجهة كعامل مؤثر في التوازنات المعيشية اليومية، ومن بين هذه السياسات تحضر ضريبة الإنفاق كإحدى الأدوات التي تلجأ إليها الدولة لتعزيز الإيرادات العامة، لكنها في الوقت نفسه تثير جدلاً واسعاً حول آثارها الاقتصادية والاجتماعية خصوصاً في ظل الأوضاع الحالية.

تطبق على الجميع

وعلى الرغم من أن ضريبة الإنفاق ليست إجراءً جديداً على الإطار القانوني أو المالي، إلا أن تزايد آثارها في السنوات الأخيرة، إلى جانب اتساع دائرة المتأثرين بها، أعادها إلى صلب النقاش العام ويبدو أن التركيز على هذا النوع من الضرائب يعود إلى بساطتها في التطبيق لكنها تُطرح في توقيت حساس اقتصادياً ما يجعل تقييم نتائجها أمراً ضرورياً ضمن السياسات العامة.

هذه الضريبة تفرض على إجمالي ما ينفقه الفرد على السلع والخدمات ما يجعلها ضريبة مباشرة على الاستهلاك النهائي، وبما أنها لا تعتمد على مستوى الدخل كمقياس فإنها تنطبق على الجميع بذات النسبة بغض النظر عن القدرة المالية، وهذا ما دفع إلى طرح عدة تساؤلات. فهل تُعد هذه الضريبة أداة فعالة لتحقيق العدالة الاجتماعية؟ أم أنها وسيلة تُعمّق الفجوة بين الطبقات؟ وما مدى تأثيرها الحقيقي على السوق المحلي والقوة الشرائية؟.

نسبة واحدة

الخبير في الشؤون الاقتصادية عبد العظيم المغربل أكد أن ضريبة الإنفاق تُفرض على مجموع ما ينفقه المستهلك على السلع والخدمات، وتُعد ضريبة غير مباشرة على الاستهلاك، موضحاً أنها تختلف عن ضريبة المبيعات التي تُفرض على المرحلة الأخيرة من البيع، وعن ضريبة القيمة المضافة التي تُفرض على كل مرحلة من مراحل الإنتاج والتوزيع، مع إمكانية الخصم الضريبي.

وبيّن المغربل في حديث خاص لصحيفة الثورة أن الفارق الجوهري يكمن في أن ضريبة الإنفاق لا تُراعي الفروقات الطبقية بين المستهلكين، حيث تُطبّق كنسبة واحدة على كامل الاستهلاك النهائي، ما يجعل أثرها أشد وطأة على ذوي الدخل المحدود.

غير عادلة

وحول ذلك، أشار المغربل إلى أن هذه الضريبة تُساهم في تآكل القدرة الشرائية للمواطن السوري، إذ تُفرض بغضّ النظر عن مستوى الدخل، مما يؤدي إلى أن يدفع أصحاب الدخل المحدود نسبة أكبر من دخلهم كضريبة على استهلاكهم، في وقت تتصاعد فيه الأسعار وتتراجع الدخول، مما يزيد الضغط المالي على الأسر الضعيفة اقتصادياً.

كما بيّن أن هذه الضريبة تُفرض في كثير من الأحيان على بعض السلع الأساسية وهو ما يضاعف من العبء على الفئات الأكثر فقراً التي تنفق معظم دخلها على الغذاء والحاجات الأساسية، معتبراً أن ذلك يجعل الضريبة غير عادلة كونها لا تميز بين الضروريات والكماليات وبالتالي تزيد من الفقر وتُضعف فرص تحقيق العدالة الاجتماعية.

فوضى سعرية

وحول ممارسات السوق، أكد أن غياب الرقابة الفعلية يدفع بعض التجار لاستغلال فرض هذه الضريبة كذريعة لرفع الأسعار بنسبة تتجاوز الحد القانوني، ما يؤدي إلى تحميل المستهلك أعباء لا علاقة لها بالضريبة ويساهم في خلق فوضى سعرية وزيادة معدلات التضخم غير المبرر.

وبيّن الخبير المغربل أن ضريبة الإنفاق تُعد تنازلية بطبيعتها إذ تُطبق بنسبة موحّدة على جميع المستهلكين بغض النظر عن دخلهم، وهو ما يُثقل كاهل الفقراء مقارنة بالأغنياء، ودعا إلى ضرورة إعادة هيكلة السياسة الضريبية من خلال استثناء أو تخفيض الضريبة على السلع الأساسية وتوجيه جزء من إيراداتها إلى برامج حماية اجتماعية فعالة، بما يضمن توازن العبء الضريبي وتعزيز العدالة الاجتماعية في ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة.

جزء من منظومة

في ضوء ما سبق، لا يمكن النظر إلى ضريبة الإنفاق في سوريا كأداة مالية معزولة عن سياقها الاجتماعي والاقتصادي بل كجزء من منظومة أكبر تعاني من اختلالات مزمنة في العدالة والتوازن، فعلى الرغم من أن هذه الضريبة تُعد مصدراً مهماً للدخل العام، إلا أن طريقة تطبيقها وغياب السياسات المرافقة التي تُراعي واقع الفئات الهشّة يجعل أثرها سلبياً بوضوح على شرائح واسعة من المجتمع.

ربما تكون الحاجة إلى الإيرادات مبررة في ظل الظروف الاقتصادية الضاغطة، لكن السياسات الضريبية لا ينبغي أن تتحوّل إلى عبء إضافي على من لا يملكون القدرة على الاحتمال فالنظام الضريبي العادل لا يُقاس فقط بحجم ما يُجبى بل بمدى إنصافه للفئات الأضعف، ومدى مساهمته في تقليص الفجوة الاجتماعية لا تعميقها.

المطلوب اليوم هو مراجعة شاملة للسياسة الضريبية تنطلق من فهم حقيقي للواقع المعيشي للسوريين، وتُعيد ترتيب الأولويات بما يضمن التوازن بين الحاجة إلى التمويل والحرص على حماية الطبقات الأشد تضرراً، عندها فقط يمكن للضريبة أن تتحوّل من عبء إلى أداة تنمية، ومن سبب للضيق إلى رافعة للعدالة الاجتماعية.

شارك