شركات التأمين .. الكفاءة المفقودة  ! سامر العش لـ”الثورة”: نحن أمام فرصة تاريخية لتفعيل حقيقي  للقطاع

تتجه الأنظار في سوريا نحو مرحلة اقتصادية جديدة بُعيد توقيع مجموعة كبيرة من المشاريع الاستثمارية الضخمة في مجالات الطاقة، البنى التحتية، النقل وإعادة الإعمار.

هذه المشاريع تقدر بمليارات الدولارات، ولا تحمل فقط أبعاداً تنموية، بل تضع أمام قطاع التأمين فرصة تاريخية ليكون شريكاً محورياً في حماية الاستثمارات وضمان استمراريتها.

ومع تزايد الاهتمام الدولي بإعمار سوريا، يبرز التأمين كعنصر أساسي لجذب المستثمرين وتقليل المخاطر في بيئة ما زالت تواجه تحديات أمنية واقتصادية.

لم يعد ترفاً

وفي هذا السياق، أشار المستشار التأميني المهندس سامر العش إلى أن “المشاريع الكبرى لا يمكن أن تنطلق أو تستمر من دون غطاء تأميني متكامل، فالتأمين لم يعد ترفاً أو خدمة ثانوية، بل أصبح شرطاً أساسياً لضمان نجاح أي استثمار”.

ويضيف: لطالما ظل قطاع التأمين في سوريا ثانوياً يعاني من ضعف الطلب وقلة الوعي بأهميته، لكن مع انطلاقة تلك المشاريع، يجد نفسه أمام اختبار حقيقي للانتقال إلى قلب المشهد الاقتصادي، فقد شهدت البلاد مؤخراً صفقات كبرى، مثل اتفاقية الطاقة بقيمة 7 مليارات دولار مع تحالف قطري– تركي– أميركي، وصفقة بقيمة 6,4 مليارات دولار مع السعودية لإعادة الإعمار، إضافة إلى منحة البنك الدولي بـ146 مليون دولار لتحسين شبكة الكهرباء وإعادة تأهيل مطار دمشق الدولي وتشييد أبراج تجارية وسكنية، هذه المشاريع تفتح الباب واسعاً أمام شركات التأمين لتقديم خدمات حماية متخصصة.

ويؤكد المهندس العش أن الاستثمارات المقبلة ستعيد تشكيل الاقتصاد السوري، حيث يُقدّر حجم إعادة الإعمار الكلي بنحو 250 مليار دولار وفق البنك الدولي، ما يجعل التأمين عنصراً حاسماً لتقليل المخاطر المرتبطة بالبنى التحتية والمشاريع الخدمية.

أبرز أنواع التأمين المطلوبة

بحسب العش، ستفرض المشاريع الجديدة طلباً متزايداً على منتجات متخصصة، أهمها:
التأمين الهندسي: ويعد من أكثر أنواع التأمين ارتباطاً بمرحلة الإعمار، إذ يغطي المخاطر المتعلقة بعمليات الإنشاء والتركيب والتجهيز للمشاريع الكبرى مثل الجسور، الطرق السريعة، المطارات، السدود، محطات الطاقة والمجمعات السكنية.

ويوضح أن هذا النوع من التأمين لا يقتصر على حماية المباني أثناء التنفيذ فحسب، بل يشمل أيضاً المعدات والآليات المستخدمة، إضافة إلى المسؤوليات تجاه أطراف ثالثة في حال وقوع أضرار.

ومع مشاريع إعادة تأهيل مطار دمشق الدولي وشبكات الطرق الرئيسية، يتوقع العش أن يشهد التأمين الهندسي طفرة نوعية، حيث ستصبح عقود التأمين جزءاً أساسياً من وثائق التعاقد بين المستثمرين والمقاولين، كما يشمل هذا التأمين تغطية أعطال المعدات الثقيلة مثل الرافعات والحفارات، إضافة إلى المخاطر الناجمة عن العوامل الطبيعية كالزلازل أو الفيضانات، ما يجعله أداة لا غنى عنها لتقليل حجم الخسائر وتسريع إنجاز المشاريع.

ويضيف: إن شركات التأمين المحلية بحاجة إلى تعزيز خبراتها الفنية في هذا المجال، وإبرام اتفاقيات إعادة تأمين دولية لتتمكن من تغطية هذه المشاريع العملاقة التي تفوق قدراتها الفردية، وتأمين المسؤولية المدنية لحماية الشركات والمقاولين من المطالبات القانونية الناشئة عن الأخطاء أو الحوادث في مواقع العمل.

ويتابع: هنالك حاجة إلى التأمين الصحي لتغطية مئات آلاف العمال والفنيين والإداريين الذين سيدخلون سوق العمل مع انطلاق المشاريع الجديدة، وتأمين الممتلكات والنقل لحماية المعدات ووسائل الشحن البري والبحري والجوي وسلاسل التوريد، والتأمين التكافلي كخيار مفضل للمستثمرين الخليجيين الراغبين في صيغ متوافقة مع الشريعة الإسلامية.

وأكد المهندس العش أن هذه الأنواع “ستشهد نمواً غير مسبوق وقد تتحول إلى عصب رئيسي لسوق التأمين خلال السنوات القادمة”.

انعكاسات مباشرة على السوق

ويرى أن دخول الاستثمارات سيجبر شركات التأمين السورية على تطوير خبراتها وبنيتها، وتوسيع شراكاتها مع شركات إعادة التأمين العالمية وإعادة هيكلة بعضها إن اضطر الأمر لمواكبة التحديات الجديدة .
ويضيف: “شركات التأمين ستكون أمام تحدي رفع كفاءتها الفنية، تدريب كوادرها، وتبني تقنيات حديثة لتسريع التعويضات وإدارة المخاطر بكفاءة أكبر”.

كما يتوقع أن تؤدي المنافسة إلى تحسين جودة الخدمات وتسريع تسوية المطالبات وتطوير نظام العقود المعمول به حالياً لمواكبة التطورات الحالية، إضافة إلى ضرورة اعتماد التحول الرقمي وعودة شركات إعادة التأمين العالمية للسوق السوري.

التحديات أمام النهوض

ورغم التفاؤل، يلفت المهندس العش، إلى عقبات جدية مثل ضعف البيئة المصرفية وأنظمة الدفع، نقص الكفاءات البشرية، وتراجع ثقة الجمهور بشركات التأمين.
ويقول: “هذه التحديات ليست مستحيلة، لكنها تحتاج إلى إرادة حقيقية من الشركات ودعماً من الجهات الرقابية وحزماً في نفس الوقت لتطوير بيئة أكثر كفاءة وشفافية”.
وفي هذا الإطار، يشدد العش على أن المرحلة القادمة لا تحتمل النزاعات الداخلية أو إضاعة الوقت في الخلافات الجانبية، مؤكداً أن “نجاح قطاع التأمين مرهون بتكاتف كافة الجهات المعنية بقطاع التأمين وأن الحوار والشفافية هما السبيل الأمثل لبناء الثقة، بينما أي نزاعات قد تشكل عائقاً أمام جذب الاستثمارات وتطوير السوق”.
فرصة تاريخية
ويختم المستشار التأميني المهندس سامر العش بالقول: “نحن أمام فرصة تاريخية لقطاع التأمين السوري إذا أحسنا استثمار هذه اللحظة، فقد نشهد خلال خمس سنوات تضاعف حجم السوق مرات عديدة وعودة شركات إعادة التأمين العالمية، وتحول التأمين من قطاع ثانوي إلى ركيزة أساسية تدعم الاستثمار والتنمية الاقتصادية في البلاد”.

شارك